recent
أخبار ساخنة

**"على بعد خمس خطوات": عندما يصبح القرب حلمًا مؤجلًا وحياةً معلقة**

الصفحة الرئيسية

 

 

**"على بعد خمس خطوات": عندما يصبح القرب حلمًا مؤجلًا وحياةً معلقة**

 

في عالم الأدب الشبابي المعاصر، تبرز رواية "على بعد خمس خطوات" للكاتبة رايتشل ليبينكوت كعلامة فارقة، لا لقصتها الرومانسية المؤثرة فحسب، بل لقدرتها على ملامسة أوتار حساسة تتعلق بالحياة، الموت، والشوق الإنساني الفطري للاتصال. تقدم الرواية، بأسلوب يجمع بين الواقعية المؤلمة والأمل الهش، معضلة وجودية تتجسد في السؤال المحوري: هل يمكن للحب أن يزهر وينمو في تربة الحرمان، حيث المسافة القسرية هي قانون البقاء، وحيث اللمسة قد تعني نهاية كل شيء؟

في عالم الأدب الشبابي المعاصر، تبرز رواية "على بعد خمس خطوات" للكاتبة رايتشل ليبينكوت كعلامة فارقة، لا لقصتها الرومانسية المؤثرة فحسب، بل لقدرتها على ملامسة أوتار حساسة تتعلق بالحياة، الموت، والشوق الإنساني الفطري للاتصال. تقدم الرواية، بأسلوب يجمع بين الواقعية المؤلمة والأمل الهش، معضلة وجودية تتجسد في السؤال المحوري: هل يمكن للحب أن يزهر وينمو في تربة الحرمان، حيث المسافة القسرية هي قانون البقاء، وحيث اللمسة قد تعني نهاية كل شيء؟
**"على بعد خمس خطوات": عندما يصبح القرب حلمًا مؤجلًا وحياةً معلقة**


**"على بعد خمس خطوات": عندما يصبح القرب حلمًا مؤجلًا وحياةً معلقة**


 

**ستيلا جرانت سيمفونية السيطرة في مواجهة فوضى الجسد**

 

تُطل علينا ستيلا جرانت، بطلة الرواية، كشابة تقف على عتبة الحياة، لكنها أسيرة جسد يخونها.

 رئتاها، اللتان من المفترض أن تكونا مصدرًا للحياة، هما ساحة معركة مستمرة، تجبرانها على قضاء جُلّ أيامها بين جدران المستشفى الباردة. في محاولة يائسة لاستعادة شيء من النظام في عالمها الفوضوي، تتمسك ستيلا بالسيطرة على كل تفصيل دقيق في حياتها: مواعيد الأدوية، التمارين التنفسية، نظامها الغذائي، وحتى ترتيب غرفتها في المستشفى. هذا الهوس بالسيطرة ليس مجرد سمة شخصية، بل هو درعها الواقي، آليتها للدفاع في مواجهة مرض التليف الكيسي الذي يهدد بابتلاع مستقبلها.

 

  • بالنسبة لستيلا، الأمل يتجسد في فرصة زرع رئة جديدة، فرصة قد تمنحها شهيقًا كاملًا وحياة طبيعية
  •  طالما حلمت بها. هذا الأمل يجعلها أكثر حذرًا، وأكثر التزامًا بالقواعد. والقاعدة الأهم، التي تحكم عالم
  •  مرضى التليف الكيسي، هي "قاعدة الست خطوات" – مسافة أمان لا يمكن تجاوزها مع أي شخص
  •  آخر مصاب بالمرض، لتجنب انتقال عدوى بكتيرية قد تكون قاتلة، أو على الأقل، تقضي على
  •  فرصتها في الزرع. إنها مسافة تحدد حدود عالمها، وتذكرها باستمرار بهشاشة وجودها.

 

**ويل نيومان تمرد اليأس في وجه قيود المرض**

 

على النقيض تمامًا، يظهر ويل نيومان. شاب وسيم، ذكي، ومتمرد.

 ويل لا يرى في المستشفى سوى سجن، وفي العلاجات سوى محاولات عبثية لإطالة أمد معاناة محتومة. مصاب هو الآخر بالتليف الكيسي، وبسلالة بكتيرية خطيرة (B. cepacia) تجعله خطرًا مضاعفًا على مرضى آخرين مثل ستيلا، وتجعله غير مؤهل لعملية زرع رئة.

  1.  هذا الواقع المرير يدفعه إلى حالة من اللامبالاة واليأس، فيتوق إلى بلوغ الثامنة عشرة ليتحرر من
  2.  وصاية الأطباء والأهل، وينطلق ليرى العالم الحقيقي، بعيدًا عن غرف المستشفيات المعقمة وأجهزة
  3.  التنفس الصناعي.

 

ويل يمثل كل ما يجب على ستيلا أن تتجنبه. هو الفوضى التي تهدد نظامها، الخطر الذي يهدد أملها الوحيد. لكن القدر، بسخريته المعهودة، يجمع بينهما في أروقة المستشفى ذاتها.

 

**عندما تتراقص الأرواح على حافة الهاوية**

 

**"على بعد خمس خطوات": عندما يصبح القرب حلمًا مؤجلًا وحياةً معلقة**

يبدأ اللقاء بين ستيلا وويل بتنافر طبيعي. هي المنظمة، وهو الفوضوي. هي المتمسكة بالأمل، وهو المستسلم لليأس. 

لكن تحت هذا السطح، يكمن فهم عميق لمعاناة الآخر. كلاهما يعرف معنى الأيام المقضّاة في انتظار، معنى الأنفاس المسروقة، ومعنى أن تكون شابًا يتوق للحياة بينما يتربص به الموت.

 

  • شيئًا فشيئًا، تنشأ بينهما رابطة فريدة، تتجاوز الحواجز المادية والمخاطر الصحية. يتواصلان عبر
  •  الرسائل النصية، مكالمات الفيديو، ومن خلال نوافذ غرفتيهما. يتبادلان النكات، الأحلام، والمخاوف.
  •  يكتشف ويل في ستيلا قوة وإصرارًا يوقظان فيه رغبة مكبوتة في المقاومة، وتجد ستيلا في ويل
  •  شخصًا يفهمها دون الحاجة لكلمات، شخصًا يرى ما وراء الفتاة المنظمة، ليرى الروح التواقة للحب
  •  والحياة.

 

**ست خطوات نحو الأمان، أم ست خطوات نحو العذاب؟**

 

مع تعمق العلاقة، تتحول قاعدة الست خطوات من إجراء وقائي إلى تعذيب نفسي. كيف يمكن للقلب أن يلتزم بمسافة بينما الروح تتوق للاقتراب؟ تلك الخطوات الست تصبح رمزًا لكل ما يفصل بينهما، لكل ما يسلبهما المرض من تجارب إنسانية بسيطة وطبيعية.

 

  1. وهنا، يطرح السؤال الذي يغير مجرى الأحداث: ماذا لو؟ ماذا لو استطاعا "سرقة" خطوة واحدة فقط
  2.  من تلك المسافة القاسية؟ ماذا لو أصبحت المسافة خمس خطوات بدلًا من ست؟ هل يمكن لهذه الخطوة
  3.  الواحدة، المليئة بالمخاطر، أن تمنحهما شعورًا بالقرب، بأن يعيشا لحظة حب حقيقية، حتى لو كانت
  4.  مسروقة وعابرة؟

 

**خمس خطوات تمرد الحب على منطق البقاء**

 

قرار تقليص المسافة إلى خمس خطوات هو فعل تمرد رمزي وشجاع. هو إعلان بأن الحاجة الإنسانية للاتصال قد تتفوق أحيانًا على غريزة البقاء.

 إنه اختيار واعٍ للمخاطرة بحياتهما الجسدية في سبيل إنقاذ قلبيهما من الانفطار التام. تصبح الخمس خطوات مساحتهم المقدسة، مساحة يتحديان فيها المرض، القدر، وقواعد العالم الذي يعيشون فيه.

 

  • الرواية لا تقدم إجابات سهلة أو نهايات مثالية. إنها تستكشف ببراعة التوتر الدائم بين الرغبة والخوف
  •  بين الحب والموت. تُظهر كيف يمكن للعلاقات الإنسانية أن تمنح القوة والمعنى حتى في أحلك
  •  الظروف، وكيف أن "الحياة" لا تقاس بطول الأيام، بل بعمق اللحظات التي نعيشها ونشاركها.

 الختام

في "على بعد خمس خطوات"، تدعونا رايتشل ليبينكوت إلى التفكير في قيمة اللمسة، القرب، والعلاقات الإنسانية في عالم يفرض علينا أحيانًا التباعد. إنها قصة عن الشجاعة في مواجهة المجهول، وعن قوة الحب التي تستطيع، ولو للحظات، أن تتحدى أقسى الحقائق، وتجعل من خمس خطوات مسافة كافية لاحتواء عالم كامل من المشاعر.

 إنها تذكير مؤثر بأن كل نفس هو هدية، وكل اتصال إنساني هو معجزة بحد ذاته.


**"على بعد خمس خطوات": عندما يصبح القرب حلمًا مؤجلًا وحياةً معلقة**

 


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent