## "ريبيكا" لدافني دو مورييه: قراءة معاصرة في الإثارة النفسية والرومانسية القاتمة
صدرت حديثاً عن دار
الكرمة في القاهرة طبعة جديدة من رواية "ريبيكا" للكاتبة الإنجليزية
دافني دو مورييه (1907-1989)، وذلك بترجمة إيناس التركي المتقنة، لتُعيد هذه
الرواية الكلاسيكية إلى الواجهة، وتُذكر القراء بجماليات السرد الآخاذ الذي ميز
هذه التحفة الأدبية على مر العصور.
![]() |
## "ريبيكا" لدافني دو مورييه: قراءة معاصرة في الإثارة النفسية والرومانسية القاتمة |
تُعد "ريبيكا" من
الروايات التي ترسخت في الذاكرة الجمعية، لا لكونها قصة حب تقليدية فحسب، بل
لكونها تتجاوز ذلك إلى استكشاف أعماق النفس البشرية المظلمة، وتُلامس مناطق محظورة
من المشاعر والتجارب، مما جعلها محط إعجاب النقاد والقراء على حد سواء، ومصدراً
للإلهام لأعمال فنية عديدة، أبرزها الفيلم الشهير الذي أخرجه ألفريد هيتشكوك عام 1940.
**ريبيكا تحفة أدبية عابرة للأجيال**
لم تكتسب "ريبيكا" مكانتها الرفيعة من فراغ، بل استندت إلى عناصر أدبية متينة جعلتها تتفوق على غيرهامن الروايات الرومانسية، وتتبوأ مكانة خاصة في تاريخ الأدب. فقد وُصفت هذه الرواية بأنها "من أكثر النصوص الأدبية تأثيراً في القرن العشرين".
- و"تحفة غير مسبوقة من التشويق النفسي الرومانسي"،
- وهي شهادات تؤكد على القيمة الأدبية الكبيرة التي تتمتع بها "ريبيكا"
- والتي تجعلها جديرة بالقراءة
والتحليل في كل زمان ومكان.
**هيتشكوك و"ريبيكا" قصة عشق فني**
لم يكن إعجاب ألفريد هيتشكوك برواية "ريبيكا" مجرد إعجاب عابر، بل كان عشقاً فنياً دفعه إلى تحويلها إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه عام 1940. وقد نجح هيتشكوك في نقل جو الرواية المشحون بالإثارة والغموض إلى الشاشة الكبيرة.
- ليُقدم عملاً فنياً يُحسب له و"ريبيكا" على حد سواء.
- فمن خلال إخراجه المتقن، وتمثيله البارع، وموسيقاه التصويرية المؤثرة
- استطاع هيتشكوك أن يُجسد شخصيات الرواية بكل تعقيداتها
- وأن يُبرز الصراع النفسي الذي تعيشه البطلة
- وأن يُعمق من إحساس القارئ
بالرعب والتشويق.
**ملخص الحبكة شبح الماضي يطارد الحاضر**
تدور أحداث الرواية حول فتاة شابة تعمل مرافقةً لسيدة ثرية في مونت كارلو، حيث تلتقي بالأرمل المحطم "ماكسيم دي وينتر" الذي يسحرها بشخصيته وثرائه ويعرض عليها الزواج. توافق الفتاة على الزواج، ولكن عندما يصلان إلى قصره الريفي المنعزل في بريطانيا.
- تجد ماكسيم يتحول إلى رجل مختلف، وتُفاجأ بشبح ذكرى زوجته المتوفاة
- "ريبيكا" يسيطر على كل زاوية وكل غرفة بل على حياته بأكملها.
- تشعر البطلة برعب يجثم عليها رويداً رويداً ويهدد زواجهما
- وتجد نفسها في مواجهة مع الماضي الذي يرفض أن يموت.
**النجاح المستمر رواية لا تعرف النسيان**
لا تزال رواية "ريبيكا"
واحدة من أكثر الكتب مبيعاً، إذ تُطبع باستمرار منذ نشرها للمرة الأولى عام 1938. وقد
فازت الرواية بجائزة "أنتوني" لأفضل رواية في القرن العشرين، وما زالت
تُقتبس دورياً للتلفزيون والراديو والمسرح والسينما، مما يؤكد على أن "ريبيكا"
ليست مجرد رواية عابرة، بل هي عمل أدبي خالد يستمر في إلهام الفنانين والقراء على
مر الأجيال.
**تحليل الشخصيات ثلاثية نسائية في مواجهة منزل مسكون**
يمكن القول إن رواية "ريبيكا"
هي قصة امرأتين ورجل ومنزل، وكل واحد من هذه العناصر يلعب دوراً حاسماً في تطورالأحداث وتشكيل المعنى العام للرواية. فالبطلة الشابة تمثل الحاضر الذي يحاول أن
يتخلص من قيود الماضي، وماكسيم دي وينتر يمثل الرجل الذي يعيش بين الماضي والحاضر،
وريبيكا تمثل الماضي الذي يرفض أن يزول، أما المنزل فهو يمثل المسرح الذي تدور
عليه هذه الأحداث، والشاهد الصامت على الصراعات النفسية التي تعيشها الشخصيات.
- * **البطلة الشابة:** لا يُذكر اسم البطلة في الرواية، وهذا بحد ذاته يحمل دلالة رمزية، فهي تمثل كل امرأة شابة تحاول أن تجد مكانها في العالم، وأن تثبت ذاتها في مواجهة التحديات. تعاني البطلة من انعدام الثقة بالنفس والخجل، ولكنها في الوقت نفسه تتمتع بشخصية قوية وإرادة صلبة تمكنها من مواجهة الصعاب والتغلب عليها.
- * **ماكسيم دي وينتر:** يمثل ماكسيم دي وينتر الرجل الغامض الذي يحمل في داخله أسراراً دفينة. يعاني ماكسيم من صدمة فقدان زوجته الأولى، ويجد صعوبة في التعبير عن مشاعره، مما يجعله يبدو بارداً ومنعزلاً.
- * **ريبيكا:** على الرغم من أن ريبيكا شخصية متوفاة، إلا أنها تلعب دوراً محورياً في الرواية. فهي تمثل المرأة القوية والمستقلة التي تتمتع بشخصية جذابة ومؤثرة. تبقى ريبيكا حاضرة في أذهان الجميع، وتؤثر على حياة الشخصيات الأخرى حتى بعد وفاتها.
- * **المنزل:** يمثل منزل "ماندرلي" في الرواية أكثر من مجرد مكان، فهو يمثل رمزاً للماضي الذي يرفض أن يزول. المنزل مسكون بذكريات ريبيكا، ويشعر القارئ وكأنه شخصية حية تتنفس وتشعر.
**قراءة في المعنى الضمني صراع بين التقاليد والحداثة**
تتجاوز رواية "ريبيكا"
السطح الظاهري لقصة الحب والإثارة، لتُقدم نقداً اجتماعياً وثقافياً للتقاليد
والقيم السائدة في المجتمع الإنجليزي في تلك الفترة. فالرواية تُظهر الصراع بين
التقاليد القديمة التي تقيد المرأة وتمنعها من التعبير عن ذاتها، وبين الحداثة
التي تدعو إلى المساواة والحرية.
- إحدى الطرق الممكنة لقراءة النص هي قراءتها بوصفها قصة حب مثقلة بالتقاليد
- حيث تنتصر المرأة الطيبة على السيئة من خلال الفوز بحب الرجل.
- هذه هي نسخة الحكاية التي تريدنا الرواية أن نتقبلها
- وهي بلا شك القراءة التي جعلت "ريبيكا" من أكثر الكتب انتشاراً.
- أما النهج الآخر فهو رؤية القواسم المشتركة للرواية
ليس فقط مع أعمال الروائيات
السابقة مثل شارلوت برونتي، ولكن أيضاً مع الأعمال اللاحقة لا سيما قصائد سيلفيا
بلاث المتأخرة. تُروى "ريبيكا" على لسان امرأة تبحث عن أب مستبد بديل،
وينطوي بحثها عن هذا الرجل على محور الذات والاستسلام، كما هي الحال مع أي امرأة "تعشق
رجلاً فاشياً"، على حد تعبير سيلفيا بلاث.
**أسلوب دافني دو مورييه سحر الكلمات وقوة الوصف**
تتميز دافني دو مورييه
بأسلوبها السردي الساحر وقدرتها الفائقة على الوصف، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه
يعيش الأحداث بنفسه. تستخدم دو مورييه اللغة ببراعة لخلق جو من الغموض والتشويق،
ولإبراز المشاعر الداخلية للشخصيات. كما أنها تستخدم الرمزية بكثافة، مما يضيف بعداً
آخر إلى الرواية ويدعو القارئ إلى التفكير والتأمل.
**اقتباس من الرواية**
"سأضطر إلى قضاء الساعة التي تطلعت إليها طوال اليوم وحدي في غرفتي وأنا أطالع حقيبة سفري الكبيرة وحقيبة اليد المتينة. ربما كان الأمر أفضل هكذا لأنني لن أشكِّل رفقة طيبة، ولا بد أنه سيتمكن من قراءة ملامحي. أعلم أنني بكيت في تلك الليلة دموعاً شابَّة مريرة لا يمكن أن أذرفها اليوم، لا يحدث ذلك النوع من البكاء في أعماق الوسادة بعد أن نتجاوز الحادية والعشرين من العمر بما يصاحبه من صداع وعينين متورمتين وضيق وغصَّة في الحلق والقلق الشديد في الصباح لإخفاء آثار كل ذلك عن العالم، والاغتسال بالماء البارد والتعطر ووضع لمسة خفية من بودرة التجميل التي لها دلالة في حد ذاتها.
- يمكن أن نضيف أيضاً ذلك الذعر من أن المرء قد يبكي مرة أخرى وتنفجر الدموع
- من دون سيطرة وترتجف الشفتان على نحو قاتل يقود المرء إلى كارثة.
- أذكر أنني فتحت نافذتي على مصراعيها وانحنيت إلى الخارج على أمل
- أن يزيل هواء الصباح المنعش اللون الوردي الذي يشي بأمري تحت البودرة
- لم يسبق أن بدت الشمس ساطعة إلى هذا الحد من قبل
- ولا اليوم مليئاً بالوعود إلى هذه الدرجة."
هذا المقطع يجسد ببراعة
قدرة دو مورييه على تصوير المشاعر الإنسانية المعقدة، واستخدام اللغة لخلق صورة
حية في ذهن القارئ.
**الخلاصة "ريبيكا" تحفة تستحق القراءة**
تُعد رواية "ريبيكا"
لدافني دو مورييه تحفة أدبية تستحق القراءة والتحليل. فهي تجمع بين الإثارة
النفسية والرومانسية القاتمة، وتُقدم نقداً اجتماعياً وثقافياً للتقاليد والقيم
السائدة. كما أنها تتميز بأسلوب سردي ساحر وقدرة فائقة على الوصف، مما يجعل القارئ
يشعر وكأنه يعيش الأحداث بنفسه. إن "ريبيكا" ليست مجرد رواية عابرة، بل
هي عمل أدبي خالد يستمر في إلهام الفنانين والقراء على مر الأجيال، والطبعة
الجديدة الصادرة عن دار الكرمة هي فرصة رائعة لإعادة اكتشاف هذه التحفة الأدبية
والاستمتاع بجمالياتها.