recent
أخبار ساخنة

### **توني موريسون: المهندسة الخفية للوعي الأدبي الأسود**

الصفحة الرئيسية

 

### **توني موريسون: المهندسة الخفية للوعي الأدبي الأسود**

 

عندما يُذكر اسم توني موريسون، تتبادر إلى الأذهان صورة عملاقة الأدب الأمريكي، الروائية الحائزة على جائزة نوبل، والصوت الذي أعاد تشكيل السردية الأمريكية لتشمل التجربة السوداء بعمقها وتعقيداتها التي لم يسبق لها مثيل. إنها مؤلفة "محبوبة" و"نشيد الإنشاد"، الأيقونة التي تزين كلماتها الملهمة القمصان ومغناطيسات الثلاجات. لكن خلف هذه الصورة الأسطورية، تكمن حقيقة مهنية أخرى، أقل شهرة ولكنها لا تقل أهمية وتأثيراً: توني موريسون المحررة الأدبية، المهندسة التي عملت بصمت لما يقرب من عقدين في دار "راندوم هاوس" لتشييد صرح جديد للأدب الأفروأمريكي.

عندما يُذكر اسم توني موريسون، تتبادر إلى الأذهان صورة عملاقة الأدب الأمريكي، الروائية الحائزة على جائزة نوبل، والصوت الذي أعاد تشكيل السردية الأمريكية لتشمل التجربة السوداء بعمقها وتعقيداتها التي لم يسبق لها مثيل. إنها مؤلفة "محبوبة" و"نشيد الإنشاد"، الأيقونة التي تزين كلماتها الملهمة القمصان ومغناطيسات الثلاجات. لكن خلف هذه الصورة الأسطورية، تكمن حقيقة مهنية أخرى، أقل شهرة ولكنها لا تقل أهمية وتأثيراً: توني موريسون المحررة الأدبية، المهندسة التي عملت بصمت لما يقرب من عقدين في دار "راندوم هاوس" لتشييد صرح جديد للأدب الأفروأمريكي.
### **توني موريسون: المهندسة الخفية للوعي الأدبي الأسود**


### **توني موريسون: المهندسة الخفية للوعي الأدبي الأسود**


  • يكشف كتاب "توني في راندوم: أيقونة الكتابة وأسطورة التحرير" (Toni at Random: The
  •  Iconic Writer's Legendary) للكاتبة دانا آيه وليمز، عن هذه الحقبة المفصلية (1965-1983)
  •  في حياة موريسون، مقدماً رؤية تصحيحية تنزع عنها عباءة الأيقونة الجامدة لتعيدها إلى إنسانيتها
  •  العاملة، وإلى ذكائها العملي، وشغفها الذي لم يكن مقتصراً على كلماتها الخاصة، بل امتد ليشمل
  •  رعاية أصوات الآخرين.

**من أم عزباء إلى محررة ذات رؤية**

 

لم يكن دخول موريسون عالم النشر خياراً مترفاً. ففي عام 1965، كانت أماً عزباء لطفلين، تبحث عن وظيفة تؤمن لها الاستقرار. قبلت عرض عمل في قسم الكتب المدرسية بشركة "إل دبليو سنغر" في سيراكيوز، التي استحوذت عليها "راندوم هاوس" لاحقاً. كانت مخاطرة كبيرة، لكن كما أوضحت وليمز، فإن "فكرة الحصول على أجر مقابل العمل في الكتب طوال اليوم كانت جذابة بلا أدنى شك".

 

  • وبعد عامين، انتقلت إلى مقر "راندوم هاوس" الرئيسي في نيويورك عام 1967، وهناك لم تجد وظيفة
  •  فحسب، بل وجدت رسالة. في ذلك الوقت، كانت موريسون تخفي حقيقة كونها كاتبة طموحة عن
  •  زملائها. وقد صرحت في حوارها الشهير مع مجلة "ذا باريس ريفيو" عام 1993 بأنها لو كشفت عن
  •  ذلك "لما وظفوها أصلاً... كانوا سيطردونني"، مشيرة إلى أن الجمع بين مهنتي التحرير والكتابة لم
  •  يكن شائعاً أو مقبولاً آنذاك. هذا التكتم يكشف عن فطنتها الاستراتيجية، وإدراكها بأن عليها أن تثبت
  •  نفسها أولاً كمحررة قادرة قبل أن تكشف عن طموحها الأكبر.

 

**صياغة قانون أدبي جديد ما وراء الغضب والمصالحة**

 

سرعان ما أدركت موريسون الفجوة الهائلة في المشهد الأدبي الأمريكي. كانت الكتب التي يكتبها المؤلفون السود آنذاك تقع غالباً في فئتين حددتهما بتهكم لاذع: فئة "اللعنة على الأبيض"، وهي كتابات غاضبة موجهة ضد القهر العنصري، وفئة "تعال لأصلح شأنك يا أبيضي الحبيب"، وهي كتابات تصالحية تسعى إلى طمأنة القارئ الأبيض. رأت موريسون أن كلتا الفئتين، على اختلافهما، تشتركان في عيب جوهري: أنهما تتمحوران حول الرجل الأبيض، وتجعلان من التجربة السوداء مجرد رد فعل.

 

  1. كان مشروع موريسون التحريري ثورياً: البحث عن ونشر كتب تتحدث *إلى* القراء السود *عن*
  2.  حياتهم وثقافتهم وتجاربهم الداخلية، بعيداً عن "النظرة البيضاء" (White Gaze). أرادت أدباً
  3.  يغوص في غنى وتعقيدات الحياة السوداء، لا كقضية اجتماعية، بل كتجربة إنسانية مكتملة.

