## **لماذا العلم؟ رحلة من المعرفة العابرة إلى محرك الحضارة والتقدم**

 

### **رواية "جدران أكلتها الديدان" لأمل العشماوي: تشريح عميق للصراع الإنساني في مواجهة التغيير**

 

في قلب الأدب الذي يعكس نبض الشارع وصدى الواقع الاجتماعي، تبرز رواية **"جدران أكلتها الديدان"** للكاتبة المصرية **أمل العشماوي** كعملٍ أدبي استثنائي يغوص في أعماق النفس البشرية ويكشف عن هشاشة العلاقات الإنسانية عندما توضع تحت ضغط التغيير القسري. لا تكتفي الرواية برصد حدثٍ اجتماعي، بل تتجاوزه لتقدم تشريحًا دقيقًا لانهيار القيم والأخلاق في بيئة مهمشة، لتصبح بذلك مرآة صادقة تعكس صراعات كامنة تنفجر في وجه الحداثة والتطوير.

### **رواية "جدران أكلتها الديدان" لأمل العشماوي: تشريح عميق للصراع الإنساني في مواجهة التغيير**

### **رواية "جدران أكلتها الديدان" لأمل العشماوي: تشريح عميق للصراع الإنساني في مواجهة التغيير**

#### **عاصفة التغيير في "غيط العنب" الشرارة التي أشعلت النيران**

 

تدور أحداث الرواية في منطقة **"غيط العنب"** بالإسكندرية، وهي إحدى المناطق الشعبية التي تتميز بكثافتها السكانية وعلاقاتها المتشابكة التي تبدو متماسكة على السطح. لم تكن الحياة مثالية، بل كانت مزيجًا من الألفة والمعاناة، ومن الصبر والفقر، حيث اعتاد السكان على إيقاع حياتهم الخاص. لكن هذا السكون النسبي يتحطم على صخرة قرار حكومي بإطلاق مشروع **"بشاير الخير"**، وهو مشروع تطوير يهدف إلى هدم البيوت القديمة المتهالكة واستبدالها بمساكن حديثة تليق بالمواطنين.

 

• هنا تكمن المفارقة الدرامية التي بنَت عليها أمل العشماوي صرح روايتها. فما يُفترض أن يكون
•  "بشارة خير" ووعدًا بحياة أفضل، يتحول إلى نذير شؤم وعاصفة تقتلع جذور الاستقرار الهش. هذا
•  الإعلان الخارجي لا يفعل سوى إيقاظ "الديدان" الداخلية التي كانت تنخر بصمت في "جدران"
•  العلاقات الاجتماعية والأسرية، ليتحول الأمل بمستقبل أفضل إلى صراع مرير على البقاء والمكسب.

 

#### **شخصيات على حافة الهاوية كشف الأقنعة وسقوط المبادئ**

 

تختار الكاتبة أمل العشماوي ببراعة التركيز على أربع عائلات تسكن في هذا الحي، لتقدم من خلالها بانوراما واسعة للتحولات النفسية والاجتماعية التي طرأت على الجميع. من خلال هذه النماذج الأسرية، ترصد الرواية كيف أن قرار الإزالة كشف عن معادن الشخصيات الحقيقية وأسقط أقنعة المحبة والصداقة والأخوة التي كانت تزين الوجوه.

 

*   **الصراع داخل الأسرة الواحدة:** يتحول الإخوة إلى أعداء، والآباء والأبناء إلى خصوم. فالحصول على شقة جديدة في "بشاير الخير" يصبح هو الجائزة الكبرى التي تدفع البعض إلى الخداع والتآمر والتنكر لأقرب الناس إليهم. يظهر **الطامع** الذي لا يتورع عن سحق أي قيمة في سبيل مصلحته، في مقابل **المستغني** أو المتمسك بكرامته حتى لو كلفه ذلك خسارة كل شيء.

*   **انهيار العلاقات الاجتماعية:** لم يقتصر الصراع على النطاق الأسري، بل امتد ليشمل الجيران والأصدقاء. الصداقات التي بنيت على مدار سنوات تنهار أمام أول اختبار حقيقي للمصلحة. تكشف الرواية زيف الكثير من المشاعر، وتؤكد أن الروابط التي لا تُبنى على أساس متين من المبادئ والقيم، سرعان ما تتهاوى كالجدران الآيلة للسقوط.

*   **مأساة الحب في بيئة قاسية:** حتى مشاعر الحب النبيلة لم تكن بمنأى عن هذا الانهيار. ترصد الرواية كيف يمكن للظروف المادية القاسية وضغط الواقع أن يقتل أنبل العواطف، أو يحولها إلى مجرد أداة لتحقيق غايات مادية، مما يضيف بعدًا تراجيديًا عميقًا للسرد.

 

#### **الرمزية والدلالات العميقة في "جدران أكلتها الديدان"**

 

يتجاوز عنوان الرواية **"جدران أكلتها الديدان"** كونه مجرد وصف مادي، ليحمل دلالات رمزية عميقة تشكل جوهر العمل:

 

1.  **الجدران:** لا ترمز فقط إلى المباني المادية التي سيتم هدمها، بل ترمز إلى كل ما هو ساتر وفاصل. إنها جدران البيوت التي تخفي أسرار العائلات، وجدران الصمت التي تحيط بالصراعات المكتومة، وجدران القيم الاجتماعية التي تبدو صلبة ولكنها في الحقيقة هشة. هدم هذه الجدران المادية هو بمثابة فضح وكشف لكل ما كان مستورًا خلفها.

2.  **الديدان:** هي الرمز الأقوى في الرواية. الديدان ليست قوة خارجية، بل هي نابعة من الداخل. إنها ترمز إلى الفقر، والجهل، والفساد الأخلاقي، والحسد، والطمع، وكل الأمراض الاجتماعية التي كانت تنخر في جسد المجتمع بصمت. قرار التطوير لم يخلق هذه الديدان، بل أتاح لها الظروف لتخرج إلى النور وتلتهم ما تبقى من تماسك.

3.  **غيط العنب كنموذج مصغر:** تصبح منطقة "غيط العنب" مسرحًا مصغرًا للمجتمع الأوسع. الصراعات التي تدور فيها هي انعكاس لصراعات أكبر تحدث على مستوى الوطن، خاصة فيما يتعلق بصدام الحداثة مع التقليد، وصراع الفرد في مواجهة سلطة الدولة، والتأثيرات غير المتوقعة للمشروعات الكبرى على حياة البسطاء.

 

#### **أسلوب أمل العشماوي واقعية جريئة ولغة حية**

 

تتميز الكاتبة أمل العشماوي في هذا العمل بأسلوب سردي يجمع بين الواقعية الجريئة والعمق النفسي. هي لا تجمل الواقع ولا تتهرب من قسوته، بل تقدمه كما هو، بلغة حية تنبض بمفردات البيئة التي تصفها، مما يمنح الرواية مصداقية عالية ويجعل القارئ يشعر وكأنه يتجول في أزقة "غيط العنب" ويستمع إلى همسات أهلها وصراخهم.

 

1. إن قدرتها على التنقل بين قصص العائلات الأربع بسلاسة، وربط مصائرهم بخيط واحد هو قرار
2.  الإزالة، يدل على تمكنها من أدواتها السردية. فالرواية ليست مجرد تسجيل لأحداث، بل هي غوص
3.  عميق في دواخل الشخصيات، وتحليل لأسباب تحولاتهم، ورصد دقيق للتوتر المتصاعد الذي يؤدي
4.  في النهاية إلى المزيد من "الأمراض والفقر والخوف بل والموت أحيانًا"، كما جاء في وصف
5.  الرواية.

 

#### **الأهمية الأدبية والاجتماعية للرواية**

 

تكمن أهمية رواية **"جدران أكلتها الديدان"** في كونها عملاً أدبيًا شجاعًا يطرق باب بيئة قلما تناولها الأدب بهذا العمق والجرأة. إنها تقدم نقدًا اجتماعيًا لاذعًا، ليس لمشروعات التطوير في حد ذاتها، بل للطريقة التي يمكن أن تكشف بها هذه المشروعات عن أمراض المجتمع الخفية.

•  الرواية دعوة للتفكير في أن التطوير الحقيقي ليس في بناء الحجر فقط
•  بل في بناء الإنسان أولاً، وترميم الجدران الأخلاقية والقيمية 
• التي تحمي المجتمع من الانهيار الداخلي.

 

**خاتمة: رواية لا تُنسى عن أرواح تتآكل**

 

في النهاية، تثبت **"جدران أكلتها الديدان"** أنها أكثر من مجرد قصة عن هدم بيوت، إنها قصة عن تآكل الأرواح وتفسخ العلاقات.

 هي عمل أدبي يترك في نفس القارئ أثرًا عميقًا، ويطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الخير والشر، وقوة الروابط الإنسانية، والثمن الذي قد يدفعه المجتمع في سبيل التقدم. استطاعت أمل العشماوي أن تقدم رواية مؤثرة وقوية، تظل عالقة في الذاكرة كنقش على جدار، تحكي قصة مجتمع كانت ديدانه تنخر فيه قبل أن تأتي الجرافات لتهدم ما تبقى منه.