recent
أخبار ساخنة

سر جاذبية إرث جلال الدين الرومي: قراءات حضارية في الخطاب العرفاني

الصفحة الرئيسية

 

 سر جاذبية إرث جلال الدين الرومي: قراءات حضارية في الخطاب العرفاني

 عالم التصوف

يُعَدّ جلال الدين الرومي، الشاعر الصوفي العظيم الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، أيقونةً خالدةً في عالم التصوف والأدب. فعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة قرون على وفاته، إلا أن صدى أقواله وأفكاره لا يزال يتردد بقوة في أرجاء العالم، متجاوزاً حدود الزمان والمكان. هذا الإرث الروحاني الغني، الذي نشأ في قلب الأناضول، لا يزال يثير فضول الباحثين والمفكرين، ويُعدّ محط اهتمام العديد من الدراسات المعاصرة التي تسعى لكشف سر جاذبيته الخارقة.

يُعَدّ جلال الدين الرومي، الشاعر الصوفي العظيم الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، أيقونةً خالدةً في عالم التصوف والأدب. فعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة قرون على وفاته، إلا أن صدى أقواله وأفكاره لا يزال يتردد بقوة في أرجاء العالم، متجاوزاً حدود الزمان والمكان. هذا الإرث الروحاني الغني، الذي نشأ في قلب الأناضول، لا يزال يثير فضول الباحثين والمفكرين، ويُعدّ محط اهتمام العديد من الدراسات المعاصرة التي تسعى لكشف سر جاذبيته الخارقة.
 سر جاذبية إرث جلال الدين الرومي: قراءات حضارية في الخطاب العرفاني


 سر جاذبية إرث جلال الدين الرومي: قراءات حضارية في الخطاب العرفاني

 في هذا السياق، يأتي كتاب الدكتور حمدي النورج، أستاذ النقد وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون المصرية، «الخطاب العرفاني – مقاربات حضارية»، ليقدم لنا مقاربة عميقة ومفصلة في فهم هذا السر، مركزاً على الأبعاد الفلسفية والنفسية والاجتماعية التي شكلت تجربة الرومي الفريدة.

 الخطاب العرفاني مفهومه وأبعاده

 

يُعرّف الدكتور النورج «الخطاب العرفاني» بأنه التعبير عن التجارب الروحية ذات البعد الصوفي الباطني، التي تتجاوز الماديات ومشاغل الدنيا. إنه دعوة للتخفف من أعباء وشهوات الجسد، وترويضه لتحقيق رغبة الذات في العلو والاستكبار الروحي. 

  • هذا المفهوم، الذي يشكل جوهر فلسفة الرومي، يقوم على رؤية عميقة للوجود والإنسان، حيث يسعى
  •  الفرد إلى تجاوز القيود المادية والانغماس في عالم الروح، سعياً للاتصال بالذات الإلهية وتحقيق
  •  السلام الداخلي.

 

 التسامح والمهادنة مفتاح الانتشار العالمي

 

يشير النورج إلى أن خطاب الرومي يعتمد على أمرين أساسيين جعلاه يكتسب هذه الشعبية الواسعة: **التسامح تجاه الآخر الغالب، ومهادنته حتى لا يُكسر نفسياً أمامه في لحظة انهيار عام**. هذه النظرة التسامحية، التي تدعو إلى قبول الآخر والتعايش معه، كانت ولا تزال نقطة جذب رئيسية لأتباع الرومي حول العالم. في عالم يعج بالصراعات والنزاعات، يبرز صوت الرومي كمنارة للتسامح والسلام، يدعو إلى الوحدة الإنسانية بغض النظر عن الاختلافات الثقافية والدينية.

 

  1. إن بساطة تركيب مقولاته ووضوحها، مع توظيف مكثف للتمثيل والقصص الرمزية داخل الخطاب
  2.  أسهمت بشكل كبير في اجتياز حاجز اللغة والثقافة. فالرومي لم يتحدث بلغة نخبوية معقدة، بل
  3.  استخدم لغة جامعة تخاطب الروح الإنسانية في جوهرها، مما جعل رسالته مفهومة ومؤثرة لدى
  4.  جماهير واسعة من مختلف الخلفيات الثقافية.

 

 الألم والمعاناة محفز للنمو الروحي

 

يرى النورج أن خصوصية تجربة الرومي تولدت من رحلة الألم والمعاناة التي مر بها، خاصةً في فترة اجتياح المغول للبلاد الإسلامية وما خلف ذلك من قتل ودمار. هذا الحدث التاريخي الأليم أخذ اهتماماً بالغاً لدى جلال الدين الرومي، الذي لم ينظر إليه كنهاية العالم، بل كفرصة للنمو الروحي والتحدي.

 

لقد قدم الرومي حلاً لهذه المعضلة بلغة تحمل تحدياً تجاه الألم.

 فبينما يهرب الإنسان من الألم بطبيعته، يدعو شاعرنا إلى احتضانه ومغالبته واستقباله كلطف من الله، تختفي تحته ألوان من القهر. هذه الرؤية المغايرة للألم، التي تراه كطريق للتطهير والارتقاء الروحي، كانت ولا تزال مصدر إلهام للكثيرين في مواجهة تحديات الحياة.

 

 الخروج من أسر الزمان ومغالبة الأنا

 

لا يتوقف فكر الرومي عند التعامل مع الألم الوجودي فحسب، بل يمتد ليشمل تحديات أخرى يواجهها الإنسان في حياته. يدعو الرومي إلى **الخروج من أسر الزمان**، الذي يُعدّ مصدراً رئيسياً للهم والقلق. فالإنسان غالباً ما يشغله الماضي بندمه على ما فات، أو المستقبل بقلقه المبالغ فيه على ما هو آتٍ. يدعو الرومي إلى تحرر الإنسان من هذا الأسر، والتركيز على اللحظة الراهنة، والعيش بوعي كامل للحاضر، مما يحرره من أعباء الندم والخوف.

 

أما التحدي الثالث الذي يميز فلسفة الرومي

 فهو **مغالبة الأنا** التي تسعى للعلو والسيطرة والنأي عن بذل الجهد. يرى الرومي أن التخلص من رغبة الإرادة في السيطرة والظهور يؤدي إلى استواء الأخذ مع العطاء، ومن ثم يذهب الألم. إن المسؤولية الأولى للإنسان، بحسب الرومي، هي المقاومة والنضال، سواء داخلياً (جهاد النفس) أو خارجياً، من أجل التخلص من الألم عبر السيطرة على الذات.

 

 الصبر شهوة الأذكياء وحل المعضلات

 

يعتبر الرومي الصبر أحد أهم الفضائل الروحية، بل يصفه بأنه "شهوة الأذكياء" و"الحلوى المفضلة لديهم". هذه الاستعارة البليغة تعكس رؤية الرومي للصبر كقيمة إيجابية، تتجاوز مجرد تحمل المشقة. الصبر عنده هو التسليم بقضاء الله مع التفويض والتضرع إليه حتى يأتيه الفرج. إنه ليس سلبية أو استسلاماً، بل هو قوة داخلية، واعتراف بحكمة الخالق، وإيمان بأن كل محنة تحمل في طياتها منحة. هذه المعارف الروحية، التي يقدمها الرومي، تُعدّ دواءً ناجعاً للتغلب على منغصات الأمور وتحديات الحياة.

 

 حكاية النائم والحية أمثولة الخير في الشر

 

لتبسيط وتوضيح مذهبه وطريقته، يروي جلال الدين الرومي حكاية رمزية عميقة، وهي حكاية «النائم والحية». في هذه القصة، ينام رجل تحت ظل شجرة وفاه مفتوح، فتدخل حية إلى بطنه دون أن يشعر. يمر فارس صالح فيرى الموقف، فينهال على النائم ضرباً بعصاه، ثم يأمره بأكل التفاح الساقط حتى التخمة، ويعود ليضربه مجدداً. يهرع الرجل، الذي لا يفهم سبب هذا العنف، شاكياً ومتألماً، حتى يتقيأ كل ما في بطنه، بما في ذلك الحية. عندئذ، يدرك الرجل مدى رأفة وشهامة الفارس، فيشكره على لطفه وينسى كل الألم الذي تعرض له.

 

يرى الرومي في هذه القصة أمثولة وبعداً رمزياً 

لافتاً حول **الخير الذي يأتي في صورة الشر**. إنها تبيّن كيف أن المرء قد ينفر من أشياء فيها نجاته، بل يقاومها بقوة ويحارب من يطلقونها، ظناً منه أنهم أعداؤه. هذه الحكاية تعلمنا أن الحكمة غالباً ما تكون خفية وراء الأحداث الظاهرية، وأن ما يبدو لنا شراً قد يكون في جوهره خيراً عظيماً. إنها دعوة للتأمل وعدم الحكم على الأمور من ظاهرها، والثقة بأن هناك حكمة إلهية تدير هذا الكون.

 

 إرث خالد وتأثير مستمر

 

يتجلى سر جاذبية إرث جلال الدين الرومي في قدرته على مخاطبة الروح الإنسانية في كل زمان ومكان. ففلسفته، التي تركز على التسامح، واحتضان الألم، والخروج من أسر الزمان والأنا، والصبر، تقدم حلولاً عميقة ومستدامة للتحديات الوجودية التي يواجهها الإنسان. إنها دعوة للتحول الداخلي، والارتقاء الروحي، والعيش بوعي وحكمة.

 فى الختام

في عصرنا الحالي، حيث تزداد وتيرة الحياة وتتعدد مصادر التوتر والقلق، يأتي فكر الرومي ليكون بمثابة مرشد روحي، يقدم لنا طريقاً نحو السلام الداخلي والسعادة الحقيقية. إن تعاليمه، التي تدعو إلى الحب، والتعاطف، والاتصال بالذات الإلهية، لا تزال مصدر إلهام للملايين حول العالم، وتؤكد على أن إرث هذا الشاعر الصوفي العظيم سيبقى خالداً، وسر جاذبيته سيستمر في كشف أسرار الروح الإنسانية عبر الأجيال.




author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent