## مأزقنا الثقافي: من أين نبدأ؟
منذ زمن بعيد، صرنا نسمع صدىً مُقلقًا داخل
أنفسنا، صدىً يُردد: "مأزقٌ ما نحن فيه." نعيشه، نشعر به، يُحاصرنا في كل لحظة، لكننا
نُقاوم فهمه، نُحاول التغاضي عنه، ونُزّيّنْه بألف حُجةٍ، وُهمٌ من صنع أيدينا،
مُتّهمين كل شيء إلا أنفسنا.
نُحمل المسؤولية على السياسيين المُتّهمين
بفسادهم، على الظروف الاقتصادية المُتّهمة بِقسوتها، على العالم الخارجيّ المُتّهم
بمؤامراته، لكننا نُغفل عن حقيقةٍ مُرّةٍ: مأزقُنا ثقافيٌ بامتياز.
نُجني ثمارَ تصرفاتٍ سابقةٍ، وثقافةٍ ممزّقةٍ،
تتنازعها نزعاتٌ متضاربةٌ، تُحوّلنا إلى ضحايا لِحالةٍ من التيهِ، نُحاول البحث عن
طريقٍ للخروجِ منها، لكننا نُضلّ الطريقَ، فالثقافةُ هي الأرضُ التي نُمشي عليها،
ونُخطو عليها، ونُقودُها أيضًا.
## مأزقنا الثقافي: من أين نبدأ؟ |
### ثقافةٌ مُتَشظّيةٌ:
كيف تُصبحُ الثقافةُ مأزقًا؟ كيف تُحوّلُنا من
بناةٍ حضارةٍ إلى مُدمّرينَ لِما ورثناه؟
نُنظرُ إلى ثقافتنا، كَجسمٍ متنازع عليه،
مُشظّى، مُزّقَ بِأيدٍ مُتعددةٍ، حُكِمَ عليه بِأن يَظَلَّ مُنغمسًا في حروبٍ دائريةٍ لا تنتهي، تَذُوبُ فيها الحُجةُ،
وتَختفي معها أيةِ فرصةٍ للتناغمِ والتّوازنِ.
فَثقافتنا اليومَ، هي مُزيجٌ من التقاليدِ
العتيقةِ، والتّأثيراتِ الغربيةِ المُستَوردةِ، التي لم تُدمجْ بِفاعليةٍ في
نسيجِها، فأصبحتْ كَجسدٍ مُشَلّلٍ،
يُحاولُ المشيَ على ساقٍ واحدةٍ، مُتعثّرًا ومُتَعرّضًا للسّقوطِ في أيّ وقتٍ.
### هل نحنُ مُحاصرونَ في عُقودنا؟
كَثيرةٌ هي التّحدّياتُ التي تُواجهُ
ثقافتنا، تُهدّدُ وجودنا، وتُقلقُ صِلةَنا
بِمُحيطنا، ونُشاطِعُ العالمَ مُحاولةً اللحاقَ بِركبِ التّقدمِ والتّطوّرِ،
لكنّنا في نفسِ الوقتِ نَتَمسّكُ بِعُقودٍ أصبحتْ قيدًا علينا، نُقاومُ التّغييرَ،
ونُرفضُ التّجدّدَ، ونُفضلُ البقاءَ في مكاننا، مُعتقدينَ أنّنا نُحافظُ على
الهُويّةِ، بينما نحنُ في حقيقةِ الأمرِ نَذُوبُ بِبطءٍ في فوضىٍ لا تنتهي.
نُدركُ أنّ التّمسّكَ بِالثّقافةِ لا يَعنى
التّجميدَ، ولا التّعصّبَ، ولا التّشبّثَ بِما فاتَ، بل هو صِلةٌ حيةٌ مع تاريخنا،
نُطوّره ونُجدّده، نُحوّلُه إلى مصدرٍ
لإلهامٍ، وليس كَقيدٍ يُقيّدُ حركتنا، ويُمنعُنا من التّطورِ.
### لِماذا تُفشلُ "ثقافةُ التّغيير"؟
نعيشُ مرحلةً حرجةً، حيثُ نحتاجُ إلى تغييرٍ
ثقافيٍّ حقيقيٍّ، يُعيدُ صِياغةَ العقلِ
المُجتمعيّ، يُجدّدُ المفاهيمَ، ويُنشرُ
قيمًا جديدةً تُؤسّسُ لِحياةٍ أفضلَ.
لكنّنا نَفشلُ في إحداثِ هذا التّغييرِ، فِعلَنا يُصبحُ مَحصورًا بينَ حُجّةٍ
ونقيضِها، نُقرّ بِحاجةِ التّغييرِ لكنّنا
في نفسِ الوقتِ نَخافُ مِنْه، نُؤمنُ
بِقُدرةِ التّجدّدِ لكِنّنا
نُقاومُه، نُدركُ أنّ الثّقافةَ مُتَحوّلةٌ لكِنّنا نَرفضُ أن نَكونَ جزءًا من هذا
التّحولِ.
### بينَ الرفضِ والتّأقلمِ:
نُحاولُ
تَأقلمَ معِ العالمِ الخارجيّ، وَنَتَأثّرُ
بِه، لكنّنا في نفسِ الوقتِ نَرفضُه، نُقاومُه،
ونُحاولُ إبعادَ أنفسنا عنه. تُصبحُ حياتُنا مَزيجًا من التّناقضاتِ، نَشُعرُ بِالتّيهِ، ونُحاولُ
التّمسّكَ بِهُويّتنا بينما نَفقدُها.
### إعادةُ صياغةِ "العقلِ المُجتمعيّ":
مَا
هيَ حلولُ المأزقِ
الثّقافيّ؟ كيفَ نُعيدُ
صياغةَ "العقلِ المُجتمعيّ" لِنَجعلَهُ
قادرًا على التّطورِ
وَالتّجدّدِ؟
يَبدأُ
الحلّ من "النّظرِ
إلى الداخلِ"، وَالتّحليلِ
النّقديّ للّذاتِ، لِنَتَعرّفَ
على أسبابِ فشلِنا
في التّغييرِ، وَلتَحديدِ
مَواطنَ الخَللِ في
ثقافتنا.
يَتطلّبُ
الحلّ أيضًا "التّقبّلَ"، وَقبولَ
الحقيقةِ مُتَحوّلًا من
عقودنا، وَالتّعاطيَ معَ
العالمِ الخارجيّ بِرُوحٍ
مُفتوحةٍ، وَقَلبٍ مُتَقبّلٍ
لِلتّغييرِ.
### ثقافةُ النّهضةِ:
يَتطلّبُ
الحلّ منّنا أن نُطلقَ
"ثقافةَ النّهضةِ"، وَأن نَكونَ
صَانعيَ ثقافتنا الجديدةِ،
نَتَمسّكَ بِقِيَمٍ وَأساسياتٍ
تُعَدّ أساسًا لِحياةٍ
مُتَطوّرةٍ، تُقدّرُ العقلَ،
وَالتّسامحَ، وَالتّعاونَ.
### مُشاركةٌ وَوعيٌ:
يَتطلّبُ
الحلّ منّنا أن نُشاركَ
في صَنعِ ثقافتنا،
وَنُعبّرَ عن آرائنا،
وَنُشاركَ في التّغييرِ،
وَنَكونَ وعيًا بِمُحيطنا،
وَنَتبنى قِيَمَ التّعاطفِ
وَالتّضامنِ.
### خَطواتٌ نحوَ
التّغييرِ:
يَتطلّبُ
الحلّ منّنا أن نَتّخذَ
خَطواتٍ مُحدّدةً، وَأن نَتّبعَ
مُنهجًا مُنظمًا، نُشّكّلُ
حركةً ثقافيةً تَستَهدفُ
إحداثَ التّغييرِ في
مُجتمعاتنا.
نُنشّئُ
مُؤسساتٍ وَمنظماتٍ تَعملُ
على نشرِ الثّقافةِ
الجديدةِ، وَنُطلقُ حملاتٍ
تَوعويةً، وَنُساهمُ في
تَكوينِ جِيلٍ جديدٍ
مُدركٍ لِأهمّيةِ الثّقافةِ
وَدورِها في تَشكيلِ
المُجتمعِ.
### مُستقبلُ ثقافتنا:
مُستقبلُ
ثقافتنا مُتَروكٌ لَنَا،
نَحنُ نَصنعهُ بِأفكارنا،
وَأفعالنا، وَنَحملُ مسؤوليةَ
التّغييرِ، وَنَتَحملُ تَبعاته.
هَل
نُريدُ أن نَستَمِرّ في
التّيهِ وَالنّزاعِ والصّراعِ؟
أم نُريدُ أن نَكونَ
صَانعيَ مُستقبلنا الجديدِ،
الذي تَحتويهُ الثّقافةُ
وَالتّطوّرُ، وَالتّسامحُ وَالتّعاونُ؟
الإجابةُ
في أيدينا.