## سيرة أميركية جديدة تنير دهاليز مختبر ماري كوري: نظرة مغايرة على أيقونة العلم
في عالم تتصدر فيه أسماء لامعة واجهة التاريخ
العلمي، تبقى ماري كوري أيقونة فريدة، امرأة تجسد الإصرار والعزيمة في وجه
التحديات، وتجسد كذلك قصة نجاح تتجاوز حدود المختبر لتلامس قضايا المساواةوالتمكين. لطالما استقطبت حياة هذه العالمة الفذة اهتمام المؤرخين وكتاب السير.
![]() |
## سيرة أميركية جديدة تنير دهاليز مختبر ماري كوري: نظرة مغايرة على أيقونة العلم |
لكن السيرة الجديدة التي كتبتها دافا سوبل، تحت
عنوان "عناصر ماري كوري: كيف أضاء وهج الراديوم الطريق أمام النساء في العلوم"،
تقدم رؤية مغايرة تسعى إلى تقويض الصورة النمطية للعالمة المنعزلة في برجها
العاجي، وتسليط الضوء على الجانب الإنساني والاجتماعي في مسيرتها، مع التركيز على
الدور المحوري الذي لعبته زميلاتها وتلميذاتها في إنجازاتها.
تستهل سوبل سيرتها
بالنظر إلى الاقتضاب المدهشالذي اختارت به كوري أن تختزل حياتها عند طلب كتابة سيرتها الذاتية: "ولدت في
وارسو لعائلة تعمل في التدريس، تزوجت ببيير كوري وأنجبت طفلتين، وأديت عملي في
فرنسا". في هذا الاختصار المتعمد، تتوارى تفاصيل حياة حافلة بالصعاب
والإنجازات، حياة تستحق أن تروى بتفصيل أكبر، لا سيما وأنها تمثل قصة ملهمة للنساء
في جميع أنحاء العالم.
**من وارسو إلى باريس رحلة التحدي والإصرار**
ولدت ماري كوري في وارسو، بولندا، عام 1867، في
فترة كانت فيها البلاد تحت الحكم الروسي، وكانت فرص التعليم المتاحة للنساء محدودة
للغاية. ومع ذلك، لم تستسلم ماري لهذا الواقع، وانضمت سرًا إلى "الجامعة
الطائرة"، وهي مؤسسة تعليمية غير رسمية، حيث درست مع مجموعة من الفتيات،
متحدية بذلك السلطات الروسية.
- لكن طموح ماري تجاوز حدود الدراسة السرية، فحلمت بإكمال تعليمها في فرنسا
- إلا أن وضع أسرتها المالي لم يكن يسمح بذلك. فاضطرت إلى العمل كمربية أطفال
- لجمع المال اللازم للسفر والدراسة في باريس. قضت أربع سنوات في هذه الوظيفة الشاقة
- وواجهت خلالها تجربة عاطفية مؤلمة، عندما وقعت في حب الابن الأكبر للعائلة
- التي تعمل لديها، لكنه لم يجرؤ على تحدي رفض والديه للزواج من فتاة
- تعمل في بيوت الآخرين.
عام 1891، تمكنت ماري من جمع ما يكفي من المال
وسافرت إلى باريس، حيث التحقت بقسم العلوم في جامعة السوربون. كانت واحدة من بين
قلة من النساء في الجامعة، حيث كان يهيمن عليها الطلاب الذكور. لم تكن الحياة في
باريس سهلة، فقد عاشت في ظروف معيشية صعبة، لكنها كانت مصممة على النجاح، وتخرجت
الأولى على دفعتها.
**الشراكة العلمية والعاطفية قصة بيير وماري**
في السوربون، التقت ماري بالفيزيائي بيير كوري،
وجمعهما شغف مشترك بالمغناطيسية. سرعان ما تحولت هذه الشراكة العلمية إلى علاقة حب
وزواج عام 1895. كان مختبرهما المتواضع، بسقفه المتشقق وأرضيته الغارقة في الطين،
بمثابة عالمهما المشترك، حيث كانا يتبادلان الأفكار والضحكات، ويعملان معًا على
اكتشافات غيرت وجه العلم.
- بينما يميل التاريخ إلى التركيز على ماري كوري كبطلة فردية
- تسعى سوبل إلى إبراز أهمية الشراكة بينها وبين بيير
- وكيف أن عملهما كان جهدًا مشتركًا
- وأن نجاحاتهما كانت نتيجة لتعاونهما وتكاملهما.
**الفقد والصمود مواجهة التحديات الشخصية والمهنية**
عام 1906، تعرضت ماري لصدمة كبيرة بوفاة زوجها
بيير في حادث مأساوي. تركت هذه الخسارة جرحًا عميقًا في قلبها، لكنها لم تستسلم
لليأس، وعادت إلى المختبر، لتواصل العمل الذي بدأته مع بيير.
- بعد وفاة بيير، تولت ماري منصبه كأستاذة في السوربون
- لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب. لكن التحديات لم تتوقف عند هذا الحد
- فبعد فترة وجيزة، تورطت في علاقة عاطفية مع الفيزيائي بول لانجفان
- وهو متزوج ولديه أطفال. أثارت هذه العلاقة فضيحة كبيرة في الصحافة
- وتعرضت ماري لانتقادات
شديدة، واتهمت بأنها تهدد استقرار عائلة محترمة.
وسط هذه الأحداث، تلقت ماري صدمة أخرى، حيث رفضت
الأكاديمية الفرنسية للعلوم انضمامها إلى صفوفها، ليس بسبب قدراتها العلمية، بل
لأنها "امرأة"، ولأن صورتها لم تعد تناسب المكانة التي أرادوا الحفاظ
عليها.
**"خلية النحل المشعة" فريق العمل النسائي ودوره في الإنجازات**
على الرغم من التحديات الشخصية والمهنية التي
واجهتها، لم تستسلم ماري كوري للعزلة، بل استمرت في العمل والبحث، واعتمدت بشكل
كبير على فريق من الباحثات اللاتي عملن معها في المختبر.
- تركز سوبل في كتابها على دور 45 امرأة عملن مع ماري كوري
- وتسلط الضوء على مساهماتهن في أبحاثها واكتشافاتها. من بين هؤلاء النساء
- تبرز مارغريت بيري، مكتشفة عنصر الفرانسيوم، وابنتها الكبرى إيرين
- التي
حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1935.
تصف سوبل المختبر بأنه "خلية نحل مشعة"،
حيث كانت تلميذات كوري يعملن بجد وإخلاص، تحت إشرافها وتوجيهها. كانت ماري كوري لا
تعتبر نفسها مجرد معلمة، بل كانت تعمل جنبًا إلى جنب مع تلميذاتها، وتشاركهن
الأفكار والخبرات.
- من بين النساء اللاتي لعبن دورًا مهمًا في مسيرة ماري كوري
- تبرز أيضًا هارييت بروكس، التي درست سلوك الغازات المشعة
- وساعدت كوري في فهم انبعاث الإشعاع من العناصر الثقيلة.
- كما لعبت إيلين جليديتش، الكيماوية النرويجية، دورًا حيويًا
- في تأمين الإمدادات من الراديوم بعد الحرب العالمية
الأولى.
**إرث ماري كوري مصدر إلهام للأجيال القادمة**
لقد فتحت ماري كوري الطريق أمام النساء في
العلوم، ليس فقط باكتشافاتها الرائدة، بل أيضًا بخلق مساحة عمل جمعت نخبة من
الباحثات اللاتي تفوقن على عديد من علماء عصرهن. لقد تحدت ماري كوري الفكرة
الراسخة بأن العلم ساحة لا تتسع إلا للرجال، وأثبتت أن النساء قادرات على تحقيق
إنجازات عظيمة في مجال العلوم، إذا أتيحت لهن الفرصة والدعم.
- لا شك أن سيرة ماري كوري الجديدة، التي كتبتها دافا سوبل، تقدم إضافة قيمة
- إلى الأدبيات الموجودة حول هذه العالمة الفذة. إنها سيرة لا تكتفي بتمجيد العبقرية الفردية
- بل تسعى إلى إبراز الجانب الإنساني والاجتماعي في مسيرة ماري كوري
- وتسليط الضوء على الدور المحوري الذي لعبته
زميلاتها وتلميذاتها في إنجازاتها.
الختام
بهذا، تقدم لنا سوبل صورة أكثر اكتمالاً
وتعقيدًا لماري كوري، كأيقونة علمية، وكامرأة واجهت تحديات جمة، وألهمت أجيالًا من
النساء لمتابعة شغفهن في مجال العلوم. يبقى الإرث الذي تركته ماري كوري حيًا
وملهمًا، وسيبقى اسمها محفورًا في سجلات التاريخ كرمز للإصرار والعزيمة والإيمان
بقدرة الإنسان على تحقيق المستحيل.