recent
أخبار ساخنة

**رواية القرن العشرين: ملحمة التفكك والشك والاختلال**

الصفحة الرئيسية

 

 

**رواية القرن العشرين: ملحمة التفكك والشك والاختلال**

 

في كتابه الجديد "أغرب من الخيال: حيوات رواية القرن العشرين"، يقتحم الناقد الأدبي الأمريكي المرموق إدوين فرانك عالم الرواية في القرن العشرين، ليقدم لنا رحلة استكشافية عميقة في هذا الفن الأدبي الذي هيمن على المشهد الثقافي خلال تلك الحقبة المضطربة. لا يقدم فرانك هنا مجرد سرد تاريخي أو استعراض سطحي، بل يغوص في صميم الأعمال الروائية، محللًا بنيتها وأساليبها، ومستكشفًا الأفكار الفلسفية والاجتماعية التي حملتها بين طياتها.


**رواية القرن العشرين: ملحمة التفكك والشك والاختلال**
**رواية القرن العشرين: ملحمة التفكك والشك والاختلال**

 يُعتبر هذا الكتاب، بحق، دراسة نقدية متعمقة، تتجاوز حدود التحليل الأكاديمي التقليدي، لتقدم قراءة واعية ومستنيرة لرواية القرن العشرين، وكيف عكست تحولاته الكبرى.

 

يستند فرانك في منهجه النقدي

 إلى ما يسميه "النقد الوصفي"، وهو نهج يركز على تحليل النص الأدبي ذاته، دون الخوض في التنظيرات المجردة أو التأويلات البعيدة عن سياق العمل. يقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسة، يبدأ الأول منها باستعراض الروايات التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وصولًا إلى نهاية الحرب العالمية الأولى. في هذا القسم، يتناول فرانك أعمالًا لكتاب مثل هربرت جورج ويلز ومارسيل بروست وجيمس جويس وتوماس مان.

  •  مشددًا على أن رواية "الجبل السحري" لمان
  •  تمثل "قالبًا جديدًا لرواية القرن العشرين
  •  ولد من رحم الحرب، ولا يمكن إدراك أهميته إلا بعدها".
  •  أما القسم الثاني، فيركز على فترة ما بين الحربين العالميتين
  •  وهي الفترة التي يصفها فرانك بـ"فترة الابتكار المذهل".
  •  ويتناول في هذا القسم أعمالًا لفرجينيا وولف، وإديث وارتون
  •  وآخرين. وفي القسم الثالث والأخير
  •  يستعرض فرانك روايات ما بين منتصف القرن ونهايته
  • بدءًا من "الأشياء تتداعى" لتشينوا أتشيبي
  • وصولًا إلى "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز
  •  وما بعدها، ليكون بذلك قد غطى كافة التيارات والتحولات
  •  التي طرأت على فن الرواية خلال القرن العشرين.

 

لا يكتفي فرانك بتقديم تحليل نقدي لأعمال روائية شهيرة، بل يسعى أيضًا إلى تسليط الضوء على أعمال أخرى أقل شهرة، لكنها لا تقل أهمية، مثل "النهاية" لهانز إيرش نوساك، و"آرتميجيا" لآنا بانتي، و"الجانب الآخر" لألفريد كوبين. هذه الرؤية الشاملة، التي تجمع بين الأعمال الشهيرة والأخرى الأقل تداولًا، تمنح القارئ صورة بانورامية متكاملة عن المشهد الروائي في القرن العشرين.

 

**الرواية كـ"شخصية روائية" في حد ذاتها**

 

ما يميز هذا الكتاب، ويضفي عليه طابعًا فريدًا، هو أن فرانك لا يتعامل مع الرواية بوصفها مجرد شكل أدبي، بل ينظر إليها وكأنها "شخصية روائية" في حد ذاتها، تخوض صراعات وتجارب، وتتغير وتتطور على مر الزمن.

  1.  يرى فرانك أن "القصة الجارية وسط اضطرابات القرن العشرين شبه الدائمة
  2.  تصور الرواية وكيف نشأت، وكيف تغيرت
  3. وكيف كافحت، وكيف شاخت. فينجم من ذلك سجل فاحش الثراء".
  4.  هذا المنظور يجعل الكتاب أكثر من مجرد دراسة نقدية
  5.  بل يجعله قصة أدبية شيقة
  6.  تجعل القارئ يتعاطف مع الرواية، ويتابع تطورها بشغف واهتمام.

 

**الرواية في مواجهة عالم متفجر**

 

يؤكد فرانك على أن رواية القرن العشرين لم تكن مجرد انعكاس للعالم الخارجي، بل كانت أيضًا استجابةله، ومحاولة لفهمه وتفسيره. لقد شهد القرن العشرون تحولات كبرى، وحروبًا مدمرة، وأزمات اقتصادية واجتماعية، وأيديولوجيات متصارعة. هذه الأحداث الهائلة تركت بصماتها على الرواية، وجعلتها أكثر تشاؤمًا، وأكثر جرأة في طرح الأسئلة الوجودية الكبرى.

 

  • يرى فرانك أن روائيي القرن العشرين كانوا يواجهون "كمينًا تاريخيًا" 
  • حيث وجدوا أنفسهم يعيشون في عالم "ما عاد يمكن فيه الحفاظ
  •  حتى في الخيال، على توازن القرن التاسع عشر الديناميكي
  •  بين الذات والمجتمع".
  •  هذا "الكمين التاريخي" دفع الروائيين إلى التشكيك في كل شيء
  •  وفي القيم والمبادئ التي كانت سائدة
  •  والبحث عن أشكال جديدة للتعبير عن هذا الواقع المتغير.

 

**"من قبوي".. بداية رحلة التشكيك**

 

يؤكد فرانك على أن رواية "من قبوي" لفيودور دوستويفسكي، التي كُتبت في أواخر القرن التاسع عشر، تمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ الرواية، وتنبأت بالتحولات الكبرى التي ستشهدها في القرن العشرين. هذه الرواية.

  1. التي يصفها فرانك بأنها "عصية على التصنيف
  2.  ولا تشبه شيئًا بقدر ما تشبه حطام الزجاج"
  3.  قد حددت نمطًا جديدًا للعلاقة بين الذات والمجتمع
  4.  وبين الفرد والعالم. لقد كانت "من قبوي" 
  5. بداية رحلة التشكيك والتمرد على التقاليد
  6. التي ستتواصل خلال القرن العشرين.

 

**الرواية الهجينة.. بين السيرة والتاريخ والأسطورة**

 

يميل فرانك إلى اعتبار رواية القرن العشرين قالبًا هجينًا، يقع في موضع ما بين السيرة الذاتية والتاريخ والأسطورة. هذا القالب الهجين، يجمع بين الواقع والخيال، بين الخاص والعام، بين المادي والروحي. لقد تخلت الرواية في القرن العشرين عن وهم الموضوعية، واعترفت بأنها مجرد سردية من بين سرديات أخرى، وأنها لا تقدم سوى وجهة نظر واحدة من بين وجهات نظر متعددة.

 

  • يستشهد فرانك بوصف الشاعر راندول جاريل
  •  للرواية بأنها "سردية نثرية ذات طول معين يشوبها خطأ ما"
  • ليؤكد على أن الرواية ليست مجرد سرد للأحداث
  •  بل هي أيضًا محاولة لخلق معنى
  • ولإيجاد نظام في عالم فوضوي.
  •  هذا "الخطأ" الذي يشوب الرواية
  •  هو في حقيقة الأمر، جزء من جوهرها، وجزء من قوتها.

 

**"مرآة على طريق" في عالم متفجر**

 

يستند فرانك في تحليله للرواية إلى تعريف ستندال لها بأنها "مرآة على طريق، فحينًا تعكس سماوات زرقاء، وحينًا تعكس وحل البرك تحت الأقدام". يرى فرانك أن القرن العشرين كان حقبة تغير عنيف، وعليه فالتغير العنيف هو ما تعكسه رواية القرن العشرين، ليس في موضوعها وشكلها وحسب، بل في جوهرها ورؤيتها للعالم. وعندما يطرأ التفكك، وتنعدم الثقة، وينقلب العالم رأسًا على عقب، فهكذا تكون الرواية، كما يوضح فرانك.

 

  • يؤكد فرانك على أن روائيي القرن العشرين
  •  قد رفضوا رواية القرن التاسع عشر "المتزمتة أخلاقيًا
  •  والمفرطة عاطفيًا، والمنافقة". 
  • لقد رأوا في الرواية "قالبًا ذا حضور قوي، وفضول كبير
  •  واعتداد بالذات ورضا عنها"
  • لكنهم رأوا أيضًا أنه قالب "مستعد للزعزعة بل مطالب بها لنفسه".
  •  وهكذا، قاموا بتحطيم هذا الرضا، وزعزعوا الشكل، وأعادوا اختراع الرواية بالكامل.

 

**رفض النفاق.. والجرأة في الطرح**

 

إن رفض روائيي القرن العشرين للنفاق والتحيز الأخلاقي الذي كان سائدًا في القرن التاسع عشر، قد انعكس في جرأتهم في طرح القضايا الحساسة، وفي تناولهم للمواضيع المحرمة. يتضح ذلك في أعمال كتاب مثل سيدوني غابرييل كوليه.

  1.  التي كتبت عن الجنس بتهكم من شأنه "أن يخجل الكاتبة البريطانية جورج إليوت"
  2.  وكذلك في أعمال جيمس جويس
  3.  الذي لم يضارعه كتاب كثر في "افتقاره إلى الرقة".
  4.  لقد كانت هذه الجرأة في الطرح
  5. جزءًا من محاولة الروائيين لإعادة تعريف الواقع
  6. ولتقديم صورة أكثر صدقًا عن التجربة الإنسانية.

 

**رواية القرن العشرين.. "قالب متفجر في عالم متفجر"**

 

يختتم فرانك تحليله بالتأكيد على أن رواية القرن العشرين لم تكن مجرد مرآة عاكسة للواقع، بل كانت أيضًا "قالبًا متفجرًا في عالم متفجر". لقد كانت الرواية وسيلة للتعبير عن القلق واليأس والشك الذي كان يعتري الإنسان في ذلك القرن، لكنها كانت أيضًا وسيلة للمقاومة والتحدي، وللبحث عن معنى في عالم لا معنى له.

 

**تساؤلات حول مستقبل الرواية**

 

يثير كتاب "أغرب من الخيال" تساؤلات مهمة حول مستقبل الرواية في القرن الحادي والعشرين. فهل ما زالت الرواية قادرة على أن تلعب نفس الدور الذي لعبته في القرن العشرين؟ وهل ما زالت قادرة على أن تعكس تحولات العالم المعاصر؟

  •  يرى فرانك أن الرواية لم تعد في مركز الحوار الثقافي
  •  وأن الناس الآن يتابعون المسلسلات عبر المنصات والقنوات 
  • أكثر مما يقرأون الروايات.
  •  لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الرواية قد انتهت
  •  بل يعني أنها ربما تتغير وتتطور، لتجد لنفسها مكانًا جديدًا في المشهد الثقافي.

 

**هل هناك نوع أدبي اسمه "رواية القرن العشرين"؟**

 

يتساءل لويس ميناند في مقال له حول كتاب فرانك، "هل هناك نوع أدبي اسمه رواية القرن العشرين؟". هذا السؤال يطرح قضية أساسية في مجال النقد الأدبي، وهي قضية تصنيف الأنواع الأدبية. يرى ميناند أن "ثمة نزوعًا إلى تصوير الأنواع الأدبية بوصفها عظام النصوص الأدبية والخصائص الشكلية التي تصاغ على أساسها الصور وتفاصيل الشخصية والحبكة والمكان".

  1.  ويضيف أن هذه "الهياكل العظمية قادرة على الانتقال عبر الزمن".
  2.  لكنه يوضح أن تحديد أنواع أدبية جديدة
  3.  مثل "رواية القرن العشرين"
  4.  يواجه صعوبة بسبب أننا لا نعرف سوى "عينة صغيرة
  5.  إلى درجة السخف" من النصوص الأدبية التي أنتجت في هذه الحقبة.

 

**الرواية كفن متجدد**

 

يختتم ميناند تحليله بالتأكيد على أن الرواية هي فن متجدد، وأنها قادرة على التكيف مع التغيرات التي تطرأ على العالم. ويشير إلى أن المسلسلات التلفزيونية التي أصبحت تحظى بشعبية كبيرة، قد بدأت في تبني بعض الخصائص الفنية التي كانت تميز الرواية في الماضي. هذا الأمر يفتح الباب أمام إمكانية ظهور نوع أدبي جديد، يجمع بين خصائص الرواية والمسلسل التلفزيوني، وهو ما قد يعيد للرواية مكانتها في مركز الحوار الثقافي.

 

في الختام

يمكن القول إن كتاب "أغرب من الخيال: حيوات رواية القرن العشرين" لإدوين فرانك، يمثل إضافة قيمة إلى المكتبة النقدية العربية، ويقدم قراءة واعية ومستنيرة لفن الرواية في القرن العشرين. هذا الكتاب لا يخاطب الأكاديميين والمتخصصين فحسب، بل يخاطب أيضًا القارئ العادي، الذي يجد فيه متعة وفائدة. إنه كتاب يستحق القراءة والتأمل، ويفتح الباب أمام المزيد من الحوار حول مستقبل الرواية، ودورها في عالم متغير.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent