**"عجلة الزمن: الصيد العظيم" لروبرت جوردان – رحلة ملحمية في عالم الأساطير والمصائر المتشابكة**
تُعد سلسلة "عجلة الزمن" (The
Wheel of Time) للكاتب الأمريكي الراحل جيمس أوليفر
ريجني جونيور، المعروف باسمه الأدبي روبرت جوردان، واحدة من أعظم الملاحم
الفانتازية في الأدب الحديث. ومن بين مجلداتها الضخمة، تبرز رواية "الصيد
العظيم" (The Great Hunt)، وهي الجزء الثاني
في السلسلة، كعمل محوري يرسخ أسس العالم ويعمق شخصياته ويدفع بالأحداث نحو آفاق
جديدة من التشويق والمخاطر. صدرت هذه الرواية لأول مرة في عام 1990، لتستكمل
الرحلة التي بدأت في "عين العالم"، وتأخذ القراء في مغامرة تتجاوز حدود
القرى الهادئة إلى صراعات كونية تهدد نسيج الواقع ذاته.
![]() |
| **"عجلة الزمن: الصيد العظيم" لروبرت جوردان – رحلة ملحمية في عالم الأساطير والمصائر المتشابكة** |
**إرث الأسطورة وبوق فالير**
تبدأ "الصيد العظيم" من حيث انتهى الجزء الأول، حيث لا يزال صدى الأحداث الكبرى يتردد في الأرجاء.
محور الرواية يدور
حول "بوق فالير" (Horn of Valere)، وهو أداة أسطورية طالما اعتقد الكثيرون أنها مجرد
خرافة يتناقلها "صانعو البهجة"
(Gleemen) في حكاياتهم المسلية. يُقال إن هذا البوق، عند
النفخ فيه، يمتلك القدرة على استدعاء أرواح أبطال العصور الغابرة، أولئك المحاربين
الأسطوريين الذين ارتبطت أسماؤهم بالبطولة والشرف، ليقاتلوا مرة أخرى إلى جانب من
يستدعيهم. هذا الإرث الأسطوري يتحول فجأة إلى حقيقة ملموسة عندما يتم العثور على
البوق، مما يفتح الباب أمام إمكانيات هائلة، سواء للخير أو للشر.
- لكن الفرحة باكتشاف البوق لا تدوم طويلاً، إذ سرعان ما يتعرض للسرقة على يد "أصدقاء الظلام"
- (Darkfriends)، خدام سيد الظلام الشرير الساعي إلى تحطيم عجلة الزمن وإعادة تشكيل العالم
- على صورته المظلمة. هنا تبدأ الحبكة الرئيسية للرواية في التبلور، حيث ينطلق "راند آلثور" (Rand
- al'Thor)، الشاب الذي لا يزال يتصارع مع هويته المكتشفة حديثاً، ومعه رفاقه المخلصون – مات
- كاوثون، بيرين آيبارا، والموجهة الروحية مورين دامودريد وحارسها لان ماندراغوران، بالإضافة
- إلى إيغوين آل فير وناينيف آل ميرا – في مهمة محفوفة بالمخاطر لاستعادة البوق.
**رحلة الاكتشاف والمواجهة**
"الصيد العظيم" ليست مجرد رحلة مطاردة واستعادة، بل هي رحلة اكتشاف للذات وتعميق للصراعات الداخلية والخارجية.
بالنسبة لراند آلثور، تتجاوز المهمة مجرد استعادة قطعة أثرية ثمينة. فخلال هذه الرحلة
المضنية، يواجه راند حقيقة كونه "التنين المُعاد مولده" (The Dragon Reborn) – الشخصية
النبوئية المقدر لها أن تواجه سيد الظلام في "تارمون غايدون" (Tarmon Gai'don)، المعركة الأخيرة بين النور والظلام. هذا
الإدراك يلقي على كاهله عبئاً هائلاً من المسؤولية والخوف، فهو لا يملك السيطرة
الكاملة على القوة الواحدة (One
Power) التي يوجهها، وهي القوة الذكورية الملوثة
المعروفة بـ "سيدين"
(Saidin)، والتي
دفعت بالرجال الموجهين السابقين إلى الجنون والدمار خلال "كسر العالم" (Breaking of the World).
- يستكشف جوردان ببراعة الصراع الداخلي لراند، بين رغبته في حياة طبيعية بسيطة وبين مصيره
- المحتوم الذي يدفعه نحو مواجهات لا يرغب بها وقوى يخشاها. رحلته هي رحلة تعلم وتقبل، حيث
- يُجبر على استكشاف قدراته الاستثنائية ومحاولة السيطرة عليها، مدركاً أن فشله لن يعني هلاكه
- فحسب، بل هلاك
العالم بأسره.
**توسع العالم وتعدد الخطوط السردية**
تتميز "الصيد العظيم" بتوسيعها الكبير
لعالم "عجلة الزمن". يأخذنا جوردان إلى مدن جديدة وثقافات متنوعة، مثل
مدينة كايرهين التي تمزقها الصراعات السياسية، وأراضي الشينار الحدودية، وحتى
العوالم الموازية الغريبة عبر "أحجار البوابة" (Portal Stones). هذا التوسع الجغرافي والثقافي يثري السرد ويقدم للقارئ فهماً
أعمق لتعقيدات هذا العالم.
- كما يبدأ جوردان في نسج خيوط سردية متعددة، حيث لا تقتصر الأحداث على منظور راند وحده
- نرى تطورات مهمة لشخصيات أخرى مثل إيغوين وناينيف اللتين تبدآن تدريبهما ليصبحن "آيس
- سيداي" (Aes Sedai) في "البرج الأبيض" (White Tower) في تار فالون، ليكتشفن أن عالم
- الآيس سيداي ليس أقل تعقيداً ومكائد من العالم الخارجي. وكذلك بيرين آيبارا الذي يتصارع مع
- طبيعته المستذئبة، ومات كاوثون الذي يعاني من تأثير خنجر شادار لوغوث الملعون. هذه الخطوط
- المتوازية تضيف عمقاً للسلسلة وتجعل عالمها أكثر حيوية وواقعية.
**مواضيع وقضايا جوهرية**
تتناول الرواية مجموعة من المواضيع الجوهرية، منها القدر مقابل الاختيار الحر، طبيعة البطولة والتضحية، عبء القوة والمسؤولية،
وصراع
الخير والشر الذي لا يقتصر على معارك جسدية بل يمتد إلى النفوس. كما تستكشف
الرواية مفهوم النبوءات وكيف يمكن أن تشكل حياة الأفراد والمجتمعات، وكيف أن
محاولة الهروب من المصير قد تكون هي الطريق لتحقيقه.
في الختام
تعتبر "عجلة الزمن: الصيد العظيم" تطوراً طبيعياً ونقلة نوعية في السلسلة. إنها رواية ترفع منسوب المخاطر، تعمق فهمنا للشخصيات الرئيسية، وتقدم عالماً فانتازياً يزداد ثراءً وتعقيداً. بأسلوبه الوصفي الغني وحبكته المتقنة، يثبت روبرت جوردان قدرته على خلق ملحمة آسرة تستمر في جذب القراء وإبهارهم.
ممهداً الطريق لأحداث أكثر جسامة في
الأجزاء اللاحقة من هذه السلسلة الخالدة. إنها ليست مجرد قصة عن صيد بوق أسطوري،
بل هي جزء من صيد أكبر للحقيقة، للمصير، وللذات في عالم يقف على حافة التغيير
الأبدي.

.jpg)