### **على بعد خمس خطوات: حين يكون الحب أعظم مخاطرة وأثمن عزاء**
هل يمكن للحب أن يزهر في أرضٍ قاحلة من القواعد
الصارمة والقيود القاتلة؟ وهل يمكن للاتصال البشري أن يتجاوز حاجز اللمس الجسدي
ليصبح قوة قادرة على إعادة تعريف معنى الحياة نفسها؟ في روايتها المؤثرة "على
بعد خمس خطوات"، تغوص الكاتبة رايتشل ليبينكوت في هذه الأسئلة الوجودية
العميقة، مقدمةً قصة حب شابة لا تشبه غيرها، حيث لا تكمن المأساة في قلوب مكسورة،
بل في رئاتٍ منهكة ومسافةٍ إجبارية لا يمكن تجاوزها.
![]() |
### **على بعد خمس خطوات: حين يكون الحب أعظم مخاطرة وأثمن عزاء** |
عالم
تضعنا الرواية في عالم المستشفى المغلق، الذي يمثل كونًا مصغرًا بقوانينه الخاصة. هنا نلتقي بـ "ستيلا غرانت"، الفتاة التي جعلت من السيطرة والتنظيم درعًا تحتمي به من فوضى مرض التليف الكيسي الذي يسيطر على حياتها. بالنسبة لستيلا، كل شيء يجب أن يسير وفق خطة دقيقة: الأدوية في مواعيدها، والنظام الغذائي محسوب
- ومقاطع الفيديو التي تبثها على يوتيوب وسيلة لمشاركة تجربتها وإيجاد شعور بالهدف. إنها تتمسك
- بالأمل، وأملها الأكبر هو الحصول على رئة جديدة تمنحها فرصة لحياة طبيعية. هذا الأمل يتطلب
- التزامًا مطلقًا بأهم قاعدة: البقاء على بعد ست خطوات على الأقل من أي مريض آخر بالتليف الكيسي
- لتجنب
انتقال عدوى بكتيرية قد تكون مميتة.
على النقيض تمامًا، يظهر "ويل نيومان"، الشاب المتمرد والساخر الذي فقد إيمانه بالعلاجات والتجارب السريرية. ويل مصاب بسلالة بكتيرية خطيرة (*B. cepacia*) حرمته من فرصة زراعة الرئة، وجعلته يتقبل فكرة أن وقته محدود.
- لذا، فإن هدفه ليس إطالة حياته، بل أن يعيش ما تبقى منها بشروطه الخاصة، بعيدًا عن الأنابيب
- والأجهزة. هو يمثل كل ما يجب على ستيلا أن تتجنبه؛ إنه خطر بيولوجي متنقل، ولقاؤهما محكوم
- بالمسافة والفشل الحتمي.
شرارة الرواية
من هذا التناقض الصارخ، تولد شرارة الرواية. فما
يبدأ كمواجهة بين شخصيتين متضادتين — الأمل في مواجهة اليأس، والنظام في وجه
الفوضى — يتحول تدريجيًا إلى رابط عاطفي عميق. تنجذب ستيلا إلى روح ويل الحرة
والرافضة، بينما يجد ويل في إصرار ستيلا على الحياة سببًا ليعيد التفكير في
استسلامه. يصبح المستشفى مسرحًا لعلاقتهما غير التقليدية، حيث الممرات الزجاجية هي
نافذة الوصل، ومكالمات الفيديو هي لغة الحوار، والمسافة الفاصلة بينهما هي ساحة
الصراع الكبرى.
- إن عبقرية الرواية لا تكمن فقط في قصة الحب المؤثرة، بل في رمزية "الخطوة المسروقة". عندما
- تقرر ستيلا، المهووسة بالقواعد، أن "تستعيد" خطوة واحدة من المرض الذي سلبها الكثير، وتجعل
- المسافة بينها وبين ويل خمس خطوات بدلًا من ست، فإنها تقوم بفعل تمرد ثوري. هذه الخطوة الواحدة
- ليست مجرد تقليص للمسافة المادية، بل هي إعلان بأنها لن تسمح للمرض بأن يملي عليها كل تفاصيل
- حياتها وعواطفها. إنها رمز لاستعادة جزء من الإنسانية المسلوبة، واختيار الحب بوعي، رغم كل
- المخاطر.
مفارقة مؤلمة
تستكشف ليبينكوت ببراعة مفارقة مؤلمة: في عالم يُحرَم فيه اللمس، يصبح الشوق إليه هو أقوى أنواع الحضور. كل لفتة صغيرة، كنظرة عبر زجاج، أو السير في الممر نفسه باستخدام عصا بلياردو للحفاظ على المسافة، تكتسب وزنًا عاطفيًا هائلًا.
- تعيد الرواية تعريف مفهوم "الحميمية"، مؤكدة أنها لا تكمن في الاتصال الجسدي فحسب،
- بل في مشاركة الخوف والأمل، وفي رؤية الروح
العارية للآخر وفهمها.
الختام
في النهاية، "على بعد خمس خطوات" هي أكثر من مجرد رواية رومانسية للشباب. إنها تأمل عميق في هشاشة الحياة، وقوة الروح البشرية في مواجهة الموت. إنها تذكير بأن الحياة لا تُقاس بطولها، بل بعمقها واتساعها، وبأن بعض الروابط تستحق أن نكسر من أجلها القواعد، حتى لو كان الثمن باهظًا.
تعلمنا الرواية أن أعظم فعل للحب قد لا يكون في الاقتراب، بل في التضحية
بالبقاء بعيدًا، وأن هناك أرواحًا يمكنها أن تلمس بعضها البعض من على بعد خمس
خطوات، محدثةً تغييرًا أبديًا.