recent
أخبار ساخنة

### **"سبارك المتقدة": تشريح لغز أدبي خالد في سيرة مورييل سبارك**

الصفحة الرئيسية

 

### **"سبارك المتقدة": تشريح لغز أدبي خالد في سيرة مورييل سبارك**

 

في عالم الأدب، قليلون هم الكتّاب الذين يجسدون مفارقة حادة بين حضورهم المادي وإرثهم الإبداعي مثل الروائية الاسكتلندية مورييل سبارك (1918-2006). بقامتها التي لم تتجاوز 155 سنتيمتراً، والتي علّقت عليها بسخريتها المعهودة قائلة: "لو كنت أقصر قليلاً، لانضممت إلى السيرك"، كانت سبارك عملاقاً أدبياً، قادرة على توجيه لكمات سردية دقيقة وقاتلة، تاركةً قراءها في حالة من الذهول والإعجاب. يأتي كتاب السيرة الذاتية الجديد لفرانسيس ويلسون، بعنوان **"سبارك المتقدة: لغز مورييل سبارك" (Electric Spark: The Enigma of Muriel Spark)**، الصادر عن دار بلومزبري سيركس، ليسلط ضوءاً كاشفاً على هذه الشخصية الاستثنائية، مقدماً تشريحاً عميقاً للسنوات التي صنعت العبقرية وشكلت اللغز.

في عالم الأدب، قليلون هم الكتّاب الذين يجسدون مفارقة حادة بين حضورهم المادي وإرثهم الإبداعي مثل الروائية الاسكتلندية مورييل سبارك (1918-2006). بقامتها التي لم تتجاوز 155 سنتيمتراً، والتي علّقت عليها بسخريتها المعهودة قائلة: "لو كنت أقصر قليلاً، لانضممت إلى السيرك"، كانت سبارك عملاقاً أدبياً، قادرة على توجيه لكمات سردية دقيقة وقاتلة، تاركةً قراءها في حالة من الذهول والإعجاب. يأتي كتاب السيرة الذاتية الجديد لفرانسيس ويلسون، بعنوان **"سبارك المتقدة: لغز مورييل سبارك" (Electric Spark: The Enigma of Muriel Spark)**، الصادر عن دار بلومزبري سيركس، ليسلط ضوءاً كاشفاً على هذه الشخصية الاستثنائية، مقدماً تشريحاً عميقاً للسنوات التي صنعت العبقرية وشكلت اللغز.
### **"سبارك المتقدة": تشريح لغز أدبي خالد في سيرة مورييل سبارك**


### **"سبارك المتقدة": تشريح لغز أدبي خالد في سيرة مورييل سبارك**


  • إن اختيار ويلسون التركيز على "السنوات التكوينية" لسبارك هو خيار استراتيجي وذكي. ففي هذه
  •  الفترة المبكرة والمضطربة من حياتها تكمن مفاتيح فهم أعمالها اللاحقة. لم تكن حياة سبارك هادئة
  •  أو مستقرة؛ بل كانت عبارة عن بوتقة من التجارب القاسية التي صقلت صوتها الأدبي الفريد. ترسم
  •  ويلسون ببراعة لوحة بانورامية لهذه السنوات، مستعرضةً الانقسامات العائلية المريرة، والعلاقات
  •  السامة التي استنزفتها، وتجاربها في عالم التجسس خلال الحرب، وصولاً إلى الفقر المدقع الذي
  •  كاد يسحقها، والصراعات النفسية التي هددت بتفكيكها

من أبرز المحطات

 التي يتوقف عندها الكتاب زواجها الكارثي من سيدني أوزوالد سبارك (أوسي)، الرجل الذي يكبرها بثلاثة عشر عاماً. تصفه سبارك نفسها بأنه كان يعاني من حالة "حدودية"، ثم تطلق عبارتها اللاذعة التي تلخص أسلوبها كله: "ولم يعجبني ما وجدته على أيٍّ من جانبي الحد".

  •  هذه الجملة ليست مجرد وصف لعلاقة فاشلة، بل هي بيان عن نظرتها للعالم: نظرة حادة، غير
  •  عاطفية، قادرة على رؤية العبث في قلب المأساة. هذا الزواج، الذي أخذها إلى روديسيا (زيمبابوي
  •  حالياً) وعرّضها للعنصرية والعنف المنزلي، ترك في نفسها ندوباً عميقة، لكنه منحها أيضاً مادة خاماً
  •  لا تقدر بثمن ستعيد تدويرها لاحقاً في قصصها التي غالباً ما تتمحور حول الخيانة والسيطرة والهرب.

 

تغوص ويلسون ببراعة

 في تحليل الأسلوب الأدبي لسبارك، مبيّنة كيف أن حياتها الشخصية انعكست بشكل انتقائي في كتاباتها. من المثير للاهتمام أن سبارك تجنبت الخوض في شخصية والدها، أو أي شخصية أب أخرى في رواياتها، كما ابتعدت عن تصوير تفاصيل الحياة الزوجية التقليدية.

  1.  بدلاً من ذلك، كانت مهووسة بمؤامرات الابتزاز، والجريمة، ورسم عوالم كابوسية تُقتل فيها النساء
  2.  على أيدي رجال مختلين عقلياً. هذا الاختيار ليس عشوائياً، بل هو آلية دفاع وتحويل فني؛ فقد حوّلت
  3.  ضعفها كضحية محتملة في الواقع إلى قوة مطلقة كخالقة ومدبرة للمصائر في عالم الخيال. إن صوت
  4.  الراوي في رواياتها، الذي غالباً ما يكون عليماً بكل شيء، بارداً، وأحياناً قاسياً، هو صوت الإله الذي
  5.  لم تجده في حياتها، فصنعته بنفسها على الورق.

 

ولا يغفل الكتاب عن رسم المشهد الأدبي القاتم في لندن خلال خمسينيات القرن الماضي. كانت سبارك امرأة تقتحم نادياً حصرياً للرجال، موهبتها الحادة وذكاؤها الساخر شكّلا تهديداً للكثير من الشعراء والكتاب الذكور الذين التفوا حولها بدافع الغيرة والحسد.

  •  يبرز هنا اسم راينر هيبنستال كنموذج صارخ لهذه العدائية. فبعد محاولته الفاشلة لاغتصابها، والتي
  •  بررها بـ "الاهتياج الزائد"، تحول إلى ألد أعدائها، واصفاً إياها بـ "الباردة، المتغطرسة، الخبيثة
  •  والمجنونة إلى حد ما". هذه الحادثة المروعة لم تكسرها، بل ربما زادتها صلابة، وعززت قناعتها
  •  بأن العالم مكان خطير يتطلب اليقظة الدائمة والسخرية كسلاح للبقاء.

 

من النقاط المحورية الأخرى

 التي تستعرضها ويلسون اعتناق سبارك المفاجئ للكاثوليكية، وهو قرار غيّر مسار حياتها وكتابتها. بالنسبة لسبارك، لم تكن الكاثوليكية مجرد إيمان روحي، بل كانت إطاراً فكرياً وفلسفياً وفّر لها النظام والبنية في عالم فوضوي. لقد منحتها مفاهيم الخطيئة الأصلية، والنعمة، والخلاص، والقدر، عدسة فريدة ترى من خلالها الطبيعة البشرية.

  1.  روايتها الأشهر، **"ذروة الآنسة جين برودي" (The Prime of Miss Jean Brodie)**، هي
  2.  خير مثال على هذا التأثير، حيث تستكشف ببراعة ثيمات التأثير، والخيانة، والقضاء والقدر في إطار
  3.  ديني شبه لاهوتي.

 

ومع ذلك، لا تقدم ويلسون

 صورة مثالية أو قديسة لسبارك. فالسيرة لا تتوانى عن كشف جوانب شخصيتها الأكثر إرباكاً، مثل حادثة إهمالها الذي أدى إلى موت قطتها "بلو بيل"، أو علاقتها المعقدة والمؤلمة مع ابنها الوحيد روبن، والتي ظلت متوترة حتى وفاتها. تعترف المراجعة الأصلية بصدق: "لست متأكداً إن كنت قد اقتربت فعلاً من فهم شخصية سبارك كامرأة بنهاية الكتاب".

  •  وهذا ليس فشلاً من جانب ويلسون، بل هو شهادة على أمانتها ككاتبة سيرة. إنها تعرض الأدلة بكل
  •  تناقضاتها، وتترك للقارئ مهمة إصدار الحكم، مدركة أن بعض الألغاز البشرية، مثل لغز سبارك، لا
  •  يمكن حلها بالكامل، بل يجب التعامل معها بكل تعقيدها.

 

أما فصل النهاية في الكتاب

 فهو بمثابة خاتمة مروّعة ومفارقة مريرة. فبعد حياة قضتها في السيطرة الدقيقة على الكلمات وبناء العوالم، وجدت سبارك نفسها في مواجهة فناء الجسد وفوضى الخطأ البشري. سلسلة العمليات الجراحية التي خضعت لها في سنواتها الأخيرة - في عينيها، وكليتيها، ومفصل الورك - تحولت إلى كابوس طبي.

  1.  العملية الأخيرة كانت كارثية بكل المقاييس: قُطع عظم فخذها إلى نصفين، وخُيط العصب الوركي عن
  2.  طريق الخطأ داخل الجرح، مما تسبب في عدوى مروعة وآلام مبرحة استدعت سبع عمليات
  3.  تصحيحية لاحقة. إنها نهاية تليق بشخصيات رواياتها، نهاية عبثية وقاسية، تذكار مروّع بالموت
  4. (Memento Mori)، وهو عنوان إحدى أشهر رواياتها.

 

في الختام

 تعد سيرة "سبارك المتقدة: لغز مورييل سبارك" عملاً بالغ الأهمية، ليس فقط لمحبي مورييل سبارك، بل لكل من يهتم بتقاطعات الحياة والفن، وبكيفية تحويل الألم إلى إبداع خالد. إنها سيرة لا تقدم إجابات سهلة، بل تزيد من عمق الأسئلة حول طبيعة هذه الروائية الفذة.

 والأهم من ذلك كله، أنها تذكير جميل وعاجل بضرورة العودة إلى كنوزها الأدبية، لقراءة رواياتها من جديد بعيون أكثر وعياً وإدراكاً للروح المعذبة والعبقرية التي أنتجتها. إنها دعوة للغوص مرة أخرى في عالم مورييل سبارك، حيث كل جملة محسوبة، وكل شخصية محكومة بمصيرها، وحيث الضحك والسخرية هما خط الدفاع الأخير ضد عبثية الوجود.

صدر الكتاب عن دار بلومزبرى سيركس

 

فى 5 يونيو

2025

.سعر النسخة 25 جنية استرلينى

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent