**"الناس في إفريقيا": رحلة استكشاف إنساني في قلب القارة السمراء بعيون صينية وترجمة مصرية**
يُشكل كتاب "الناس في إفريقيا" للكاتبة
الصينية جيا تشي هونغ، والذي أغنت المكتبة العربية بترجمته الرصينة الكاتبة
والمترجمة المصرية القديرة رضوى إمبابي، نافذة فريدة نطل منها على تجربة إنسانية
وثقافية غنية وعميقة. لا يقتصر العمل على كونه مجرد سرد لرحلة عمل تقليدية إلى
إحدى دول غرب إفريقيا، بل يتجاوز ذلك ليصبح وثيقة أدبية حية ترصد ببراعة وتأمل نبض
الحياة اليومية، وجماليات الروح الإفريقية، وسحر الطبيعة البكر في تلك الأصقاع.
![]() |
**"الناس في إفريقيا": رحلة استكشاف إنساني في قلب القارة السمراء بعيون صينية وترجمة مصرية** |
رحلتها
تنطلق الكاتبة جيا تشي هونغ في رحلتها وهي تحمل معها فضول المستكشف وعين الفنان التي تلتقط التفاصيل الدقيقة.
ومن خلال لغة وصفية
آسرة، تنجح في نقل القارئ من مكانه ليشاركه مشاهداتها وانطباعاتها. لا تكتفي هونغ
بالوصف الخارجي، بل تغوص في عمق التجارب، متفاعلة مع محيطها، ومستمعة بشغف إلى
حكايات الناس وهمومهم وأفراحهم. إنها تقدم لنا صورة بانورامية للحياة هناك، بكل ما
تحمله من تناقضات ساحرة؛ فقر مادي قد يتجاور مع غنى روحي وثقافي لافت، وبساطة في
العيش تترافق مع عمق في الحكمة وفهم للحياة.
- أحد أبرز جوانب قوة هذا الكتاب يكمن في قدرة المؤلفة على التقاط "روعة الأشياء البسيطة التي
- يصعب ملاحظتها". ففي عالم بات مسكونًا بالسرعة والتعقيد، تعيدنا هونغ إلى تقدير اللحظات العابرة
- والابتسامات الصادقة، ودفء العلاقات الإنسانية غير المشروطة. إنها ترصد جمال الطبيعة ليس فقط
- في تجلياتها الكبرى كقوس قزح المهيب الذي يظهر شامخًا بعد انهمار المطر، والذي يرمز للأمل
- والتجدد، بل أيضًا في تفاصيل أصغر كألوان الأزهار البرية، أو همس الرياح بين الأشجار، أو سكون
- الليل تحت سماء إفريقية مرصعة بالنجوم. هذه اللقطات، المرسومة بعناية لغوية فائقة، تعكس
- "جماليات الحياة النقية" التي تشير
إليها المقدمة، حياة لم تلوثها بعد صراعات الحداثة المفرطة.
البعد الإنسانى
يتجلى البعد الإنساني في الكتاب بقوة من خلال تصوير الكاتبة لـ "ترحاب البشر". فهي لا تقدم الأفارقة كأرقام أو كائنات غريبة، بل كأفراد لهم أحلامهم وتطلعاتهم وتقاليدهم الراسخة.
ترصد كرم الضيافةالمتأصل، والقدرة على المشاركة رغم قلة الإمكانيات، ودفء التواصل الذي يتجاوز
حواجز اللغة والثقافة. وفي هذا السياق، تبرز "المهارة الأدبية اللافتة" التي
تتمتع بها هونغ، حيث تنسج من هذه اللقاءات والتفاعلات حكايات مؤثرة تلامس شغاف
القلب، وتؤكد على "التقارب الإنساني" الذي يمكن أن يزدهر حتى في ظل
الفروق اللغوية والعرقية الظاهرة. هذه الحكايات هي شهادة حية على أن جوهر
الإنسانية واحد، وأن القيم النبيلة كالحب والتعاطف والاحترام هي لغة عالمية يفهمها
الجميع.
- لا يغفل الكتاب الإشارة إلى "المناطق الغنية بتراثها العريق وثقافتها الفريدة". فغرب إفريقيا، بتاريخه
- الممتد وحضاراته المتعاقبة، هو كنز من التقاليد الشفهية، والفنون البصرية، والموسيقى الإيقاعية
- والمعتقدات الروحية. وإن كانت الكاتبة لا تقدم دراسة أنثروبولوجية متخصصة، إلا أنها تنجح في نقل
- شذرات من هذا الثراء، مما يثير فضول القارئ ويدعوه لمزيد من
البحث والاستكشاف.
أهمية الكتاب
تأتي أهمية ترجمة رضوى إمبابي لهذا العمل في أنها لم تقتصر على النقل الحرفي للكلمات، بل سعت جاهدة لنقل الروح والإحساس الذي بثته الكاتبة الأصلية في نصها.
إن "اللغة الرقيقة العذبة" التي وُصف بها
النص الأصلي تجد صداها في الترجمة العربية، مما يجعل القراءة تجربة ممتعة وسلسة،
ويساهم في تقريب هذه التجربة الصينية-الإفريقية من القارئ العربي. إنها جسر ثقافي
مزدوج: من الصين إلى إفريقيا، ومن هذه التجربة الثنائية إلى العالم العربي.
الختام
يُعد كتاب "الناس في إفريقيا" إضافة قيمة لأدب الرحلات، لأنه يتجاوز مجرد الوصف السياحي السطحي. إنه دعوة للتأمل في معنى الحياة، وفي العلاقات الإنسانية، وفي أهمية الانفتاح على الثقافات الأخرى. إنه يذكرنا بأن الجمال يكمن في التنوع، وأن الإنسانية تجمعنا رغم كل الاختلافات.
من
خلال عيني جيا تشي هونغ وقلم رضوى إمبابي، نكتشف وجهًا آخر لإفريقيا، وجهًا ينبض
بالحياة والأمل والجمال، بعيدًا عن الصور النمطية التي قد تسود أحيانًا. إنه عمل
يثري الروح ويوسع الآفاق، ويستحق القراءة والتأمل.