recent
أخبار ساخنة

أوروبا صانعة التحول في العالم: مراجعة نقدية لكتاب فيرا زامانيي

الصفحة الرئيسية

 

أوروبا صانعة التحول في العالم: مراجعة نقدية لكتاب فيرا زامانيي

يُقدم لنا كتاب "أوروبا صانعة التحول في العالم" للبروفيسورة الإيطالية فيرا زامانيي رحلة شيّقة عبر التاريخ الاقتصادي، مُسلطًا الضوء على مسار التطور الاقتصادي في أوروبا، وكيفية تحوّلها من قارة متأخرة إلى صانعة للثورة الصناعية والنموذج الاقتصادي السائد في العالم. يُناقش الكتاب، بطريقة علمية مُنضبطة، العوامل التي أدّت إلى ريادة أوروبا، ومقارنتها بتجارب حضارات أخرى، مُستعرضًا التحولات الاقتصادية الكبرى في التاريخ، من الحضارات القديمة وصولًا إلى عصر العولمة


أوروبا صانعة التحول في العالم: مراجعة نقدية لكتاب فيرا زامانيي

أوروبا صانعة التحول في العالم: مراجعة نقدية لكتاب فيرا زامانيي




 

يبدأ الكتاب برصد مظاهر التطور الاقتصادي في العالم، بدءًا من تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، مُسلطًا الضوء على الحضارات الشرقية مثل السومرية والآشورية والبابلية والمصرية والقرطاجية والهندية والصينية، وحتى حضارات أمريكا الجنوبية. يشير الكتاب إلى أن هذه الحضارات شهدت تشكّل نواتات ثورات حضارية، مُمثلةً في ابتكارات تكنولوجية واجتماعية، ولكنّها لم تكن عالمية في انتشارها أو تأثيرها مثل التجربة الأوروبية. يُلقي الكتاب الضوء على قوى اقتصادية تحددت بظروف جغرافية وطبيعية مختلفة، ونُظم اجتماعية وسياسية متباينة.

تستعرض فيرا زامانيي، بشكل مُفصل، محددات ريادة أوروبا، مُركزةً على دور المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وقيمها، ومُقارنة أدائها بمثيلاتها في الصين والبلاد الإسلامية. تُسلط الضوء على أهمية نظام الحكم السياسي، ومُمارسات العدالة، ونُظم الجباية والضريبة، وتُشير إلى أن أوروبا تميزت بمفهوم مسيحي للكائن البشري كقيمة مُطلقة، وعلاقة أفقية بين الأفراد تنبع من القيم المسيحية، بالإضافة إلى الاعتراف بالعقل كوسيلة معرفية، وإنشاء نظام للفصل بينالسلطات، مُؤكدة أن العوامل الاجتماعية والثقافية لها دور حاسم في تشكيل المسار التاريخي

 

.

يشير الكتاب إلى أن التطور الاقتصادي في أوروبا كان مُرتبطًا بظهور المدن في القرن الحادي عشر، ودور الاكتشافات الجغرافية في توسيع نطاق التجارة العالمية. تُبرز زامانيي دور التصنيع المبكر في أوروبا وخاصة في بريطانيا ، ومُنتصف القرن الثامن عشر، واعتمد على قوى دافعة منها: وجود نظام سياسي مُؤسساتي يشجع على التجديد، وقوانين الفقراء التي هدفها تقديم العون للمحتاجين وإعادة توزيع الثروة من خلال ضريبة على الأغنياء. تؤكد الكاتبة أن التطور الاقتصادي في بريطانيا كان مُرتبطًا بدور الحكومة في توجيه النشاط الاقتصادي وتشجيع الابتكار التقني ، وخلق بيئة مشجعة للمبادرات الخاصة

 

.

تُسلط زامانيي الضوء على تطور الاقتصاد في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، مُستعرضة مختلف البلدان مثل بلجيكا وألمانيا وإمبراطورية هابسبورغ وروسيا وإيطاليا وإسبانيا، مُوضحةً أن تلك التجارب كانت مُحاولة لتقليد النموذج البريطاني، لكن لم تتحقق لها العوامل الأساسية التي جعلته مُستدامًا. تُناقش في الكتاب التغيرات التي حدثت في الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة دور الولايات المتحدة في دعم الاقتصاد الأوروبي مُن خلال خطة مارشال، التي أدت إلى نمو اقتصادي مُستمر في العديد من البلدان الأوروبية.

يُشير الكتاب إلى أن التغيرات التي حدثت في الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية كانت مُرتبطة بفترة العقود الثلاثة الذهبية (1945-1973)، حيث شهدت أوروبا انخفاض في التفاوت الاجتماعي ، و ارتفاع في مستوى الرفاه ، و نمو الاستهلاك. تُناقش الكاتبة في هذا الخصوص القفزة التي شهدتها إيطاليا، التي تحولت من بلد مُتخلف إلى واحد من أقوى الاقتصادات في العالم خلال هذه الفترة

 

.

تُناقش زامانيي في الكتاب تحول أوروبا نحو العولمة ، والتي يُطلق عليها اسم "الثورة الصناعية الثالثة"، و تُشير إلى أن فكرة الاتحاد الأوروبي تمّت مُناقشتها كحل لتعزيز الاقتصاد الأوروبي ، ومُواجهة التحديات الاقتصادية العالمية في العصر الحديث.

يُلقي الكتاب الضوء على التطورات الاقتصادية في آسيا، مُركزةً على دور الدولة في دعم السياسات الاقتصادية في كوريا واليابان والصين وماليزيا. تُشير الكاتبة إلى أن الاستثمار الكثيف في المجال الصناعي ، وتشجيع المؤسسات المحلية ، والتقييد الاستثمارات الأجنبية ، ساهمت في تحقيق نمو اقتصادي مُستدام. تُناقش فيرا زامانيي أيضًا السياسة الليبرالية الجديدة في الاتحاد السوفييتي ، التي أدت إلى انهيار الاقتصاد السوفييتي ، و تُسلط الضوء على تبعات التغيرات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الأوروبي.

تختتم الكاتبة الكتاب بالتحدث عن صعود الليبرالية الجديدة ، و أثرها على الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في عام 2007. تُسلط الضوء على تبعات هذه الأزمة على الاقتصاد الأوروبي ، و خاصة على عملة اليورو، و تُشير إلى أن هذه الأزمة أدت إلى تراجع الاستهلاك ، و شكلت تهديدًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي

 

.

مُراجعة نقدية:

يُقدم كتاب "أوروبا صانعة التحول في العالم" رؤية شاملة لتطور الاقتصاد الأوروبي ، مُستعرضًا العوامل التي ساهمت في ريادتها ، و مقارنتها بالتجارب الحضارية الأخرى. يُبرز الكتاب أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية ، و دور المؤسسات في تشكيل المسار التاريخي للقوى الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الكتاب يُثير بعض التساؤلات ، وهي:

التركيز على أوروبا: يُركز الكتاب بشكل كبير على أوروبا، و يُناقش بقية الفضاءات الأخرى بشكل مُختصر ، مُقارنًا إياها بأوروبا. يُمكن أن يُثير ذلك تساؤلات حول أهمية هذه الفضاءات ، و أثرها في تشكيل المشهد العالمي.

الجانب الإيديولوجي: يُلاحظ أن الكتاب يُركز على الجانب الإيجابي من السياسات الاقتصادية الأوروبية، و يُقلل من أهمية السلبيات التي رافتها، مثل الاستعمار و مُمارسات الاستغلال الاقتصادي ، و التفاوت الاجتماعي.

التقليل من دور الفضاءات الأخرى: يُشير الكتاب إلى أن العديد من التجارب التنموية في فضاءات أخرى كانت مُحاولات لتقليد النموذج الأوروبي، مُقللًا من دورها في تشكيل المشهد العالمي، و مُهملًا الظروف التاريخية و الاجتماعية و السياسية التي أدت إلى ظهور نماذج اقتصادية مُختلفة

 

.

التطور التقني: يُركز الكتاب بشكل كبير على التطور الاقتصادي ، مُهملًا الجانب التقني الذي لعب دورًا حاسمًا في تشكيل الاقتصاد العالمي.

في الختام: يُقدم كتاب "أوروبا صانعة التحول في العالم" رؤية تاريخية مُهمة للتطور الاقتصادي ، و يُسلط الضوء على دور أوروبا في تشكيل المشهد العالمي. ومع ذلك، فإن الكتاب يُثير بعض التساؤلات ، و يُمكن أن يُفيد من مُناقشة أكثر شمولية للفضاءات الأخرى ، و مُراعاة الجانب السلبي للأثر الاقتصادي الأوروبي ، و دراسة التطور التقني بشكل أعمق.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent