recent
أخبار ساخنة

**«الكورونا في عهدة الفلسفة»: قراءة عميقة في تداعيات الجائحة على الوجود الإنساني**

الصفحة الرئيسية

 

**«الكورونا في عهدة الفلسفة»: قراءة عميقة في تداعيات الجائحة على الوجود الإنساني**

 

في خضمّ موجات الأخبار المتلاطمة التي غمرت العالم خلال جائحة «كوفيد-19»، والتي ركزت جلّها على الأرقام والإحصاءات، والتحليلات الطبية والاقتصادية، يأتي صوت فكري متأنٍ ليعيد توجيه البوصلة نحو الأسئلة الأعمق والأكثر إلحاحًا. هذا الصوت يتجسد في كتاب المفكر اللبناني الدكتور مشير باسيل عون، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، والذي صدر حديثًا عن دار استفهام للنشر والتوزيع في بيروت بعنوان لافت: «الكورونا في عهدة الفلسفة: تأملات فلسفية في الجائحة العالمية».

في خضمّ موجات الأخبار المتلاطمة التي غمرت العالم خلال جائحة «كوفيد-19»، والتي ركزت جلّها على الأرقام والإحصاءات، والتحليلات الطبية والاقتصادية، يأتي صوت فكري متأنٍ ليعيد توجيه البوصلة نحو الأسئلة الأعمق والأكثر إلحاحًا. هذا الصوت يتجسد في كتاب المفكر اللبناني الدكتور مشير باسيل عون، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، والذي صدر حديثًا عن دار استفهام للنشر والتوزيع في بيروت بعنوان لافت: «الكورونا في عهدة الفلسفة: تأملات فلسفية في الجائحة العالمية».
**«الكورونا في عهدة الفلسفة»: قراءة عميقة في تداعيات الجائحة على الوجود الإنساني**


**«الكورونا في عهدة الفلسفة»: قراءة عميقة في تداعيات الجائحة على الوجود الإنساني**


  • لا يهدف الكتاب، الذي يمتد على مدار 303 صفحات من القطع الكبير، إلى أن يكون مجرد سجل
  •  توثيقي للأحداث، بل هو بمثابة غوص عميق في التداعيات الخفية التي أحدثتها الجائحة في نسيج
  •  الوجود الإنساني. فمنذ اللحظة الأولى التي فرض فيها الفيروس واقعًا جديدًا على البشرية، لم تكن
  •  الأزمة صحية فحسب، بل كانت قبل كل شيء هزّة وجودية عنيفة، أعادت طرح الإشكاليات الفلسفية
  •  الكبرى التي ظنّ الإنسان المعاصر أنه تجاوزها أو وجد لها إجابات مطمئنة.

**منظور مغاير لأزمة عالمية**

 

ينطلق عون من فرضية أساسية مفادها أن الفلسفة ليست ترفًا فكريًا يُمارس في الأبراج العاجية، بل هي أداة ضرورية لفهم اللحظات المفصلية في التاريخ الإنساني. ومن هذا المنطلق، يضع الجائحة "في عهدة الفلسفة"، أي تحت وصايتها التحليلية والنقدية

  •  متناولاً إياها من زاوية غير تقليدية تتجاوز حدود العلوم التجريبية. يطرح الكتاب تساؤلات جذرية
  •  حول مفاهيم مركزية مثل معنى الحياة الهشة في مواجهة الموت الحاضر بقوة، والعلاقة الجدلية بين
  •  العزلة القسرية والحاجة الفطرية للتواصل، والصدام بين مفهوم الحرية الفردية ومتطلبات المسؤولية
  •  الجماعية.

 

يستعرض المؤلف ببراعة كيف أن هذه الأزمة العالمية قد فككت مسلمات كانت راسخة في وعينا الجمعي. فمفهوم "التقدم" الذي تغنّت به الحداثة بدا عاجزًا أمام فيروس مجهري، ومفهوم "العولمة" الذي احتفى بالانفتاح وسهولة الحركة تحول إلى نقمة سرّعت من انتشار الوباء، بينما أعادت تجربة الحجر الصحي تعريف علاقتنا بالمكان (البيت) والزمان (رتابة الأيام) وبالجسد الذي أصبح مصدرًا للخطر وموضوعًا للمراقبة الدائمة.

 

**التحول الثلاثي الأبعاد في الوعي الإنساني**

 

لعل أبرز ما يقدمه الكتاب هو تشخيص عون الدقيق لما يسميه "التحول الثلاثي الأبعاد" الذي أصاب الوعي الإنساني برمته. وهو يرى أننا دخلنا طورًا جديدًا يتطلب أدوات فهم ولغة جديدة لتفكيكه. هذه الأبعاد هي:

 

1.  **التحول الأنطولوجي (الوجودي):** يتعلق هذا البعد بتغير طبيعة كينونتنا في العالم. فالجائحة كشفت عن هشاشة الوجود الإنساني، وأعادت الجسد إلى مركز الاهتمام بعد أن كاد يذوب في العالم الرقمي. أصبحنا نعيش في حالة من القلق الوجودي المستمر، حيث بات كل تفاعل اجتماعي وكل لمسة محفوفين بالمخاطر.

 

2.  **التحول المعرفي (الإبستمولوجي):** يتناول هذا الجانب كيفية تغير مسالكنا في الإدراك واكتساب المعرفة. شهدنا خلال الجائحة انفجارًا معلوماتيًا هائلاً أو ما عُرف بـ "الإنفوديميك"، حيث اختلطت الحقيقة بالشائعة، والعلم بالخرافة. أصبح السؤال عن "الحقيقة" ومصادرها الموثوقة سؤالاً يوميًا، مما أدى إلى أزمة ثقة عميقة في المؤسسات العلمية والإعلامية والسياسية.

 

3.  **التحول الوجداني (النفساني):** يركز هذا البعد على التحولات التي طرأت على تجربتنا العاطفية والنفسية. لقد فرضت الجائحة مشاعر جماعية لم يسبق لها مثيل من الخوف، والقلق، والحزن على فقدان الأحبة، والشعور بالوحدة. وفي المقابل، ولّدت أشكالاً جديدة من التضامن الإنساني والتعاطف عن بعد، وأجبرتنا على إعادة تقييم علاقاتنا الاجتماعية وأولوياتنا في الحياة.

 

**دعوة لابتكار وعي جديد**

 

إن كتاب «الكورونا في عهدة الفلسفة» ليس مجرد تحليل للماضي، بل هو دعوة صريحة للمستقبل. فالمؤلف يشدد على أنه لفهم هذا "الحدث العالمي الطارئ" والخروج من تداعياته، "لا بد لنا من ابتكار وعي جديد ولغة جريئة".

  1.  إنه بذلك لا يقدم إجابات جاهزة، بقدر ما يمنح القارئ
  2.  الأدوات الفلسفية اللازمة للتفكير النقدي في واقعه ومستقبله.

 الختام

في نهاية المطاف، يُعد هذا العمل مرجعًا فكريًا أساسيًا ومساهمة جادة في المكتبة العربية، موجهًا لكل من يسعى إلى تجاوز القراءة السطحية للجائحة. إنه دعوة مفتوحة للتأمل في حال الإنسان المعاصر، وفي الدروس العميقة التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة القاسية، لعلنا نتمكن من بناء عالم ما بعد كورونا على أسس أكثر وعيًا وإنسانية وصلابة.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent