## التطور والوعي: إعادة النظر في مفاهيم الزمان والمكان والوجود
يُطرح في هذا المقال تساؤلٌ جوهريٌّ حول طبيعة
التطور، لا من منظورٍ بيولوجيٍّ محض، بل من منظورٍ فلسفيٍّ وجوديٍّ أعمق. فهل
التطور، كما نعرفه، حقيقةٌ موضوعيةٌ ثابتةٌ، أم أنه مجرد تفسيرٍ محدودٍ لواقعٍ
أعمق وأشمل؟
## التطور والوعي: إعادة النظر في مفاهيم الزمان والمكان والوجود |
سنستكشف هذا التساؤل من خلال إعادة تقييم
مفاهيمنا للزمان والمكان والوعي، مستندين إلى أدلةٍ ظاهرةٍ، ولكن مع إعادة تفسيرٍ
لهذه الأدلة ضمن إطارٍ فلسفيٍّ مختلف.
مفهموم التطور
تدعم كميةٌ هائلةٌ من الأدلة الملاحظة مفهوم
التطور، بدءًا من الانفجار الكبير، مرورًا بمليارات السنين من التغيرات
الجيولوجية، وانتهاءً بالبقايا الأحفورية للكائنات المنقرضة، كالديناصورات، وغيرها.
إلا أن هذه الأدلة، رغم وضوحها الظاهري، لا تُجيب عن سؤالٍ أعمق: هل التطور، كما
ندركه، حقيقةٌ مطلقةٌ، أم أنه مجرد تعبيرٌ عن واقعٍ أعمق يكمن وراءه؟
- يبدأ التساؤل عندما نطرح إمكانية أن تكون المادة،
- التي يُفترض أنها أساس التطور، مجرد مظهرٍ لشيءٍ أعمق
- وهو الوعي. فإذا لم يكن بمقدور العلماء تحديد طبيعة المادة الحقيقية
- التي تُشكل أساس التطور، فما هي الآثار المترتبة
- على فهمنا للكون وطبيعة الواقع؟
- هل من الممكن أن يكون الكون، في جوهره، مُكوَّنًا من الوعي
- وأن المادة ليست إلا مظهرًا من مظاهر هذا الوعي؟
أطروحة السؤال
يُطرح هنا السؤال عن إدراكنا للتطور والكون بشكلٍ عام. فهل إدراكنا محدودٌ بحكم طبيعة وعينا المحدود؟ يبدو أن الإجابة هي نعم. فإذا نظرنا إلى تطور الإنسان، مثلاً، نلاحظ تغيرًا واضحًا في العديد من الجوانب، من الناحية الجسدية والمعرفية والسلوكية. إلا أن الوعي، الذي يُدرك هذه التجربة، يبقى هو ذاته. الوعي الذي يدرك تجربة الطفل البالغ من العمر خمس سنوات هو نفس الوعي الذي يدرك تجربة الشخص البالغ. الوعي، إذن، لا يتطور؛ إنه ثابتٌ ودائمٌ وغير متأثر بمرور الزمان.
- ولكن، إذا كان الوعي ثابتًا، فما الذي يتطور؟
- الإجابة هي العقل. العقل هو الذي يتطور باستمرار
- متجهًا نحو فهمٍ أعمق لمبادئ الحقيقة، مثل السلام والسعادة، التي
تُعدّ جوهر كياننا.
قبل ظهور الحياة
قبل ظهور الحياة على الأرض، كان واقع الوعي
اللانهائي موجودًا بالفعل. الكون، كما
نعرفه، هو مجرد تعبيرٌ عن نشاطٍ دائمٍ داخل هذا الوعي. لم يكن هناك تصورٌ للكون ككيانٍ منفصلٍ قبل
ظهور العقل المحدود الذي يستطيع إدراك هذا النشاط. لذا، ما نسميه "الكون
المادي" هو في الحقيقة تعبيرٌ عن نشاط الوعي من وجهات نظرنا المحلية المحدودة. هذا يعني أن الكون ليس كيانا مستقلاً بذاته، بل
هو جزءٌ لا يتجزأ من الوعي.
- هذا الفهم يُغير من إدراكنا للزمان. فمفهوم الزمن
- كما نتصوره عادةً (الماضي والحاضر والمستقبل)،
- هو بناءٌ عقليٌّ ناتجٌ عن ملاحظاتنا لتغيرات العالم المادي.
- الزمان، في جوهره، ليس كيانًا مستقلًا، بل هو خاصيةٌ إدراكيةٌ ناتجةٌ
- عن تفسيرنا لتجربتنا.
لا يوجد ماضيٌ أو مستقبلٌ حقيقيٌّ، بل يوجد فقط "الآن".
المكان هل هو مستقل
المكان أيضًا ليس كيانًا مستقلًا، بل هو خاصيةٌ
إدراكيةٌ تُعرّف علاقتنا بالأشياء ضمن إطارِ وعينا المحدود. الزمان والمكان، إذن، هما نتاجٌ لعملية
إدراكنا، وليس خصائصٌ جوهريةٌ للواقع نفسه.
الواقع هو نشاط الوعي، والكون المادي ليس سوى مظهرٌ من مظاهر هذا النشاط.
- تتجلى هذه الفكرة بوضوحٍ في تجربة الأحلام.
- عندما نكون في عالم الأحلام
- نرى أنفسنا ككياناتٍ منفصلةٍ في بيئةٍ منفصلةٍ،
- إلا أننا ندرك عند الاستيقاظ أن عالم الأحلام وشخصياته
- كانت كلها نتاجًا لوعينا. يُشبه هذا واقعنا اليقظ،
- فهل من الممكن أن يكون واقعنا نتاجًا لوعيٍّ عالميٍّ؟
- وهل نحن مجرد وجهات نظر محلية يختبر الوعي من خلالها نشاطه؟
الأدلة والبراهين
وبالعودة إلى الأدلة الظاهرة على التطور، نجد
أنها، مثلاً، مثل أحافير الديناصورات،
مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بعمل عقولنا المحدودة أكثر من ارتباطها بالواقع نفسه. فهي ليست إلا تعبيرٌ عن كيفية ظهور نشاط الوعي
من منظورنا المحدود.
- كذلك، لا وجود للأشخاص المستقلين في الحقيقة.
- هذه التعريفات والتسميات والفئات هي مجرد إبداعات للعقل المحدود
- وهو بدوره مظهرٌ ضمن الوعي الواحد.
- هذا يتسق مع حدسنا بأننا متصلونٌ بالكون ككل.
- فلا يوجد إلا وجود الله اللانهائي وغير القابل
للتجزئة، الوعي الذي يهتز داخل نفسه.
في الختام
يُعيد هذا المقال صياغة مفهوم التطور
من خلال منظورٍ وجوديٍّ أعمق، يضع الوعي في مركز الوجود، ويرى الزمان والمكان
والمادة كأشكالٍ من مظاهر هذا الوعي. إنها
دعوةٌ لإعادة النظر في مفاهيمنا الأساسية حول الواقع، والبحث عن فهمٍ أعمق لطبيعة
الوجود والحياة. وإن كان هذا التفسير
يتعارض مع النظريات العلمية السائدة، إلا أنه يُثير تساؤلاتٍ جوهريةً حول حدود
معرفتنا وطبيعة الواقع نفسه.