recent
أخبار ساخنة

### **الغضب المفيد: هل يمكن للعاطفة الأكثر شيطنة أن تكون طوق نجاتنا؟**

الصفحة الرئيسية

 

### **الغضب المفيد: هل يمكن للعاطفة الأكثر شيطنة أن تكون طوق نجاتنا؟**

 

في عصر يتسم بالاستقطاب الحاد والضجيج الرقمي المستمر، يبدو الغضب وكأنه العملة السائدة. نشهده في الخطابات السياسية، ونلمسه في تفاعلاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشعر به يتراكم بداخلنا استجابةً لضغوط الحياة اليومية.

في عصر يتسم بالاستقطاب الحاد والضجيج الرقمي المستمر، يبدو الغضب وكأنه العملة السائدة. نشهده في الخطابات السياسية، ونلمسه في تفاعلاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشعر به يتراكم بداخلنا استجابةً لضغوط الحياة اليومية.
### **الغضب المفيد: هل يمكن للعاطفة الأكثر شيطنة أن تكون طوق نجاتنا؟**


### **الغضب المفيد: هل يمكن للعاطفة الأكثر شيطنة أن تكون طوق نجاتنا؟**


  •  لطالما تعلمنا أن الغضب عاطفة سلبية ومدمرة، يجب كبتها والتخلص منها بأي ثمن. لكن ماذا لو
  •  كانت هذه النظرة قاصرة، بل وخاطئة بشكل جذري؟ هذا هو التساؤل الجريء الذي يطرحه الكاتب
  •  والمحرر سام باركر في كتابه الجديد والمثير للتفكير، **"الغضب المفيد: كيف يمكن لإعادة التفكير
  •  في الغضب أن تغير حياتنا" (Good Anger: How Rethinking Rage Can Change
  •  Our Lives)**. لا يقدم باركر مجرد دفاع باهت عن هذه العاطفة، بل يقدم دليلاً شاملاً ومؤثراً
  •  لإعادة تأهيلها، محولاً إياها من وصمة عار إلى أداة قوية للنمو الشخصي والتغيير الإيجابي

#### **تشريح وباء الغضب المعاصر**

 

يبدأ باركر تحليله من نقطة انطلاق لا يمكن إنكارها: العالم اليوم يغرق في مستويات غير مسبوقة من التوتر والحزن والغضب. لكنه سرعان ما يكشف أن هذا المناخ العاطفي المشحون ليس مجرد نتيجة عرضية للظروف، بل هو نظام يتم استغلاله ببراعة من قبل أطراف متعددة.

  •  يقدم مثالاً صارخاً على ذلك في شخصية دونالد ترمب، الذي لم يكتفِ بإظهار الغضب، بل تبنى
  •  نموذج **"الرجل الغاضب"** كاستراتيجية سياسية أساسية. لقد أدرك ترمب أن الغضب، عند
  •  توجيهه بذكاء، يمكن أن يكون قوة دافعة هائلة، قادرة على حشد القواعد الانتخابية وتأجيج الانقسامات
  •  وتجاوز الخطاب العقلاني.

 

لكن الاستغلال لا يقتصر على الساحة السياسية. يوجه باركر عدسته المكبرة نحو عمالقة التكنولوجيا، كاشفاً كيف تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى "مزارع غضب" خوارزمية. 

  1. يشرح بالتفصيل كيف أن منصة "فيسبوك"، على سبيل المثال، تمنح الأولوية الخوارزمية للمحتوى
  2.  الذي يثير تفاعلات الغضب عبر "الإيموجي". فالتفاعل الغاضب يُعتبر مؤشراً على مشاركة قوية
  3.  مما يدفع المنصة إلى نشر هذا المحتوى على نطاق أوسع، خالقةً بذلك حلقات مفرغة من السخط
  4.  الجماعي. وبالمثل، يرى أن "تويتر" (الآن "إكس") قد "دربنا على التواصل بغضب أكبر كلما زاد
  5.  استخدامنا له"، حيث يكافأ الخطاب الحاد والمختزل والمثير للجدل بانتشار أوسع. وبهذا، لم يعد
  6.  الغضب مجرد شعور، بل أصبح وقوداً لاقتصاد الانتباه الرقمي.

 

#### **الرحلة الشخصية من الكبت إلى الفهم**

 

ما يجعل "الغضب المفيد" كتاباً مؤثراً يتجاوز كونه تحليلاً ثقافياً، هو الصدق العميق الذي يروي به باركر رحلته الشخصية مع هذه العاطفة. يعترف بأنه قضى معظم حياته وهو يكبت غضبه، معتبراً إياه علامة ضعف أو فشل أخلاقي. هذه التجربة الشخصية هي التي تمنح الكتاب قلبه النابض، حيث لا يتحدث باركر من برج عاجي أكاديمي، بل كشخص خاض معركته الخاصة لفهم هذا الشعور المعقد.

 

  • تتجلى هذه الصراحة في الروايات المؤثرة والمضحكة في آن واحد عن علاقته بوالده. في مقطع لا
  •  يُنسى، يصف محاولته مناقشة فكرة العلاج النفسي مع والده خلال نزهة، ليجد أن اهتمام الأب ينصب
  •  بشكل كامل على التكلفة المادية للعلاج، متجاهلاً الجانب العاطفي تماماً. 

هذه الحكاية الصغيرة تلخص ببراعة الفجوة بين الأجيال في التعامل مع الصحة النفسية والعواطف. ويطمئن القارئ بعبارة ساخرة لكنها عميقة: "إذا شعرت يوماً بالذنب بسبب مشكلات غير محلولة مع والدك، فلتطمئن، فهي تمتد إلى أعماق النفس البشرية". هذه اللمسة الإنسانية تجعل الكتاب في متناول كل من شعر يوماً بأنه غير مسموع أو غير مفهوم، خاصة أولئك الذين اعتادوا على تخزين مشاعرهم في الداخل.

 

#### **فلسفة الغضب المفيد من الإشارة إلى الأداة**

 

جوهر حجة باركر هو التمييز بين الغضب المدمر والغضب المفيد. الغضب المدمر هو الهيجان الأعمى، رد الفعل غير المتحكم فيه الذي يؤدي إلى الأذى والندم. أما **"الغضب المفيد"**، فهو شيء مختلف تماماً. إنه ليس ضجيجاً، بل إشارة. إنه نظام إنذار فطري يخبرنا بأن شيئاً ما ليس على ما يرام: قد يكون حداً شخصياً تم تجاوزه، أو قيمة أساسية تم انتهاكها، أو ظلم وقع أمام أعيننا.

 

  1. بالاستناد إلى رؤى من علم النفس والتاريخ والعلوم، يعيد باركر تعريف الغضب كقوة محفزة. إنه
  2.  الطاقة التي دفعت حركات الحقوق المدنية، وألهمت المصلحين الاجتماعيين، وهو الشعور الذي
  3.  يوقظنا من حالة اللامبالاة ويدفعنا للمطالبة بالتغيير. يستشهد باركر بحكم متنوعة تمتد من أرسطو
  4.  الذي رأى أن الغضب في الوقت والمكان المناسبين فضيلة، وصولاً إلى شخصيات ثقافية معاصرة
  5.  مثل توني سوبرانو، الذي يمثل دراسة حالة معقدة للغضب المكبوت وتداعياته.

 

يقسم الكتاب هذه الفلسفة إلى فصول عملية وشيقة، كل منها يتناول ساحة مختلفة من حياتنا:

*   **"الغضب والجسد":** يستكشف كيف أن كبت الغضب ليس مجرد ممارسة نفسية، بل له تكلفة جسدية باهظة، حيث يمكن أن يترجم إلى أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل في القلب، وضعف في جهاز المناعة.

*   **"الغضب في الحب":** يتحدى الفكرة القائلة بأن العلاقات الصحية خالية من الغضب، ويجادل بأن الغضب المُعبَّر عنه بصدق واحترام يمكن أن يكون أداة حيوية لحل النزاعات، وتوضيح الاحتياجات، وتعزيز العلاقة بدلاً من تدميرها.

*   **"ميزة الغضب في العمل":** في هذا الفصل، وبصفته محرراً كبيراً في مجلة "جي كيو"، يقدم باركر رؤى قيمة حول كيفية أن الغضب الموجه بشكل صحيح في بيئة العمل يمكن أن يكون أداة للتفاوض، ووضع الحدود مع مدير متسلط، ومكافحة الإرهاق الوظيفي، بل وحتى تحقيق الرضا الوظيفي عبر "الاستسلام للغضب" كطريق للسلام النفسي.

 

#### **دليل عملي للتعافي والتجدد**

 

"الغضب المفيد" ليس مجرد كتاب نظري، بل هو دليل عملي يهدف إلى تزويد القارئ بالأدوات اللازمة للتعامل مع التعاسة وتحويل الغضب إلى حليف. إنه يقدم استراتيجيات للتعرف على محفزات الغضب، وفهم الرسائل التي يحملها، والتعبير عنه بطرق بناءة لا تؤذي أنفسنا أو الآخرين.

 

  • الكتاب موجه بشكل خاص لأولئك الذين يصفهم باركر بـ"خازني المشاعر" – الأفراد الذين تعلموا
  •  ابتلاع غضبهم وإحباطهم، غالباً على حساب صحتهم العقلية والجسدية. بالنسبة لهؤلاء، يقدم الكتاب
  •  خريطة طريق للتحرر، ويشجعهم على إعطاء أنفسهم الإذن بالشعور، ويؤكد لهم أن غضبهم ليس فقط
  •  مبرراً، بل قد يكون ضرورياً.

 

في الختام

 يمثل كتاب سام باركر دفاعاً قوياً ومقنعاً عن عاطفة تحمل وصمة عار منذ أمد بعيد. إنه دعوة شجاعة لإعادة تقييم علاقتنا بواحد من أعمق مشاعرنا الإنسانية. في عالم يشجعنا إما على الانفجار بغضب أعمى أو كبته بالكامل، يقدم "الغضب المفيد" طريقاً ثالثاً: طريق الذكاء العاطفي، والصدق مع الذات، واستخدام هذه الطاقة الأولية كقوة من أجل الخير في حياتنا وفي العالم من حولنا. إنه قراءة أساسية لأي شخص يسعى إلى فهم نفسه بشكل أعمق والعيش حياة أكثر أصالة وشجاعة.

 

---

*صدر كتاب "الغضب المفيد: كيف يمكن لإعادة التفكير في الغضب أن تغير حياتنا" لـ سام باركر عن دار بلومزبري في 5 يونيو، ويُباع بسعر 20 جنيهاً إسترلينياً.*

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent