### **"طقوس متساوية": حين يتحدى السحر تقاليد الجنس في عالم القرص**

 

## الحاكم بأمر الله: جنون السلطة أم عبقرية مُساء فهمها؟

 

تُعدّ شخصية الحاكم بأمر الله الفاطمي، سادس الخلفاء الفاطميين (حكم 996-1021م)، واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل والغموض في التاريخ الإسلامي. يقف المؤرخون والمفكرون حائرين أمام تناقضات سلوكه وقراراته، التي تراوحت بين الحكمة الظاهرة والغرابة المطلقة، مما دفع البعض لوصمه بالجنون، بينما رأى آخرون في تصرفاته عمقاً سياسياً أو رؤية استراتيجية خفيت على معاصريه. برنامج "الدحيح"، في إحدى حلقاته المميزة، حاول الغوص في أعماق هذه الشخصية، مُقدماً قراءة تسعى لفك طلاسم هذا الخليفة المحيّر.

## الحاكم بأمر الله: جنون السلطة أم عبقرية مُساء فهمها؟

## الحاكم بأمر الله: جنون السلطة أم عبقرية مُساء فهمها؟

**نشأة في ظل الوصاية وتوطيد أركان الحكم**

 

اعتلى الحاكم العرش طفلاً في الحادية عشرة من عمره، مما وضعه تحت وصاية رجال الدولة الأقوياء، أبرزهم برجوان الصقلبي والحسن بن عمار الكتامي. شهدت هذه الفترة صراعاً على النفوذ انتهى بتفرد برجوان بالسلطة الفعلية، مهمشاً الخليفة الصغير.

•  إلا أن الحاكم، بمساعدة أخته النافذة "ست الملك"، التي لعبت دوراً محورياً في تثقيفه وتمكينه
•  استطاع في سن الخامسة عشرة تدبير انقلاب داخلي قضى فيه على برجوان، ثم لاحقاً على ابن عمار
•  مُعلناً بذلك بداية حكمه الفعلي. اتسمت هذه المرحلة بالقبضة الحديدية، حيث سعى لفرض هيبته من
•  خلال القضاء على أي مركز قوة منافس، حتى لو كان من أقرب المقربين أو المعلمين، مُستخدماً
•  الخوف كأداة رئيسية لترسيخ سلطانه.

 

**قرارات متضاربة ومراسيم عجيبة**

 

تميز عهد الحاكم بسلسلة من القرارات الغريبة والمتقلبة. ففي حين أسس "دار الحكمة" كمركز علمي وثقافي رائد، وأبدى اهتماماً بمراقبة الأسواق ومحاسبة الفاسدين بنفسه، أصدر مراسيم حيرت العقول. من أبرزها منع أكل الملوخية والجرجير وبعض أنواع الأسماك، وتحريم ذبح الأبقار السليمة، وحظر بيع العنب أو صناعة النبيذ، بل وصل الأمر إلى إتلاف كروم العنب.

1.  كما فرض قيوداً صارمة على النساء، وصلت إلى منعهن من الخروج من البيوت
2.  وأمر الإسكافيين بعدم صنع أحذية نسائية.
3.  ولعل أغربها أمره بالعمل ليلاً والراحة نهاراً، وإضاءة الشوارع بالقناديل.

 

لم تقتصر تقلباته على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، بل امتدت لتشمل السياسات الدينية. فبينما سمح للسنة في بداية عهده بممارسة شعائرهم، عاد فضيّق عليهم، ثم أمر بسب الصحابة على جدران المساجد، ليعود ويمحو ما كُتب. كذلك، تعامل بقسوة مع المسيحيين واليهود في فترات، فهدم كنائس (منها كنيسة القيامة بالقدس) وفرض عليهم ارتداء ملابس مميزة، ثم عاد فأمر بإعادة بناء الكنائس وتعويض المتضررين.

 

**محاولات لتفسير اللغز**

 

يطرح برنامج "الدحيح"، استناداً إلى بعض المؤرخين كيوسف زيدان، تفسيرات قد تبدو منطقية لبعض هذه القرارات. فمنع الملوخية قد يكون مرتبطاً بكونها طعاماً مفضلاً لمعاوية بن أبي سفيان، خصم الشيعة التاريخي، أو لمنع فتنة طائفية.

•  ومنع ذبح الأبقار السليمة قد يهدف للحفاظ على الثروة الحيوانية المستخدمة في الزراعة. أما منع
•  بعض الأسماك، فربما كان لدورها البيئي في تنظيف مجرى النيل. هذه التفسيرات، وإن كانت لا تشمل
•  كل قراراته، تفتح الباب أمام احتمال وجود دوافع عقلانية خلف ستار الغرابة.

 

**ادعاء الألوهية ونشأة الدروز**

 

لعل أخطر مراحل حكم الحاكم كانت تلك التي شهدت ظهور دعوات تؤلهه، تزعمها دعاة مثل حمزة بن علي الزوزني ومحمد بن إسماعيل الدرزي. لم يتصدَ الحاكم لهذه الدعوات بشكل حاسم، بل ربما شجعها، مما أثار حفيظة العامة وعلماء الدين.

1.  أدت هذه الدعوات إلى اضطرابات، واضطر الدرزي للفرار إلى الشام، حيث انتشرت دعوته لتشكل
2.  نواة الديانة الدرزية. يُعتقد أن رد فعل الحاكم العنيف على معارضة هذه الدعوات، والذي تجلى في
3.  حرق أجزاء من الفسطاط، كان من بين أسباب تصاعد النقمة ضده.

 

**النهاية الغامضة والصراع على التركة**

 

ازدادت عزلة الحاكم في سنواته الأخيرة، خاصة بعد خلافه مع أخته القوية "ست الملك" بسبب قراره تعيين ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس ولياً للعهد بدلاً من ابنه. وفي ليلة من ليالي فبراير 1021م، خرج الحاكم في إحدى جولاته الليلية المعتادة إلى جبل المقطم، ولم يعد. عُثر على حماره وثيابه ملطخة بالدماء، لكن جثته لم تظهر قط.

•  ترجح أغلب الروايات أن "ست الملك"
•  بالتعاون مع ابن دواس الكتامي
•  دبرت اغتياله لضمان انتقال السلطة لابن الحاكم
• علي الظاهر لإعزاز دين الله.

 

**خاتمة**

 

يظل الحاكم بأمر الله لغزاً تاريخياً. هل كان عبقرياً سبق عصره بسياسات لم تُفهم، أم طاغية غريب الأطوار دفعه جنون العظمة إلى حافة الهاوية؟ أم أن الصورة التي وصلتنا عنه هي نتاج تشويه متعمد من خصومه أو من مؤرخي الدول التي خلفت الدولة الفاطمية؟ 

الأكيد أن عهده كان نقطة تحول فارقة، وأن قراراته، مهما كانت دوافعها، تركت بصمات لا تُمحى على تاريخ مصر والمنطقة، وجعلت من سيرته مادة خصبة للبحث والتحليل إلى يومنا هذا.