## "أبو التكتك": مسرحية عراقية سياسية ساخرة تتحدى الواقع

## عالم مغلق باتساع: رحلة في دهاليز الجنون والجريمة

 

تُقدم لنا رواية "عالم مغلق باتساع" للكاتب الشاب حسام قنديل رحلة مُثيرة في دهاليز الجنون والجريمة، حيث تصطحبنا إلى عالم غامض ومُتَشابك من خلال شخصيات غريبة الأطوار وأحداث مُذهلة. تُصدر الرواية عن منشورات إيبيدي، وتُكشف لنا عن عالمٍ مغلقٍ باتساع، لا نعلم إن كان واقعًا أم مُجرد وهم.

## عالم مغلق باتساع: رحلة في دهاليز الجنون والجريمة

 

تُفتتح الرواية بحوارٍ داخليٍ لأديبٍ عجيبٍ يُسمى "أديب"، وهو أحد الشخصيات المحورية في الأحداث. يُعاني أديب من خيالٍ غنيٍّ يُمكنه من خلق عوالمٍ لا يراها سوى هو، يُردد: "لمسني الله فمنحني خيالا يستطيع صنع عوالم متكاملة لا يراها سواي. عوالم ظننتها ستصاغ إبداعا على أوراق أو في أسير مقطوعة موسيقية، أو على خشبة مسارح العالم وشاشاته، لكن ذلك لم يحدث!" بهذه الكلمات يُمهد قنديل للقارئ بأن ما سيُشاهد ربما يكون خيالًا بحتًا من صنع أديب. لكن هل كانت تلك مجرد خيالٍ أم لعبةٌ آسرةٌ نسجها قنديل ليتلاعب بنا بين حواف عوالم الخيال والجنون التي أبدعها؟

 

تُبدو أحداث الرواية شديدة التعقيد، لكنها تدور في مجملها حول لعبة تلاعب بالعقول، يُؤديها طبيبٌ مختلٌّ يُدعى نادر. يُصاب نادر بالتوحد منذ طفولته، ليُودع مصحةً مع طفلةٍ متوحدةٍ يُدعى ميار. يكبران ويُدرسان الطب معًا ثم يتزوجان. لكن شخصية نادر، وهو باحث دكتوراه يشرف على الصحة النفسية للمساجين، تنحرف عن مسارها. يُصبح هاجسه هو البحث عن نموذج المرأة الكاملة، بعد فشله في الارتباط بحبيبته لجين زميلة دراسته أيضًا.  من هنا تبدأ رحلة البحث عن الكمال،  فتتوالى ظهور الشخصيات النسائية في حياته: لجين، رباب، صافي، وسها.

 

 لكلٍ منهن ظروف اجتماعية مختلفة، لكن ثمة تشابها يجمع بينهن، متمثلا في تعرضهن بشكل ممنهج إلى الاضطهاد والعنف. يدفع نادر كل واحدة منهن لقتل أزواجهن المشوهين سلوكيا من منظوره، مُستخدمًا شرعية القاتل المتسلسل.  يتسلق نادر إلى عقولهن، وأحيانا أجسادهن أيضًا،  فيُصبح مُحركًا أساسيًا لارتكاب جرائم القتل،  ويُمارس نوعًا من التحكم العاطفي والمادي.  يجذب نادر النساء إلى عالمه المُظلم، مُستغلاً ضعفهن وآمالهن في التحرر من ظروفهن القاسية.

 

تتميز شخصية نادر بالغموض، فهو يُقدم نفسه للنساء كمنقذٍ من ظروفهن القاسية، مُستخدمًا حنانه وكاريزميته لجذبهم إليه.  يُصبح نادر رمزًا للخطورة، حيث يُمكنه التحكم في أفعال البشر،  لا سيما النساء.  يُصبح سلوك نادر مُقلقًا،  فمنذ بدايته، تُثير أفعاله تساؤلاتٍ حول طبيعته ونواياه. هل هو حقًا مُجنونٌ أم ذكيٌّ لدرجةٍ مُخيفة؟

 

تُركز الرواية على نموذجين من الرجال: الرجال المتسلطين، وأزواج النساء.  يُصور قنديل هذين النموذجين كأعداءٍ للنساء،  مُستخدمًا أفعالهم لجعل النساء فريسةً سهلةً لنادر.  تُصبح النساء ضحايا لظلم المجتمع،  ويسعون للتخلص من قيودهن،  لكنّ نادر يُحولهن إلى أدواتٍ في خططه المُشينة.

 

تُقدم الرواية عديدًا من التفاصيل التي تُلقي الضوء على عالم نادر ورحلة بحثه عن المرأة الكاملة.  يُظهر قنديل كيف يُمكن للجنون أن يُشكل واقعًا جديدًا،  حيث يُصبح نادر مُتحكمًا في عالمه الخاص.  تُصبح النساء المُنخرطات في مخططاته بمثابة قطعٍ من اللغز،  يسعى لجمعها  لتُصبح المرأة الكاملة التي يُحلم بها،  لكنّ هذا الحلم مُشوهٌ  بذكريات الماضي المؤلمة.

 

 تُستعرض في الرواية قصصٌ متعددةٌ عن النساء،  كلٌّ منهنّ ضحيةٌ لظروفها،  وتُصبحّ فريسةً لنادر.  تُشكل هذه القصص حكاياتٍ مُؤلمةٍ عن العنف الأسري والاجتماعي الذي يُواجهه النساء،  وتُظهر الرواية  أنّ نادر  هو  مُجرد  رمزٍ  للمجتمع  المُشوه،  الذي  يُشكل  النساء  ضحايا.

 

تتضمن الرواية حواراتٍ عديدةٍ،  تُستخدم كأداةٍ رئيسيةٍ في السرد.  تُبرز هذه الحوارات  شخصياتٍ محوريةً وشخصياتٍ عابرة،  تُلقي الضوء على ملابسات الأحداث.  يُعتمد على المنولوج الداخلي لشخصيات الرواية أكثر من استخدامه للحوار بينهم،  مما يجعل القارئ يغوص في أعماق كل شخصية ليتعرف على دوافعها،  ويُصبح  شريكًا  في  الغموض.

 

يُركز قنديل  في  الرواية  على  الذكورية  المُتجذّرة  في  المجتمع،  وعلى  سعيها  لقهر  المرأة  وسطوة  الرجل  عليها.  تُصبح  النساء  فريسةً  للمجتمع  وَلِلطّبيعة  المُشوهة  لِنادر.  يُظهر  قنديل  كيف  يُصبح  الجنون  مُبرّرًا  لأفعال  مُخيفة،  وكيف  يُمكن  للظروف  المُحيطة  أن  تُشكل  واقعًا  جديدًا.

 

تُقدم  "عالم  مغلق  باتساع"  فكرة  الواقع  النسبي،  حيث  تُصبح  حقيقة  الأحداث  مُعتمدةً  على  منظور  المُشاهد.  يُصبح  الخيال  مُتداخلًا  مع  الواقع،  فيُصبح  صعبًا  تحديد  الحد  الفصل  بينهما.  تُصبح  الرواية  مُثيرةً  للجدل،  حيث  تُثير  تساؤلاتٍ  حول  الجنون  والتلاعب  بالعقول  والواقع.

 

يُبرز  قنديل  في  الرواية  أن  هناك  اتفاقًا  بين  البشر  على  مسببات  ردود  أفعالهم.  وعندما  يُفقد  هذا  النسق،  يُصبح  هناك  مُجنون  لا  يُفهم.  يُبرهن  على  ذلك  في  روايته،  حيث  تُصبح  شخصيات  الرواية  أداةً  في  يد  محرك  أساسي  لعبة  غامضة  ومُثيرة  حتى  النهاية. 

 

تُثير  نهاية  الرواية  تساؤلاتٍ  كثيرةً،  حيث  يُترك  القارئ  لِيفكّر  في  معنى  الواقع  والخيال.  هل  كانت  أحداث  الرواية  حقيقيةً  أم  مجرد  أوهاما  وشخصيات  تخيلية؟  يُصبح  الاختلاف  بين  الواقع  والخيال  مُبهمًا،  وذلك  من  خلال  كلمات  أديب  في  بداية  الرواية  "أنا  أديب،  وسأكتب  لك  رواية"،  فهل  كان  أديب  يُخاطب  بهذه  الافتتاحية  لينفذ  ما  يُكتبه،  أم  يُخاطب  القارئ  دون  مواربة؟

 

تُعتبر "عالم  مغلق  باتساع"  رواية  مُثيرة  للجدل،  تُثير  الفضول  وتُشكل  تجربة  قراءة  مُذهلة.  تُسلط  الرواية  الضوء  على  عديد  من  الموضوعات  المُهمة،  مثل  الجنون،  والتلاعب  بالعقول،  وواقعنا  المُشوه.  تُعتبر  الرواية  مُثيرةً  للتفكير،  تُثير  الجدل  وتُثير  الفضول  في  نفوس  القراء.