### **«غير مرئية» لشيرين فتحي: لعبة المحو والكتابة في متاهة السرد**

 

## النمر الوهمي: ترويض الأرقام في عالم يفيض بالبيانات

 

عصر الهيمنة الرقمية**

 

نعيش في عصرٍ تُشكّل فيه الأرقام عصب الحياة المعاصرة وبوصلة توجهاتنا الفردية والجماعية. من مؤشرات البورصة وتقارير الإنفاق الحكومي، إلى إحصائيات الصحة العامة ومعدلات البطالة، مرورًا بنتائج استطلاعات الرأي وأعداد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، تحاصرنا الأرقام من كل حدبٍ وصوب.

## النمر الوهمي: ترويض الأرقام في عالم يفيض بالبيانات

 لقد أصبحت لغة العصر بلا منازع، الأداة التي يُقاس بها النجاح، ويُحلل بها الواقع، ويُبنى على أساسها المستقبل. لكن هذه القوة الهائلة التي تتمتع بها الأرقام تحمل في طياتها وجهًا آخر، وجهًا يمكن أن يكون مضللاً ومخادعًا، أشبه بـ"نمر وهمي" يبدو حقيقيًا ومهيبًا، لكن فهم طبيعته الحقيقية يتطلب نظرة فاحصة وعقلًا نقديًا. يأتي كتاب "النمر الوهمي (استكشاف عالم الأرقام)" كمرشد ضروري في هذه الرحلة، مقدمًا الأدوات اللازمة لفك شيفرة هذا العالم الرقمي المعقد.

**سطوة الأرقام وتشكيل الوعي**

 

لا يمكن إنكار الدور المحوري الذي تلعبه الأرقام في تشكيل فهمنا للعالم.

 فالتقارير الاقتصادية المعتمدة على أرقام النمو والناتج المحلي تُحدد السياسات المالية للدول وتؤثر على قرارات الاستثمار العالمية. وإحصائيات ضحايا الأوبئة أو الكوارث الطبيعية لا تقتصر على كونها مجرد أعداد، بل هي قصص إنسانية تُترجم إلى أرقام لتوجيه جهود الإغاثة وحشد الدعم الدولي.

•  وبالمثل، فإن أرقام الفقر والثروة ترسم ملامح التفاوت الاجتماعي وتغذي النقاشات حول العدالة
•  والتنمية. إنها لغة قوية قادرة على اختزال قضايا معقدة في مؤشرات بسيطة، مما يمنحها تأثيرًا هائلاً
•  على الرأي العام وصناع القرار. هذه القدرة على التبسيط والتأثير هي مصدر قوة الأرقام، ولكنها
•  أيضًا نقطة ضعفها التي يمكن استغلالها.

 

**النمر الوهمي فخاخ التضليل الرقمي**

 

يكشف الكتاب ببراعة كيف يمكن للأرقام، التي تبدو موضوعية بطبيعتها، أن تُستخدم كأداة للتضليل والتلاعب.

 فـ"النمر الوهمي" ليس النمر الحقيقي، بل هو الخوف أو الانبهار غير المبرر الذي تثيره الأرقام حين تُقدم خارج سياقها، أو عندما يتم انتقاؤها بعناية لخدمة أجندة معينة. يمكن عرض نفس البيانات بطرق مختلفة تمامًا لتُعطي انطباعات متناقضة.

1.  تغيير مقياس الرسم في مخطط بياني، أو التركيز على النسب المئوية بدلاً من الأعداد المطلقة (أو
2.  العكس)، أو استخدام متوسطات حسابية تخفي تباينات شاسعة، كلها أساليب شائعة قد تحول الرقم من
3.  أداة للمعرفة إلى وسيلة للتشويش. يغوص الكتاب في هذه الأساليب، محللاً أمثلة واقعية من مجالات
4.  متنوعة، ليُظهر كيف يمكن للأرقام أن تكذب أو، على الأقل، أن تخفي جزءًا كبيرًا من الحقيقة.

 

**استكشاف عالم الأرقام نحو فهم أعمق**

 

لا يكتفي الكتاب بتشخيص المشكلة، بل يقدم منهجية عملية لـ"استكشاف عالم الأرقام". إنه يدعو القارئ إلى عدم أخذ الأرقام كمسلمات، بل إلى التساؤل الدائم:

 من أين أتى هذا الرقم؟ كيف تم جمعه؟ ما هو السياق الذي يُقدم فيه؟ ما هي الأرقام الأخرى التي قد تغير فهمنا له؟ يزود الكتاب القارئ بالأدوات التحليلية اللازمة لتقييم مصداقية البيانات، وفهم المفاهيم الإحصائية الأساسية التي غالبًا ما يُساء تفسيرها، والتعرف على المغالطات الرقمية الشائعة. 

• الهدف ليس تحويل القارئ إلى خبير إحصائي
•  بل إلى مستهلك واعٍ ومفكر نقدي قادر على التمييز
•  بين المعلومة الرقمية الموثوقة وبين "النمر الوهمي" الذي يسعى لتضليله.

 

**تمكين القارئ من الانخداع إلى الاستفادة**

 

إن الهدف النهائي لكتاب "النمر الوهمي" هو تمكين القارئ. فمن خلال فهم كيفية عمل الأرقام وكيف يمكن أن تُستخدم للخداع، يكتسب القارئ حصانة فكرية ضد التلاعب الإعلامي والسياسي والتجاري المعتمد على الإحصائيات.

1.  والأهم من ذلك، يتعلم القارئ كيف يستفيد من القوة الحقيقية للأرقام. فعندما تُفهم الأرقام بشكل صحيح
2.  وتُوضع في سياقها، تصبح أدوات لا تقدر بثمن لاتخاذ قرارات مستنيرة، سواء على المستوى
3.  الشخصي (كالقرارات المالية والصحية) أو على مستوى المشاركة المواطنية الفاعلة (كتقييم أداء
4.  الحكومات وفهم القضايا الاجتماعية). إن القدرة على قراءة ما بين سطور الأرقام هي مهارة أساسية
5.  في القرن الحادي والعشرين.

 

** ضرورة الوعي الرقمي**

 

في عالم يزداد اعتمادًا على البيانات والأرقام، لم يعد فهمها ترفًا فكريًا، بل أصبح ضرورة حتمية. كتاب "النمر الوهمي (استكشاف عالم الأرقام)" يقدم مساهمة قيمة في نشر هذا الوعي. إنه دعوة لترويض "النمر الوهمي" بداخلنا، ذلك الخوف أو الانبهار الساذج بالأرقام، واستبداله بفهم عميق ونقدي يمكننا من الإبحار بثقة في محيط البيانات المتلاطم.

ختام

 إنه ليس مجرد كتاب عن الأرقام، بل هو دليل للتفكير النقدي والتفاعل الواعي مع واحد من أقوى المؤثرات في حياتنا المعاصرة، مما يمكننا من الاستفادة من الأرقام كأدوات معرفة وتمكين، بدلاً من الوقوع ضحية لوهمها المضلل.