### **«غير مرئية» لشيرين فتحي: لعبة المحو والكتابة في متاهة السرد**

 

**"اللؤلؤة" لجون ستاينبك: مرآة تعكس جشع الإنسان وصراع القيم الخالد**

 

تُعتبر رواية "اللؤلؤة" (The Pearl) للكاتب الأمريكي الحائز على جائزة نوبل، جون ستاينبك، واحدة من الأعمال الأدبية القصيرة المكثفة التي تركت بصمة لا تُمحى في الأدب العالمي. نُشرت لأول مرة عام 1947، وهي مستوحاة من حكاية شعبية مكسيكية، لتنسج من خلالها ستاينبك قصة رمزية عميقة تستكشف أغوار الطبيعة البشرية، وتحديدًا التأثير المدمر للجشع، وصراع القيم الفطرية مع إغراءات الثروة المادية، ضمن سياق مجتمعي قاسٍ يعاني فيه المهمشون من الاستغلال والظلم.

**"اللؤلؤة" لجون ستاينبك: مرآة تعكس جشع الإنسان وصراع القيم الخالد**

**"اللؤلؤة" لجون ستاينبك: مرآة تعكس جشع الإنسان وصراع القيم الخالد**

**السياق والبيئة عالم من الفقر والأمل الهش**

 

تدور أحداث الرواية في قرية صيد صغيرة على ساحل المكسيك،

 حيث يعيش كينو، غواص اللؤلؤ الشاب، مع زوجته جوانا وابنهما الرضيع كويوتيتو. يمثل كينو استمرارية لتقاليد أجداده، فهو "غواص فقير، مثل والده وجده قبله، يجمع اللؤلؤ من قاع الخليج الذي جلب ذات مرة ثروة كبيرة لملوك إسبانيا".

•  هذه الجملة الافتتاحية لا تحدد مهنة كينو فحسب، بل ترسم أيضًا خلفية تاريخية من الاستغلال، حيث
•  كانت ثروات السكان الأصليين تذهب لغيرهم. حياة كينو وأسرته بسيطة ومتواضعة، يقتاتون بالكفاف
•  لكنها حياة متناغمة مع الطبيعة ومفعمة بالحب الأسري. هذا التوازن الدقيق هو ما سيتم اختباره لاحقًا.

 

**نقطة التحول اكتشاف "لؤلؤة العالم"**

 

يأتي الحدث المحوري عندما يتعرض كويوتيتو للدغة عقرب سامة. يسارع كينو وجوانا بالطفل إلى طبيب المدينة، وهو رجل أبيض يمثل السلطة الاستعمارية والطبقية، فيرفض معالجة الطفل لفقر والديه. هذا الرفض المهين يدفع كينو بيأس إلى البحر، أمله الأخير.

1.  وهناك، وبشكل شبه إعجازي، يكتشف كينو لؤلؤة لم يرَ مثلها قط: "لؤلؤة كبيرة بحجم بيضة طائر
2.  النورس، وضخمة كاملة كالقمر". هذه اللؤلؤة، التي يطلق عليها "لؤلؤة العالم"، تشتعل في قلبه الأمل
3.  وتعده بحياة أفضل: تعليم لابنه، زواج رسمي في الكنيسة، بندقية، وربما تغيير جذري في وضعه
4.  الاجتماعي.

 

**ظلال الجشع والفساد تحول الحلم إلى كابوس**

 

ما إن ينتشر خبر اكتشاف اللؤلؤة، حتى تتغير نظرة القرية بأكملها تجاه كينو. 

فالأمل الذي أشعلته اللؤلؤة في قلبه، أشعلت جشعًا وحسدًا في قلوب الآخرين. الطبيب الذي رفض علاج كويوتيتو سابقًا، يعود مدعيًا الاهتمام، لكن نواياه الحقيقية هي الاستيلاء على اللؤلؤة. تجار اللؤلؤ في المدينة، الذين يعملون كشبكة متواطئة، يحاولون بخس قيمة اللؤلؤة بشكل صارخ، مستغلين جهل كينو بأسعار السوق الحقيقية.

 

• تبدأ اللؤلؤة، التي كانت رمزًا للأمل والخلاص، بالتحول إلى نذير شؤم. يشعر كينو بالخطر يحيط به
•  من كل جانب. يتعرض لهجمات متكررة من لصوص مجهولين يحاولون سرقتها. تتغير شخصيته
•  تدريجيًا؛ يصبح أكثر عنفًا، شكاكًا، وعنادًا. تحاول زوجته جوانا، بحكمتها الفطرية وإحساسها بالخطر
•  المتزايد، إقناعه بالتخلص من اللؤلؤة، قائلة إنها "شريرة" و"ستدمرهم". لكن كينو، الذي أصبح أسيرًا
•  لأحلامه وطموحاته التي غذتها اللؤلؤة، يرفض بعناد، ويرى في التخلي عنها هزيمة لآماله وتأكيدًا
•  لظلم العالم.

 

**الرحلة المأساوية وتجلي الشر**

 

يقرر كينو الذهاب إلى العاصمة لبيع اللؤلؤة بسعر عادل، لكن رحلته مع جوانا وكويوتيتو تتحول إلى هروب مأساوي. يطاردهم مجهولون، وتتصاعد الأحداث نحو عنف مفرط. يضطر كينو لقتل أحد مهاجميه دفاعًا عن نفسه وعن اللؤلؤة. يُحرق كوخهم ويُحطم قاربهم، وهو إرث عائلته ومصدر رزقه الوحيد، ليُقطع بذلك كل صلة له بماضيه وحياته البسيطة.

 

1. تصل المأساة إلى ذروتها عندما يُقتل ابنهما الرضيع كويوتيتو برصاصة طائشة من أحد المطاردين
2.  ظنًا منهم أنه صوت حيوان. هذه الفاجعة النهائية تكسر كينو تمامًا وتجعله يدرك الحقيقة المرة: اللؤلؤة
3.  لم تجلب سوى الدمار والموت.

 

**الخاتمة الرمزية والرسالة العميقة**

 

في المشهد الأخير، يعود كينو وجوانا إلى قريتهما، محطمين، يحملان جثة ابنهما. يتقدمان نحو الشاطئ، وفي لحظة من الإدراك الموجع واليأس المطلق، يلقي كينو باللؤلؤة العظيمة مرة أخرى إلى أعماق البحر، حيث تنتمي. هذا الفعل الرمزي لا يعيد لهما ابنهما، ولكنه يمثل رفضًا للعالم المادي الفاسد الذي دمر حياتهما، واستعادة شكل من أشكال الكرامة المفقودة.

 

• تستكشف "اللؤلؤة" ببراعة "أسرار طبيعة الإنسان، والجشع، وأعمق أعماق الشر، وإمكانات الحب
•  المضيئة". إنها قصة عن كيف يمكن للثروة المفاجئة أن تفسد النفوس الطيبة، وكيف يمكن للجشع أن
•  يحول الحلم إلى كابوس. يصور ستاينبك بأسلوبه الواقعي البسيط والمؤثر الظلم الاجتماعي
•  والاستغلال الذي يتعرض له الفقراء والمهمشون. اللؤلؤة نفسها تصبح رمزًا متعدد الأوجه: فهي
•  الأمل، ثم الطموح، ثم الجشع، وأخيرًا الشر والدمار.

 الختام

تظل "اللؤلؤة" قصة كلاسيكية ملهمة ومحذرة في آن واحد. إنها دعوة للتأمل في القيم الحقيقية للحياة، وفي الثمن الباهظ الذي قد يدفعه الإنسان عندما ينساق وراء بريق الثروة الزائف، متجاهلاً أهمية الروابط الإنسانية والبساطة التي قد تحمل في طياتها السعادة الحقيقية. بأسلوبها المكثف وشخصياتها المرسومة بعناية، تنجح الرواية في تقديم نقد اجتماعي لاذع ورؤية فلسفية عميقة حول طبيعة الخير والشر في النفس البشرية.