 

كان تتويج هذا الجهد هو "الكتاب الأسود" (The Black Book) عام 1974، وهو عبارة عن أنطولوجيا فريدة جمعت قصاصات من الصحف، وكلمات الأغاني، والوصفات، والصور الفوتوغرافية، والإعلانات، وبراءات الاختراع، لتشكل سجلاً بصرياً ونصياً لتاريخ الأمريكيين السود على مدى قرون. لم يكن الكتاب عملاً أكاديمياً، بل احتفاءً حياً بالثقافة الشعبية والذاكرة الجماعية.

 وقد حقق نجاحاً تجارياً كبيراً، محطماً خرافة أن "السود لا يشترون الكتب". قالت موريسون عن هذا المشروع: "إخراج هذا الكتاب إلى النور لم يبد لي عملاً، لقد كان أكثر من عمل، كان بهجة خالصة". لقد كان دليلاً ملموساً على أن هناك سوقاً وقراءً متعطشين لقصصهم الخاصة.

 

**فن التحرير بين القبضة الحديدية واليد الحانية**

 

لم تكن موريسون مجرد حارسة بوابة تختار المخطوطات، بل كانت شريكة إبداعية حقيقية لكتابها. تكشف مراسلاتها، التي حفظتها جامعة كولومبيا، عن محررة تجمع بين الدقة النقدية والتعاطف الإنساني. كانت رسائل رفضها طويلة، مليئة بالاقتراحات البناءة والنقد الواضح، في محاولة لمساعدة الكاتب حتى لو لم تتمكن من نشر عمله.

 

  • أما علاقتها بالمؤلفين الذين عملت معهم، فكانت مزيجاً من الصداقة الحميمة والصرامة المهنية.
  •  تعاونها مع الكاتبة توني كيد بامبرا على روايتها "آكلو الملح" يجسد هذا الأسلوب. أقامت بامبرا في
  •  منزل موريسون لعدة أيام، حيث كانت تكتب في الطابق العلوي ثم تنزل مسرعة لتستشير محررتها.
  •  تصف موريسون هذا التفاعل الديناميكي بقولها: "لم يكن عليّ إلا أن أهمهم وأشير فتعرف بالضبط ما
  •  أقترحه عليها". 

لكن عندما تأخرت بامبرا في تسليم الصفحات الأخيرة، لم تتردد موريسون في إرسال رسالة حاسمة ومرحة في آن: "لقد أزف الوقت... بعد الحب ستأتي طلقات الرصاص". هذه اللهجة، التي تمزج بين الود والتهديد، كانت كفيلة بإنجاز العمل.

 

كما كشفت عن جانبها الإنساني العميق، كما في قصة لقائها بالكاتب الشاب جون آيه مكلوسكي عام 1971. عندما علمت أن زوجته وابنه ينتظرانه في السيارة بالخارج، ألغت جدول أعمالها ونزلت لتحيتهما، مدركة مشقة رحلتهما الطويلة من الغرب الأوسط إلى مانهاتن. لم تكن تتعامل مع مجرد مخطوطة، بل مع إنسان وعائلته.

 

**المحررة التي تُحرَّر ازدواجية فريدة**

 

خلال سنوات عملها في "راندوم هاوس"، كانت موريسون تعيش حياة مزدوجة. فبينما كانت تصقل أعمال أنجيلا ديفيس وغاي جونز وتوني كيد بامبرا، كانت هي نفسها تكتب رواياتها التي ستغير وجه الأدب الأمريكي: "العين الأكثر زرقة" (1970)، "سولا" (1973)، و"نشيد الإنشاد" (1977).

 

  1. هذه الازدواجية منحتها منظوراً فريداً. لقد فهمت العلاقة بين الكاتب والمحرر من كلا الجانبين. كانت
  2.  تعمل مع محررها الأسطوري، روبرت غوتليب، الذي وصفته بأنه "العين الثالثة، الهادئة والمحايدة".
  3. لقد قدرت قدرته على معرفة "ما لا ينبغي أن يمسه"، وعلى وضع إصبعه بدقة على مواطن الضعف
  4.  التي قد يحاول الكاتب إخفاءها. تجربتها ككاتبة جعلتها محررة أفضل، وتجربتها كمحررة منحتها فهماً
  5.  أعمق لآليات صناعة النشر وكيفية التنقل فيها.

 

**إرث يتجاوز الكلمات**

 

إن إرث توني موريسون التحريري ليس مجرد حاشية في سيرتها الذاتية، بل هو جزء لا يتجزأ من ثورتها الأدبية. لقد استخدمت موقعها داخل إحدى أكبر مؤسسات النشر في العالم لتحدي الوضع الراهن من الداخل، وفتحت الأبواب لعشرات الأصوات السوداء التي ربما كانت ستظل صامتة لولاها. لقد كانت مهمتها أكثر من مجرد نشر كتب؛ كانت مهمة بناء قانون أدبي، وتأكيد شرعية تجربة كاملة، وتغيير من يملك الحق في سرد القصة الأمريكية.

 الختام

في النهاية، ربما تكون أفضل من لخص فلسفتها في التحرير هي موريسون نفسها، بكلماتها التي تجمع بين الحكمة والتحذير: "إن المحرر الأدبي شبيه بالقسيس أو الطبيب النفسي. إذا كان من النوع الخاطئ، فخير للكاتب أن يكون وحده".

 لقد كانت تدرك الثقل الهائل لهذه المسؤولية، وقد كرست سنوات من حياتها لتكون ذلك المحرر "من النوع الصحيح"، ليس فقط لكتابها، بل لجيل كامل من القراء والكتاب. لقد كانت قسيسة الأدب، وراعيته، ومقاتلته الشرسة.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent