recent
أخبار ساخنة

### **"الأحلام في منزل الساحرة": حين تصبح الهندسة بوابة إلى الجحيم**

الصفحة الرئيسية

 

### **"الأحلام في منزل الساحرة": حين تصبح الهندسة بوابة إلى الجحيم**

 

في عالم الأدب، قليلون هم الكُتّاب الذين استطاعوا أن ينحتوا نوعًا أدبيًا خاصًا بهم، وهوارد فيليبس لافكرافت هو بلا شك أبرزهم. من خلال "الرعب الكوني"، لم يكتفِ لافكرافت بإخافة قرائه من الأشباح والوحوش التقليدية، بل زرع فيهم خوفًا أعمق وأكثر أصالة

في عالم الأدب، قليلون هم الكُتّاب الذين استطاعوا أن ينحتوا نوعًا أدبيًا خاصًا بهم، وهوارد فيليبس لافكرافت هو بلا شك أبرزهم. من خلال "الرعب الكوني"، لم يكتفِ لافكرافت بإخافة قرائه من الأشباح والوحوش التقليدية، بل زرع فيهم خوفًا أعمق وأكثر أصالة
### **"الأحلام في منزل الساحرة": حين تصبح الهندسة بوابة إلى الجحيم**


### **"الأحلام في منزل الساحرة": حين تصبح الهندسة بوابة إلى الجحيم**


  •  الخوف من جهل الإنسان المطبق أمام كونٍ شاسع، لا يبالي، ومليء بكيانات تفوق استيعابه. وتُعد
  •  قصة "الأحخاص في منزل الساحرة" (The Dreams in the Witch House)، المنشورة عام
  •  1933، واحدة من أكثر أعماله تجسيدًا لهذه الفلسفة، حيث يمزج فيها ببراعة فائقة بين العلم الزائف
  •  والفولكلور المظلم، والرعب النفسي، ليخلق سيمفونية من الجنون والهلوسة.

#### **الزمكان والشخصيات خيوط الرعب الأولى**

 

تدور أحداث القصة في مدينة "أركام" الخيالية بولاية ماساتشوستس، وهي مسرح لمعظم قصص لافكرافت، المدينة التي يغلفها تاريخ مظلم وأسرار قديمة. بطل القصة هو والتر غيلمَن، وهو ليس بطلاً بالمعنى التقليدي، بل هو نموذج "الباحث عن المعرفة المحرمة" الذي يتكرر في أعمال لافكرافت.

  •  غيلمَن طالب متفوق في جامعة "ميسكاتونيك" المرموقة، يجمع بين دراسة الفيزياء الكمومية
  •  والرياضيات المتقدمة من جهة، والفولكلور والأساطير القديمة من جهة أخرى. هذا المزيج الفكري هو
  •  ما يقوده مباشرة إلى حتفه، إذ يدفعه فضوله لاستئجار غرفة علوية رخيصة في منزل قديم يُعرف باسم
  •  "منزل الساحرة".

 

المنزل نفسه شخصية محورية في القصة. يُشاع أنه كان مسكنًا لـ"كيزيا ميسون"، وهي ساحرة تمكنت من الهرب من سجن سالم في القرن السابع عشر بفضل قدراتها الخارقة. لم تكن كيزيا مجرد ساحرة تقليدية، بل كانت، بحسب الأساطير التي يدرسها غيلمَن، عالمة في أبعاد أخرى. لقد توصلت إلى أن "هناك خطوطًا ومنحنيات معينة يمكن رسمها لتحديد اتجاهات تؤدي عبر جدران الفضاء إلى فضاءات أخرى أبعد".

 هذا المفهوم هو حجر الزاوية في القصة: السحر ليس مجرد طقوس وشعوذة، بل هو تطبيق عملي لهندسة غير إقليدية وفيزياء كونية غريبة.

 

تتميز غرفة غيلمَن بزواياها الهندسية الشاذة والمقلقة، وهو ما يجذبه في البداية كمسألة رياضية، لكنه سرعان ما يكتشف أن هذه الهندسة تؤثر مباشرة على وعيه أثناء النوم، وتعمل كبوابة إلى عوالم أخرى.

 

#### **انهيار الحدود بين الحلم والواقع، والعلم والسحر**

 

تبدأ مأساة غيلمَن كسلسلة من الأحلام الحية والمزعجة. في هذه الأحلام، يجد نفسه ينجرف عبر فضاءات دوامية من الألوان والأشكال المستحيلة، بصحبة الساحرة العجوز كيزيا ميسون وكائنها الخادم "براون جنكين". هذا الكائن هو أحد أروع وأبشع ابتكارات لافكرافت: مخلوق صغير بحجم جرذ كبير، لكن بوجه بشري مشعر، ويدين صغيرتين، يصدر أصوات ضحك وهمهمات مقززة. إنه يمثل الجانب المادي والحيواني للشر، الوسيط الذي ينقل الرعب من عالم الأحلام إلى الواقع.

 

  1. تتصاعد الأحلام في حدتها، فلا تعود مجرد مشاهدات سلبية. يجد غيلمَن نفسه مشاركًا في طقوس
  2.  بشعة، حيث يتم تقديمه إلى كيان مرعب يُدعى "الرجل الأسود"، وهو تجسيد للإله الخارجي
  3.  "نيارلاثوتيب" (Nyarlathotep)، رسول الفوضى في ميثولوجيا كثولو. تبدأ الحدود بين الحلم
  4.  والواقع في الانهيار بشكل مرعب.

 يستيقظ ليجد كدمات على جسده، أو طينًا غريبًا على أرضية غرفته، أو حتى قطعة أثرية من عالم آخر لم يزره إلا في أحلامه. هذا التلاشي التدريجي للحدود هو ما يدفع غيلمَن نحو حافة الجنون، فهو لم يعد قادرًا على التمييز بين هلوساته العقلية والاختراقات المادية لعوالم أخرى في غرفته.

 

  • لافكرافت هنا لا يقدم السحر كقوة معارضة للعلم، بل كامتداد مرعب له. غيلمَن، بعقله الرياضي، يعتقد
  •  أنه قادر على فهم الكون من خلال المعادلات، لكنه يكتشف أن ذات المعادلات التي تصف الكون يمكن
  •  أن تكون هي نفسها مفاتيح لأبواب الجحيم. لقد سبقت الساحرة كيزيا ميسون علماء الفيزياء الحديثة
  •  بقرون، ليس من خلال العلم، بل من خلال الحدس الشيطاني.

 

#### **الرعب الجسدي والكوني من براون جنكين إلى أزاثوث**

 

تجمع القصة ببراعة بين نوعين من الرعب. الأول هو الرعب الجسدي والنفسي المباشر (Body Horror)، المتمثل في براون جنكين. هذا الكائن ليس مجرد خادم، بل هو المعتدي المادي. يصف لافكرافت كيف كان "يقرض" و"يلعق" غيلمَن في نومه، وفي المشهد الختامي المروع، يكون هو الأداة الفعلية للموت، حيث ينخر في جسد الضحية من الداخل. إنه رمز للخبث النجس الذي يتسلل إلى أعمق خصوصيات الإنسان ويدنسها.

 

  1. أما النوع الثاني فهو الرعب الكوني. الطقوس التي يُجبر غيلمَن على المشاركة فيها ليست لأهداف
  2.  دنيوية تافهة، بل هي لخدمة "أزاثوث" (Azathoth)، السلطان الأعمى الأبله الجالس في مركز
  3.  الكون، والذي تصدر عنه كل الفوضى والوجود. إن مصير غيلمَن ومصير الطفل الذي يتم اختطافه
  4.  في القصة ليُقدَّم كقربان

 لا يهمان الكون على الإطلاق. هما مجرد وقود لطقوس كونية أزلية لا معنى لها. هذا هو جوهر رعب لافكرافت: ليست هناك خطة إلهية أو شيطانية كبرى، بل مجرد فوضى عمياء وقوى لا يمكن فهمها، والبشرية مجرد غبار عابر في طريقها.

 

#### **النهاية الحتمية وإرث القصة**

 

كما هو متوقع في عالم لافكرافت، لا يوجد انتصار للخير أو نجاة للبطل. يبلغ الرعب ذروته في ليلة "والبورجيس" (Walpurgis Night)، وهي ليلة احتفال السحرة. يفشل غيلمَن في مقاومة الساحرة، ويُقتل بطريقة بشعة، حيث يتم العثور على جثته وقد انفجر صدره من الداخل.

  •  وتختم القصة بمصير المنزل الذي يتم هدمه في النهاية، ليكتشف العمال بين جدرانه هيكلًا عظميًا
  •  مشوهًا لطفل، وأدوات غريبة، وعظامًا تعود للساحرة كيزيا ميسون، وهيكلًا عظميًا كاملًا للكائن
  •  البشع براون جنكين.

 فى الختام

"الأحلام في منزل الساحرة" قد لا تكون أشهر قصص لافكرافت، لكنها من أكثرها كثافة وطموحًا. إنها استكشاف مرعب لفكرة أن أسمى أدوات العقل البشري –الرياضيات والفيزياء– قد لا تكون درعًا يحمينا من الظلام، بل خريطة تقودنا إليه. 

إنها قصة عن الفضول الذي يقتل، وعن المعرفة التي لا تحرر، بل تستعبد. وفي النهاية، تتركنا القصة مع سؤال مقلق: ماذا لو كانت أحلامنا ليست مجرد أصداء ليومنا، بل نوافذ تطل على حقيقة أكثر رعبًا من أي كابوس يمكننا تخيله؟

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent