## الخواجاية: رحلةٌ بين ثقافتين، وذاكرةٌ تتلاشى
يُقدّم كتاب "الخواجاية"
للكاتبة فيموني عكاشة سيرةً ذاتيةً آسرةً، تتجاوز حدود السرد الشخصي لتُلامس أعماق
العلاقات المُعقّدة بين الشرق والغرب، وتُسلّط الضوء على مفارقات الثقافات
وتأثيراتها على بناء الهوية الفردية والجماعية.
## الخواجاية: رحلةٌ بين ثقافتين، وذاكرةٌ تتلاشى |
ففي هذا العمل الأدبي
الرقيق، لا تُروي الكاتبة قصة حياتها فحسب، بل تُروي أيضاً قصة زواج والدَيها، قصة
حبّ عابرة للحدود والثقافات، قصة مصرية
هولندية بكل تعقيداتها وتناقضاتها.
عنوان الكتاب
يُشكّل عنوان الكتاب "الخواجاية" بحد ذاته إشارةً دالةً على جوهر الموضوع. فكلمة "خواجا" تحمل في طياتها دلالاتٍ ثقافيةً مُتعدّدة، تُشير إلى الغريب، الأجنبي، الذي يأتي من الغرب، مُحملةً في بعض الأحيان بصبغة من الاستغراب أو حتى التمييز.
- لكنّ الكاتبة تُوظّف هذه الكلمة ببراعة
- لتُشير إلى تلك العلاقة المُلتبسة بين الشرق والغرب
- بين ثقافتين مختلفتين تماماً، تلتقيان وتتنافرَان في آنٍ واحد.
بداية الكتاب
يبدأ الكتاب برسم صورةٍ واضحةٍ عن علاقة حبٍّ جمعت بين أنور عكاشة، المهندس المصري الوسيم والمرح، وبين غيردا، المرأة الهولندية التي عملت كجليسة أطفال.
- لم تكن هذه العلاقة خاليةً من التحديات
- فقد واجهت معارضةً من كلا العائلتين
- نظراً لاختلاف الثقافات والجغرافيا والدين.
- تُبرز الكاتبة ببراعةٍ التناقضات الحادة بين تقاليد العائلتين،
- وكيف حاول كلّ طرفٍ التكيّف مع الآخر
- والتنازلات التي قُدّمت من أجل
بناء حياةٍ مشتركة.
أهمية الكتاب
لكنّ ما يميّز "الخواجاية" ليس فقط سرد قصة حبٍّ عابرة للثقافات، بل هو أيضاً استكشافٌ عميقٌ لطبيعة الذاكرة، وقدرتها على تشكيل هويتنا، وحفظ تاريخ عائلتنا. تُعرّفنا الكاتبة على والدتها، غيردا، صاحبة الذاكرة "الحديدية".
- كما وصفها أفراد عائلتها. كانت غيردا بمثابة أرشيفٍ حيّ
- تتذكر كلّ تفاصيل حياتها، وتواريخ ميلاد أفراد عائلتها وزواجهم ووفياتهم،
- حتى إنّها كانت تُصحّح أحياناً معلوماتٍ تاريخيةً
- لأشخاصٍ مقرّبين! تُمثّل ذاكرة غيردا نافذةً على الماضي
- تُتيح لنا رؤية تاريخ عائلتين من منظورين مختلفين
- مصر وهولندا، وتُبرز التناقضات الجميلة بينهما.
تُقابل هذه الذاكرة "الحديدية"
ذاكرة الكاتبة الخاصة، التي تصفها بأنها ذاكرة "السمكة"، ذاكرةٌ مُتقلّبة، تنسى الكثير من التفاصيل. هذه المُقارنة المُلفتة تُبرز الاختلافات بين الأجيال، وبين طرق حفظ الذاكرة وتوثيقها. تُضيف هذه المُفارقة بعداً إنسانياً عميقاً
للكتاب، فتُذكّرنا بأنّ الذاكرة ليست
ثابتةً ولا مُطلقَة، بل هي عرضةٌ للنسيان والتشوّه مع مرور الزمن.
- وعلى الرغم من حيوية غيردا وذاكرتها القوية
- فإنّ الكتاب لا يتجنّب مواجهة حقيقةٍ مؤلمة
- مرض الخرف. تُروي الكاتبة بصدقٍ مؤثّر رحلتها مع مرض والدتها
- وتُظهر لنا تغيّراتها السلوكية وصعوبة التعامل معها في مراحل مرضها المتقدّم.
- لا تخفّف الكاتبة من تفاصيل هذا التحدّي العاطفي الشاق
- بل تُبرز معاناتها بنبرةٍ رقيقة
ملؤها الحزن والأمل في آنٍ واحد.
لمسة بديعة
تُضيف قصصٌ صغيرة
في الكتاب لمساتٍ بديعة،
كحكاية زيارتها الأولى لجدّتها في
هولندا، وكيف أُصيبت بصدمةٍ
بسبب برود استقبالها
الذي اعتبرته في ذلك الوقت
انعكاساً لبرود مشاعر جدتها. لكنّ
أمها شرحت لها لاحقاً أنّ
الطرق المختلفة للتعبير عن المشاعر
لا تعني بالضرورة اختلافاً في عمق هذه المشاعر. هذه الحكاية البسيطة تُبيّن
كيف يمكن أن يُفهم
السلوك بطرق مختلفة بناءً على الخلفية الثقافية والتربية.
- وبالعودة إلى شخصية أنور
- تُرسم الكاتبة صورةً للرجل المصري الوسيم الذكي والمرح
- الذي استطاع أن يكسب قلوب الجميع
- بمن فيهم والدة زوجته، على الرغم من مخاوفها في البداية.
- تُبرز الكاتبة براعته في التعامل مع الناس
- وجاذبيته الشخصية، وإحساسه بالفكاهة.
- تُضيف هذه التفاصيل بُعداً إنسانياً يُضفي
دفئاً على السرد.
الختام
تُختتم الرواية
بمشهدٍ مؤثّر لوفاة والدة
الكاتبة. تُروي فيموني
عكاشة مشاعرها بصدقٍ
بالغ، مُعبّرةً عن
حزنها وانكارها لرحيل
أهمّ شخصٍ في
حياتها. هذا المشهد يُبرز
الترابط العاطفي العميق
بين الأمّ وابنتها،
وكيف أنّ الذكريات
والمشاعر تبقى خالدة
حتى بعد الرحيل.
في الختام، يُمثّل كتاب "الخواجاية" عملًا أدبيًا رفيعًا، يُقدّم
قصةً شخصيةً بأسلوبٍ
احترافيٍ ومُتقَن، مُثرٍ
للقارئ بمحتواه الذي
يتجاوز حدود السيرة
الذاتية، ليُصبح رحلةً
في عالمٍ من
المشاعر والذكريات والتناقضات
الثقافية. إنه كتابٌ يُثير
التفكير ويُحفّز على
التأمل في طبيعة
الذاكرة، والتعامل مع
الخسارة، وبناء الهوية
في عالمٍ متعدد
الثقافات.