recent
أخبار ساخنة

ليلى العثمان تقتحم عالم روايتها باسمها الصريح: "حكاية صفية" كنموذج للرواية النسوية الواعية

الصفحة الرئيسية

 

 

 

ليلى العثمان تقتحم عالم روايتها باسمها الصريح: "حكاية صفية" كنموذج للرواية النسوية الواعية

تُقدم لنا الروائية الكويتية ليلى العثمان روايتها "حكاية صفية" الصادرة عام 2023، عملًا أدبيًا جريئًا ومثيرًا للانتباه. تحمل الرواية في طياتها إصرارًا صريحًا على التعبير عن هموم المرأة العربية وأشواقها وحرّيتها، مشكّلة بذلك نموذجًا للرواية النسوية الواعية التي لا ترضخ لِهيمنة النزعة الذكورية على مختلف جوانب الحياة، بل تُؤكد على حقّ المرأة في الاختيار وممارسة الاستقلال، بالتحدي والوعي.


ليلى العثمان تقتحم عالم روايتها باسمها الصريح: "حكاية صفية" كنموذج للرواية النسوية الواعية

ليلى العثمان تقتحم عالم روايتها باسمها الصريح: "حكاية صفية" كنموذج للرواية النسوية الواعية




 

تُسلط الرواية الضوء على شخصية "صفية" البطلة، التي تُشابه في بعض جوانبها شخصية "إيما بوفاري" بطلة رواية "مدام بوفاري" للروائي الفرنسي فلوبير، حيث نجدها تُقدم تحديًا صريحًا لكلّ التابوهات والأعراف الاجتماعية والأسرية، تُصبح "صفية" مع مرور الوقت حاملة لِشعلة رواية الشخصية "Personality Novel" حيث تتحكم هي بِمصير الأحداث، بل تُصنعها، وليس العكس.

 

 

لكنّ سلوك "صفية" المتمرد والمُتَحرر لا يُمرّ بِسلام، فَتُصطدم بِقوانين العرف الاجتماعي التي تُمثلّها سلطة الأب القاسية المتشددة. فَعندما يكتشف "عيسى" الأب أنّ ابنته "صفية" تُخرج من البيت، وتُشارك الأولاد في لعبهم، يغضب ويعاقبها، لكنّ غضبه يتفاقم عندما يكتشف علاقتها بِابن الجيران "حسين"، فيُقدم على تعذيبها بشكلٍ brutal و يُخضعها لِمختلف أشكال العقاب والعنف الجسدي والنفسي، بل يَتَجاسر في قسوتِه ليُدبّر مكائد عديدة لِقَتلِها والتخلص منها. لكنها دائمًا ما تَنجو منها بأعجوبة، حتى يَصِفُها أبوها بِأنها "بِسبعة أرواح مثل القطط"، ولِذا يُقرّر أن يُودعها السجن طيلة حياتها عقابًا لها على تماديها.

 

 

تمضي "صفية" ثلاثين عامًا من عمرها داخل السجن، تُواجه صعوبات السجن المريرة، تُعرف على سجينات أُخريات تروين لها حكاياتهن المؤلمة، وتُصبح "صفية" شَخصيةً حاملة لِقصة مُؤلمة، تُجسّد معاناة المرأة وَتَحَدّي الظروف القاسية.

لا تُنتهي الرواية بِرحيل "صفية" من السجن بعد وفاة أبيها، فَتُصبح تحت وصاية أخِيهِ "هلال"، وهو مَن يُقدم طلبًا لِإطلاق سراحِها بعد وفاة أبيهِ. لكنّها تُصبح آنذاك مثقلة بِالأحزان والمكابدات، تُعاني من شيخوخة مُبكرة تُفقدها جمالها وَتُهلك جسدها.

تُقدم الرواية لَنا جزءًا ثانيًا، يشكّل لعبة سردية ذكية تُقتحم فيهِ المؤلفة "ليلى العثمان" باسمها الصريح عالم البطلة، وتُعرفها على فكرة كتابة سيرتها وحكايتها، التي تُحدثنا فيها عن السنوات الثلاثين التي أمضتها داخل السجن.

تُردد "صفية" في البداية، لأنها سبق وَوعدت أخاها "هلال" بِأنّها تُحكِي له حكايتها داخل السجن، لكنّ "ليلى العثمان" تُقنعها بِأنّها ستتيح الفرصة لِأخِيهِ "هلال" بِالاطلاع على كافة التفاصيل، بعد أن أخبرتها أنّها في الحقيقة هي من كتب حكايتها حتى لحظة دخولها السجن، وترغب الآن في استكمال سَرد الحكاية بِناءً على رغبات قرائها الذين اطّلعوا على الجزء الأول من سيرتها، وهو ما يُؤكد الطبيعة الميتا سردية للرواية.

 

 

تُكشف البطلة بِشجاعة عن موقفها وَحقّها في ممارسة حريّتها، وتُخبر "ليلى العثمان" أنّها لم تَخجل من أخِيهِ، وَقالت له أنّها أعطت جسدها حقه".

تُبدأ "صفية" بِسَرد حكايتها داخل السجن لِـ"ليلى العثمان". هنا تُلعب البطلة دور الراوية "شهرزاد" في سفر "ألف ليلة وَليلة" التي تُروي سلسلة حكايات عن طريق التنضيد، تَمامًا مثل "ألف ليلة وَليلة" التي تُصبح نصًا غائبًا، كما تُلعب المؤلفة "ليلى العثمان" دور المُروي له "شهريار"، ويتحول السجن في هذا الجزء إلى بنية إطارية مولدة "Frame Structure" تَنبثق منها، وَمن عوالمها أسرار السجينات وَتجاربهن المدهشة. فالسجن هو البنية المكانية التي اختزنت كل هذه العذابات والأشواق والأحلام والانكسارات.

 

 

اقتِحام المؤلفة "ليلى العثمان"، باسمها الصريح، عالم الرواية في جزئها الثاني، يُثير قضية المؤلف الضمني "Implied Author" أو الذات الثانية لِـ"المؤلف". فَمن المعروف أنّنا لا نُعدّ المؤلف الحقيقي، الذي هو من لحم وَدَم، مؤلفًا لِـ"السرد الروائي"، بل تُنوب عنه ذاتِه الثانية، التي هي ذات ورقية افتراضية. وهذا ما وَجدناه في الجزء الأول من الرواية. فَالمؤلفة غائبة لا تَتَدخّل في سَرد الأحداث، بل تُترك ذلك لِـ"ذاتِها الثانية" أو لِـ"المؤلف الضمني"، حيث وَجدنا تناوبًا في السرد بين "هلال" الأخ الأصغر، و"صفية"، فضلاً عن أصوات سردية أُخرى جعلَت الرواية ذات طبيعة بوليفونية متعددة الأصوات.

 

لِذا، فَإنّ ظهور صوت المؤلفة الحقيقية "ليلى العثمان" يَنتوي على لعبة سردية جريئة، مُغايرة لِـ"نمط السرد" في الجزء الأول. وَمع ذلك يُمكن حلّ هذا الإشكال عن طريق الافتراض بأنّ اسم المؤلفة الحقيقي "ليلى العثمان" هو اسم افتراضي أيضًا، بوصفِه الذات الثانية لِـ"المؤلفة".

وَالرواية بعد ذلك هي متحف لِـ"الموروثات الشعبية وَالأنثربولوجية" في المجتمع العربي عمومًا، وَالمجتمع الخليجي بِشَكل أخص، حيث نَجد فيها الكثير من أجواء الطفولة وَالحياة الأسرية الداخلية، وَالمفردات وَالإشارات التي تُكشف عن الحياة الاجتماعية الشعبية في المجتمع، فضلاً عن تصوير الروائية الجريء لِـ"حياة السجون" وَالتجاوزات التي تُحدث فيها بِما يَتَعارض مَع مبادئ حقوق الإنسان.

ونجحت المؤلفة إلى حدّ كبير في تصوير عوالم الطفولة وَالمراهقة وَالنضج، وتحديدًا من خلال ما تُسمى بِـ"طقوس العبور" "Rites of Passage"، حيث الانتقال من عالم الطفولة بِـ"طقوسِه" إلى عالم المراهقة وَالنضج، من خلال ملاحقة نمو شخصية البطلة "صفية" التي كانت مُنذ طفولتها تُميل إلى اللعب مَع الصبيان، وَانتقالها إلى مرحلة الوعي بِـ"حاجات الجسد" وَنداءاته السرية.

 

 

يَسُرد لَنا "هلال"، الأخ الأصغر لِـ"صفية"، كيف أنّ أباها القاسي عاقب أخته، عندما اكتشف أنّها خرجت من البيت لِتُلعب مَع الصبيان.

وربّما كانت قسوة الأب المُفرطة هذه أحد أسباب تَمرد "صفية" وَعَنفوانِها وإصرارِها على مُواقفِها الجريئة. وَمِن هنا تَشكّلت شخصية "صفية"، قويةً وَمُتَحدّيةً وَمُتَماسكةً، أهّلتها لِـ"أن تُواجه كل الصعوبات وَالعقوبات" ومنها سنوات السجن الثلاثين.

 

 

تعتمد البنية السردية في الرواية أساسًا على سَرد متناوب من قِبل الأخ الأصغر "هلال" وَأخته "صفية" في مرويات وَمونولوغات متعددة، فضلاً عن ظهور أصوات فردية متفرقة وَتوظيف سَرد "الراوي العلِيم" في بعض الفقرات.

كما يَعتمد السرد إلى حدّ كبير، وَخاصة في نهاية بعض الفصول، على تَقنية الاستباق السردي "Ellipsis" لِـ"استشراف ما سيحدث في المستقبل"، كما نَجد ذلك في نهاية المقطع الأول من الجزء الأول.

 

 

ويسهم مثل هذا السرد في الاستباق الاستشرافي، لِـ"ما سيحدث في الرواية مستقبلاً"، مما يُثير فضول القارئ ويَشدّه إلى ما يَسميه الناقد الألماني "آيزر" بِـ"استشراف أفق التوقع"، إنذارًا وَتمهيدًا لِـ"كارثة مُقبلة".

وتُمهّد كلمات "صفية" لِـ"أخِيهِ هلال"، لِـ"الجزء الثاني من الرواية" عندما تَقول: "لِـ"السجن حكاية قَد أُحكِيها لَك ذات يوم".

 

 

كما اعتمدت المؤلفة على تَقنية "الملخص" لِـ"اختِصار فترة زمنية طويلة"، "Summary" وهي واحدة من تَقنيات السرد التي شَخصَها الناقد الفرنسي "جيرار جنيت"، كما نَجد ذلك في المقطع التالي.

كما يَختزل الملخص التالي حركة الزمن أفقياً.

وتُلَخِص "صفية" حياتها داخل السجن عبر هذا التلخيص.

وتُجسد "صفية" في سردها مُرور سنوات سجنها المريرة.

"حكاية صفية" عمل أدبي مُثير للانتباه بِسَردِه وَتَصويرِه لِـ"الحياة الداخلية لِـ"البطلة"، وَتَعبيرِه عن هموم المرأة العربية وَأشواقِها وَحرّيتها في تَحدّي الواقع الاجتماعي وَالأسري القاسي، تُقدم لَنا "ليلى العثمان" بِـ"حكاية صفية" أحد أفضل أعمالِها الأدبية.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent