## القوة في موازين الحياة: رحلةٌ استكشافيةٌ
لطبيعة الإنسان
في كتاب "لعب الأدوار بقوة" للكاتبة
والباحثة الأمريكية ديبورا جرونفيلد، تذهب بنا في رحلة استكشافيةٍ مثيرةٍ إلى قلب
مفهوم القوة، تلك القوة التي تسكننا، التي نتحرك وفقاً لها، التي نُحاول فهمها
دونما هوادة. فما هي طبيعة القوة؟ وكيف
تشكل علاقاتنا الإنسانية؟ وكيف تُساهم في صياغة شخصياتنا ونظرنا إلى العالم؟
## القوة في موازين الحياة: رحلةٌ استكشافيةٌ لطبيعة الإنسان |
تُعرّف جرونفيلد القوة في كتابها ليس فقط بوصفها
سلطةً ونفوذاً تقليدياً، بل بوصفها سيكولوجيةً عميقةً تسكن عقولنا وقلوبنا وتُشكل
سلوكنا. تستكشف الكاتبة كيف تُصبح القوة
محركاً أساسياً للعلاقات الإنسانية، وكيف يُمكن أن تؤثر على حياتنا بطرقٍ لم نفكر
بها من قبل.
تُقارن جرونفيلد فصول كتابها
مع مراحل مسرحيةٍ،
مُستوحيةً من فلسفة ويليام شكسبير التي تُعَدّ العالم مسرحاً كبيرًا. فمع كل فصل جديد يُرفع الستار على جانبٍ جديد
من جوانب القوة، تُكشف لنا خفاياها وأسرارها من خلال أمثلةٍ واقعيةٍ ومواقفٍ
مُعقدةٍ من حياتنا اليومية.
### الفصل الأول: عندما يُرفع الستار
يُمثّل الفصل الأول من الكتاب "عندما يُرفع
الستار"، مقدمةً قويةً للبحث عن طبيعة القوة. تبدأ جرونفيلد بِسؤالٍ مُثيرٍ للجدل: "من
يُقرّر مَن ينتصر في الحرب؟" تُشير
الكاتبة إلى أن القوة هي التي تُحدد مصيرنا،
وتُقرر مَن سيتحكم بمصيرنا، مَن يُحقق أهدافه، ومَن سيُصبح ضحيةً للحروب،
والسلطة، والظلم. وتُستحضر هنا مقولة "الدنيا
مسرح كبير"، فكلٌّ منا يَلبس ثيابًا مُختلفةً، ويُ演ّي أدوارًا مختلفةً في حياته،
ولن نخرج من هذه المسرحية دون أن نتعلم درساً قوياً عن القوة.
### متلازمة "البطل الخارق":
تُقدم جرونفيلد في كتابها مفهوم متلازمة "البطل الخارق" بوصفها ردّ فعلٍ من طرف بعض الأفراد لِشُعورهم بعدم الأمان. فمن يُعاني من مشاعرٍ مُتأصلةٍ بالضعف، يُمكن أن يُمارس القوة بشكلٍ مُبالغٍ فيه، مُستبدلاً إياها بشُعورٍ وهميٍّ بالسيطرة، وكأنّه يُحاول إنكار حقيقة ضعفه.
- وهذا يُذكّرنا بمُقولة فريدريك نيتشه في كتابه "إرادة القوة":
- "إرادة القوة هي جوهر الحياة."
- فالعالم، بحسب نيتشه، يُشكل مسرحاً لكفاحٍ أبديٍّ
- بين إرادة القوة، التي تُحركنا نحو البحث عن المزيد من السيطرة
- والمُقاومة، التي تُمثل رفضًا لِهذه السيطرة.
### منطق الاستقواء
تُكشف جرونفيلد في كتابها عن منطق "الاستقواء" المُستخدَم في عالم السياسة، حيث تُصبح الكلمات سلاحاً، وتُستخدم لِتحطيم الآخرين، وليس لِبناء جسورٍ من التواصل والتفاهم. تُركز الكاتبة على "الاستهزاء" بوصفها أداةً لِفرض السيطرة، والمُلاحظة أن قادةً سياسيّين، مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، يعتمدون على هذا الأسلوب لِتقويض خصومهم، واستغلال ضعفهم.
- وتُذكّر جرونفيلد أنّ "الاستقواء" يُمكن أن يكون مُتصلًا بِمُعتقداتٍ
- وقيمٍ تُشكل وجهات نظرهم عن العالم
- فالكثير من الأشخاص قد يُمارسون القوة مُستندين
- إلى فكرةٍ عن "القضية العادلة"
- مُحاولين حماية أنفسهم أو مُعتقداتهم من
خلال فرض سلطتهم على الآخرين.
### مِثال أوبرا وينفري
تُذكر جرونفيلد، في الكتاب، مِثال أوبرا وينفري لِشرح سيكولوجية "الاستقواء" من زاويةٍ أخرى. فأثناء أحد اجتماعاتها في جامعة ستانفورد، سألتها إحدى الطالبات عن مشاعرها وهي المرأة السمراء الوحيدة في اجتماعٍ يضمّ العديد من الرجال ذوي البشرة البيضاء. استعارت وينفري قصيدة "جداتنا" للشاعرة الأمريكية مايا أنجلو لِتُجيب عن سؤال الطالبة. تُذكر وينفري في قصيدتها كيف أن "لا أحد، لا، ولا مليون أحد يجرؤ على حرماني من الله. أتقدّم وحدي واقفة كعشرة آلاف."
- تُظهر وينفري هنا كيف أنّها لا تشعر بالوحدة
- بل تُشعرها سِلسلةٌ طويلةٌ من النساء من أصل أفريقي
- اللاتي حاربن لِحقوقهن، وكسرن الحواجز، بِوجودها وشجاعتها.
- فالشجاعة هنا ليست فرديةً، بل هي قوةٌ مُستمدةٌ من "القضية العادلة"
-
التي تُلهمها وتُمكنّها من مواجهة التحديات بِشجاعةٍ وثقةٍ.
### القوة في موازين الحياة
تُبين لنا جرونفيلد في كتابها أن القوة ليست
مفهومًا ثابتًا، بل هي مُتغيرةٌ تتغير مع الزمن،
مع المُجتمع، ومع الأفراد أنفسهم. فالقوة
التي يُمارسها رجلٌ مُتحكمٌ بِسلطةٍ مُطلقةٍ تُختلف عن القوة التي تُمارسها
امرأةٌ تُحاول إيجاد مكانها في مجتمعٍ
مُتعصبٍ، وتُختلف عن القوة التي تُمارسها
مجموعةٌ من الناس يُحاولون إحداث تغييرٍ إيجابيٍّ في العالم.
### لماذا يُهمنا أن نفهم القوة؟
لِفهم القوة، لا يجب أن نُركّز فقط على ممارسة
القوة، بل يجب أن نفهم كيف تؤثر القوة على
علاقاتنا الإنسانية، كيف تُشكل
سلوكنا، وكيف تُؤثّر على شخصياتنا، وكييف نُحاول التعامل مع هذه القوة، سواءٌ كُنا مُمارسين لها، أو مُستهدفين بِها،
أو مُتأثرين بِها.
### الكلمات الأخيرة
إنّ "لعب الأدوار بقوة" كتابٌ مُهمٌّ يُسلط الضوء على مفهوم القوة من زوايا
مُختلفة، ويُقدم لنا أدوات لِفهم عالمنا
المُعقد، وأنفسنا، وعلاقاتنا الإنسانية. فالقوة لا توجد في الخارج فقط، بل في داخلنا أيضًا، تُشكل هويتنا،
وجهات نظرنا، وسلوكنا.