recent
أخبار ساخنة

**في البحث عن البطل: وهم الخلاص الفردي في مواجهة التحديات الجماعية**

الصفحة الرئيسية

 

**في البحث عن البطل: وهم الخلاص الفردي في مواجهة التحديات الجماعية**

 

تتغلغل في أعماق الذاكرة الجمعية للبشرية، تلك الحاجة الملحة إلى منقذ، إلى بطل يظهر في لحظات اليأس ليقودنا من وهدة الظلم إلى فضاء العدل.


**في البحث عن البطل: وهم الخلاص الفردي في مواجهة التحديات الجماعية**
**في البحث عن البطل: وهم الخلاص الفردي في مواجهة التحديات الجماعية**


 هذه الفكرة، التي تجسدت عبر التاريخ في صور متعددة من الشخصيات الدينية والسياسية، ليست مجرد أسطورة خرافية، بل هي انعكاس عميق لحالة إنسانية مركبة، تعبر عن تطلعاتنا إلى الخلاص، وعجزنا عن مواجهة تحديات الواقع.

 

في كتابه "البحث عن منقذ"

 يقدم الباحث فالح مهدي تحليلاً دقيقاً لهذه الظاهرة، متتبعاً جذورها في الأديان والثقافات المختلفة. يوضح كيف أن الشعوب التي ترزح تحت نير القهر والإذلال، تجد في فكرة "المنقذ المنتظر" ملاذاً آمناً، وتعلق عليه آمالها في التغيير. هذا المخلص، الذي تستعير صورته من أساطين الدين، سواء كان "كريشنا" في الهندوسية، أو "بوذا" المنتظر في البوذية، أو "المسيح" أو "المهدي" في الأديان الإبراهيمية، يمثل تجسيداً لرغبتنا في استعادة العدل المفقود، وتجاوز واقعنا المأساوي.

 

  • هذه الفكرة، المتجذرة في عمق الوعي الديني
  •  تعود إلى اعتقاد قديم بأن الشر ليس قوة بشرية يمكن مواجهتها بوسائل مادية.
  •  فما يأتي به الشيطان من دمار وفساد، يتطلب قوة إلهية للانتصار عليه.
  •  ولذلك، يصبح الحفاظ على التعاليم الدينية بمثابة مفتاح
  •  لاستعجال ظهور تلك القوة المنقذة. 
  • ولكن، في هذا الانتظار الدائم، يكمن خطر كبير
  •  حيث يتحول الزمن إلى مجرد مساحة فارغة
  •  تتجمد فيها الحياة في ترقب أزلي للمستقبل
  • بينما يغيب الحاضر والماضي بكل ما فيهما من تجارب وانفعالات.

 

هذا "الانتظار"

 ليس مجرد ترقب سلبي، بل هو حالة وجد، يتخلى فيها المؤمن عن الواقع بكل ما فيه من تعقيدات، ليعيش في عالم مثالي، حيث يكون الخلاص قريباً. ولكن، هذا التجميد الزمني، وهذا الهروب من الواقع، يقود إلى حالة من اليأس المطلق، حيث تفقد الحياة معناها، وتصبح مجرد انتظار للحدث العظيم الذي سيغير كل شيء. هذا اليأس، الذي يعتبره البوذيون خطوة أولى نحو النيرفانا، يصبح في الواقع فخاً يحبسنا في دائرة مفرغة من الترقب السلبي.

 

  1. عندما يتوقف العقل عن التفكير النقدي،
  2.  تبدأ آلة الخيال في العمل، لتعويض الفقد والحرمان. هذه الآلية النفسية
  3.  التي تختص بها بنو الإنسان، تؤدي بنا إلى خلق شخصيات بطولية
  4.  قادرة على تحقيق ما عجزنا عنه في الواقع. 
  5. ولكن هذا العقل المريض، المشلول عن الفعل، يقودنا في النهاية إلى الجنون
  6. وإلى خراب مجتمعاتنا. فالانتظار يولد انتظاراً آخر
  7. والخضوع يتبعه خضوع أشد، كما يقول ألبير كامو:
  8.  "الأمل، عكس ما نظن، يعادل الرضوخ. والحياة هي في عدم الرضوخ".

