**"اعترافات قاتل اقتصادي": كشف الستار عن آليات الهيمنة الاقتصادية العالمية**
يُعد كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" (Confessions
of an Economic Hit Man) للمؤلف الأمريكي جون بيركنز،
والذي صدرت له ترجمة عربية بعنوان "الاغتيال الاقتصادي للأمم"، وثيقة
استثنائية وجريئة، تقدم منظوراً داخلياً مقلقاً حول الآليات الخفية التي تُستخدم،
وفقاً للمؤلف، للسيطرة على الدول النامية وإخضاعها لمصالح قوى اقتصادية عظمى
وشركات كبرى. لا يقتصر الكتاب على كونه سيرة ذاتية لمؤلفه، بل يتجاوزه ليكون
بمثابة شهادة حية على نظام معقد ومتشابك يُسهم في تشكيل المشهد الاقتصادي والسياسي
العالمي.
![]() |
**"اعترافات قاتل اقتصادي": كشف الستار عن آليات الهيمنة الاقتصادية العالمية** |
**جون بيركنز من صانع للأزمات إلى كاشف للحقائق**
وُلد جون بيركنز في 28 يناير 1945 في هانوفر، نيو هامبشاير، بالولايات المتحدة الأمريكية. هو ليس مجرد كاتب، بل اقتصادي وناشط سياسي وبيئي. تكمن قوة شهادته في كونه جزءاً من النظام الذي يفضحه اليوم. يروي بيركنز كيف تم تجنيده في فترة السبعينيات للعمل كـ"قاتل اقتصادي" لصالح شركات استشارية كبرى تعمل بشكل وثيق مع مؤسسات مالية دولية وحكومة الولايات المتحدة.
- مهمته، كما يصفها، كانت تتمثل في إقناع قادة الدول النامية بقبول قروض ضخمة لمشاريع بنية
- تحتية، يتم تضخيم تكلفتها وفوائدها المتوقعة، مع ضمان أن تعود هذه المشاريع بالنفع الأكبر على
- الشركات الأمريكية المتعاقدة.
**جوهر عمل "قتلة الاقتصاد" فخ الديون والتبعية**
يُعرّف بيركنز "قتلة الاقتصاد" بأنهم مجموعة من الخبراء المحترفين الذين يتقاضون أجوراً باهظة مقابل خداع دول العالم، خاصة تلك الغنية بالموارد الطبيعية أو ذات الموقع الاستراتيجي. تبدأ العملية، كمايشرح، بتقديم توقعات اقتصادية وردية ومبالغ فيها لنمو الدول المستهدفة نتيجة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة (كمحطات الطاقة، الطرق السريعة، والمطارات).
- يتم بعد ذلك ترتيب قروض هائلة لهذه الدول من مؤسسات
- كالبنك الدولي أو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)
- وغيرها من مؤسسات الإغاثة الأجنبية.
الشرط الأساسي في هذه الصفقات هو أن تُنفذ هذه المشاريع من قبل شركات هندسية وإنشائية أمريكية كبرى. وبالتالي، فإن جزءاً كبيراً من الأموال المقترضة لا يغادر الولايات المتحدة فعلياً، بل يُعاد توجيهه إلى خزائن هذه الشركات، بينما تتحمل الدولة النامية عبء الدين كاملاً.
- وحين تعجز هذه الدول عن سداد ديونها المتراكمة، وهو ما يحدث غالباً وفقاً لتصميم النظام، تبدأ
- مرحلة الابتزاز والضغط السياسي. تُجبر هذه الدول على تقديم تنازلات كبيرة، مثل بيع أصولها
- الوطنية بأسعار زهيدة، أو السماح بإقامة قواعد عسكرية، أو التصويت لصالح سياسات معينة في
- المحافل الدولية، أو توفير مواردها الطبيعية بشروط مجحفة.
**أدوات اللعبة القذرة**
لا تقتصر أدوات "قتلة الاقتصاد" على
التقارير المالية المزيفة والتوقعات الاقتصادية المتفائلة بشكل مفرط. يكشف بيركنز
عن ترسانة من الأساليب غير الأخلاقية التي تشمل:
* **الرشاوى:**
تقديم أموال وهدايا لكبار المسؤولين وصناع القرار في الدول المستهدفة لتسهيل قبول
المشاريع والقروض.
* **الانتخابات
المزورة:** التدخل في العمليات الانتخابية لضمان وصول قادة موالين للمصالح
الخارجية.
* **الابتزاز:**
استخدام معلومات حساسة أو فضائح للضغط على القادة غير المتعاونين.
* **الإغراءات
الجنسية:** استخدام الجنس كوسيلة للتأثير والابتزاز.
* **التهديدات
وحتى القتل:** في الحالات التي يفشل فيها "قتلة الاقتصاد" في تحقيق
أهدافهم، يشير بيركنز إلى تدخل "الضباع" (Jackals)، وهم عملاء مكلفون بتنفيذ اغتيالات أو انقلابات للإطاحة بالقادة
المتمردين.
- هذه الممارسات، كما يصفها بيركنز، هي امتداد للعبة الإمبراطوريات القديمة، ولكن بأبعاد جديدة
- وأكثر ترويعاً في عصر العولمة، حيث تتداخل مصالح الشركات العابرة للقارات مع السياسات
- الحكومية بشكل غير مسبوق. المستفيد الأكبر من هذا النظام، وفقاً للكتاب، هو حلقة ضيقة من كبريات
- الشركات والعائلات
الثرية التي تتحكم في مصير الثروات الطبيعية العالمية.
**تداعيات خطيرة ومستقبل غامض**
يُقدم الكتاب تفسيراً صادماً لأزمات العديد من الدول النامية، ويُسلط الضوء على جذور الفقر والتخلف والتبعية الاقتصادية التي تعاني منها. إن إغراق الدول في الديون لا يقتصر على شل قدرتها على التنمية المستقلة، بل يمتد ليشمل فقدان السيادة الوطنية على قراراتها ومواردها.
- يربط بيركنز بين هذه الممارسات وبين الحروب الدولية غير المعلنة
- والتوترات الجيوسياسية
التي يشهدها العالم.
**أهمية الكتاب وصدى تأثيره**
منذ صدوره، أثار كتاب "اعترافات قاتل
اقتصادي" جدلاً واسعاً، وتربع على عرش الكتب الأكثر مبيعاً في العديد من
الدول، وتُرجم إلى أكثر من ثلاثين لغة، مما يعكس الاهتمام العالمي بالقضايا التي
يطرحها. يرى الكثيرون أن الكتاب يقدم شجاعة نادرة في فضح آليات عمل نظام اقتصادي
عالمي يراه البعض مجحفاً. وعلى الرغم من التشكيك الذي قد يواجهه من بعض الدوائر
الرسمية أو المؤسسات التي ينتقدها، إلا أن شهادة بيركنز كـ"شاهد من أهلها"
تمنح الكتاب مصداقية وقوة تأثير خاصة.
- يُختتم الكتاب بدعوة إلى الوعي والتحرك. يرى بيركنز أن فهم هذه الآليات هو الخطوة الأولى نحو
- التغيير، وأن على المواطنين، وخاصة في الدول الصناعية الكبرى، أن يدركوا مسؤوليتهم تجاه
- السياسات التي تنتهجها حكوماتهم وشركاتهم. كما يؤكد على ضرورة أن يكون هذا الكتاب على مكتب
- كل مسؤول حكومي، خاصة في الدول النامية، ليستشعروا تقلبات اللحظة العالمية الراهنة ويتخذوا
- قرارات تحمي مصالح شعوبهم وسيادتهم الوطنية.
في الختام
يبقى "اعترافات قاتل اقتصادي" بمثابة جرس إنذار، يدعونا إلى إعادة التفكير في طبيعة العلاقات الدولية، والنظام المالي العالمي، والتكلفة البشرية والبيئية للسياسات التي تضع أرباح الشركات فوق رفاهية الشعوب واستدامة الكوكب.
إنه كتاب خطير، ليس لأنه يحرض على العنف، بل لأنه
يكشف حقائق قد تكون مؤلمة ومزعجة، ولكنه ضروري لكل من يسعى لفهم أعمق لديناميكيات
القوة والهيمنة في عالمنا المعاصر.