 

من هذه الفكرة

 أي من فكرة المنقذ المنتظر، ينبع حلم الشعوب المقهورة بالبطل المرتقب. هذا البطل، الذي ليس بالضرورة أن يكون غائباً، بل يمكن أن يكون شخصاً عادياً يعيش بيننا، يصبح محوراً للأساطير والخرافات التي لا تعكس الواقع، بل تعكس حالة الضعف والهوان التي تعاني منها الجماهير. هذه الجماهير، التي تبالغ في تبجيل بطلها، قد تصل إلى حد رؤيته منقوشاً على صفحة القمر، كما حدث في العراق بعد مقتل عبد الكريم قاسم. هذه الرؤى، التي تعكس حالة اليأس والتعلق بالخلاص الفردي، تجعلنا أسرى وهم، بدلاً من أن نكون أصحاب مبادرة وقدرة على التغيير.

 

  • لا يشترط في البطل أن يكون خارقاً
  •  بل يكفي أن يكون شخصاً عادياً، يتم رفعه إلى هذه المكانة عنوة
  •  ليصبح رمزاً للتطلعات والأحلام. هذا البطل
  • الذي يصبح أسيراً في قبضة مريديه، يجد نفسه مجبراً
  •  على الحفاظ على صورته المقدسة، حتى لو كان ذلك
  •  على حساب حريته الشخصية.
  •  هذا الاشتباك المصيري بين الجماهير والبطل
  •  يؤدي إلى خلق علاقة تبعية متبادلة، حيث تعتمد الجماهير
  •  على البطل للحماية، ويعتمد البطل على الجماهير للحفاظ على مكانته.

 

فكرة البحث عن قائد مظفر

تحوطه أكاليل المجد والغار، ليست وليدة اليوم، بل هي جزء من التراث الإنساني. في كل جيل، وفي كل مكان، يظهر بطل جديد، ليحل محل البطل القديم. هذا البطل، الذي ليس مخلداً كالرموز الدينية، بل هو كائن بشري له عمر محدود، يتم دفنه بعد فنائه، ليولد بطل جديد يحل محله. هذه الدورة المتكررة من الأبطال، تعكس حاجتنا الدائمة إلى من يقودنا، وإلى من نعلّق عليه آمالنا في التغيير. هذه الحاجة، التي تحجب عنا حقيقة أننا نحن من يجب أن يقود التغيير، وأننا نحن من يجب أن نصنع مستقبلنا بأيدينا.

 

  1. البطل في الحلم يقابله إنسان مهزوم في الواقع. 
  2. هذا الفرق الشاسع بين الحلم والواقع، يقود إلى حالة من الرق الجماعي
  3.  حيث يفقد الأفراد حريتهم وقدرتهم على التفكير النقدي
  4. ليصبحوا مجرد أدوات في يد البطل. هذا الاستعباد
  5.  الذي قد لا يكون ظاهراً للعيان، يقود إلى نتائج مدمرة
  6.  حيث تفقد المجتمعات قدرتها على التطور والنمو.

 

في مجتمعاتنا المعاصرة

 التي تتميز بالتنوع العرقي والديني، لم يعد البطل الواحد قادراً على تمثيل الجميع. بدلاً من ذلك، نرى ظهور أبطال متعددين، يمثلون مجموعات مختلفة، ليتحولوا في النهاية إلى أدوات للفرقة والانقسام. هذه الصراعات، التي تدور حول الأبطال، تقود إلى حروب أهلية باردة، قد تتحول في أي لحظة إلى هستيريا جماعية، تدمر كل ما بنيناه من قيم ومبادئ.

 

  • عندما تصبح حياة الإنسان رخيصة
  •  وتنتشر المظالم، يرتكب الناس أفظع الجرائم.
  • ولكن، عندما تسود الحرية والعدالة، يتغير الوعي الجمعي
  • ونصبح قادرين على إيجاد الحلول من داخلنا
  • بدلاً من البحث عنها في الخارج. 
  • في هذه الحالة، يتحول البطل إلى قدوة، يطمح الجميع إلى الوصول إلى مكانته
  •  سواء كان فناناً أو عالماً أو مهندساً. 
  • هذا النموذج الجديد من البطولة
  •  الذي يعتمد على الإبداع والعطاء، بدلاً من القوة والهيمنة
  •  هو النموذج الذي يجب أن نسعى إليه
  •  إذا أردنا أن نبني مجتمعات قوية ومزدهرة.

 

في الختام

 لا بد من التأكيد على أن الخلاص الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من الداخل. لا يمكننا أن نعتمد على الأبطال والمنقذين، بل يجب أن نعتمد على أنفسنا، وعلى قدراتنا الجماعية. يجب أن نتحرر من وهم الخلاص الفردي، وأن ندرك أن التغيير الحقيقي يبدأ من داخلنا، ومن قدرتنا على العمل المشترك من أجل بناء مجتمع أفضل. هذا هو الطريق الوحيد نحو مستقبل مشرق، ومجتمع يرتكز على العدل والحرية والمساواة.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent