recent
أخبار ساخنة

### **الحمار في الموروث الشعبي: حين يصبح رمزًا للصبر القاتل والحيرة المطلقة**

 

### **الحمار في الموروث الشعبي: حين يصبح رمزًا للصبر القاتل والحيرة المطلقة**

 

في أعماق التراث الشفهي والثقافة الشعبية العربية، تحتل الأمثال مكانة فريدة، فهي ليست مجرد عبارات مسجوعة أو أقوال عابرة، بل هي كبسولات زمنية تحفظ في طياتها قصصًا وحكمًا وتجارب إنسانية عميقة. ومن بين الكائنات التي حظيت بنصيب وافر في هذا الموروث، يبرز الحمار كشخصية محورية، غالبًا ما تُلصق به صفات الغباء والعناد ظلمًا. لكن عند الغوص في أصول الحكايات التي ولّدت هذه الأمثال، نكتشف أن الحمار كان في كثير من الأحيان مجرد مرآة تعكس واقعًا إنسانيًا أكثر تعقيدًا. مثلان شهيران يجسدان هذا المعنى هما: "موت يا حمار" و"غلب حماري".

في أعماق التراث الشفهي والثقافة الشعبية العربية، تحتل الأمثال مكانة فريدة، فهي ليست مجرد عبارات مسجوعة أو أقوال عابرة، بل هي كبسولات زمنية تحفظ في طياتها قصصًا وحكمًا وتجارب إنسانية عميقة. ومن بين الكائنات التي حظيت بنصيب وافر في هذا الموروث، يبرز الحمار كشخصية محورية، غالبًا ما تُلصق به صفات الغباء والعناد ظلمًا. لكن عند الغوص في أصول الحكايات التي ولّدت هذه الأمثال، نكتشف أن الحمار كان في كثير من الأحيان مجرد مرآة تعكس واقعًا إنسانيًا أكثر تعقيدًا. مثلان شهيران يجسدان هذا المعنى هما: "موت يا حمار" و"غلب حماري".
### **الحمار في الموروث الشعبي: حين يصبح رمزًا للصبر القاتل والحيرة المطلقة**


### **الحمار في الموروث الشعبي: حين يصبح رمزًا للصبر القاتل والحيرة المطلقة**


 **"موت يا حمار" فلسفة الانتظار في مواجهة المستحيل**

 

يُضرب مثل "موت يا حمار" في المواقف التي تتطلب صبرًا طويلاً وأملاً شبه معدوم، حيث يصبح الانتظار بحد ذاته مهمة شاقة. قد يبدو ظاهره دعاءً على الحيوان المسكين، لكن قصته الأصلية تكشف عن حكمة ساخرة ودهائًا فريدًا في التعامل مع السلطة والمصير.

 

  • تُروى الحكاية أن ملكًا من الملوك كان يمتلك بستانًا غنّاءً بديع التنسيق، يفخر بجماله وندرة أزهاره.
  •  وفي أحد الأيام، اقتحم حمار ضال هذا البستان وعاث فيه فسادًا، يأكل من زرعه ويدوس على
  •  أزهاره، محولاً جنته الغنّاء إلى خراب.

 استشاط الملك غضبًا وأمر حراسه بقتل الحمار فورًا. هنا، تقدم أحد رجال حاشيته، وكان معروفًا بحكمته، وقال للملك: "يا مولاي، وما ذنب هذا البهيم؟ إنه لم يفعل ذلك عن قصد. اسمح لي بمهمة تعليمه وتأديبه، وسأجعله أفصح وأذكى من بهائم القصر جميعًا".

 

  1. طاب للملك هذا الاقتراح الغريب، لكنه اشترط شرطًا قاسيًا: "أمهلك عشر سنوات لإتمام هذه المهمة
  2.  وسأمنحك قصرًا ومالاً وفيرًا، ولكن إن فشلت بعد انقضاء المدة، فسيكون رأسك هو الثمن". وافق
  3.  الرجل على الفور، وهرع إلى زوجته ليبشرها بالثروة التي هبطت عليه. لكن الزوجة، التي تملّكها
  4.  الخوف، قالت له: "أصبت بالجنون؟ كيف لك أن تعلّم حمارًا؟ وهذا الملك قد حدد موعدًا لقطع
  5.  رقبتك!".

 

هنا، تجلت حكمة الرجل ودهائه حين أجابها بهدوء: "يا زوجتي، لا تجزعي، ففي عشر سنوات قد تحدث أمور لا تخطر على بال. فمن يدري؟ لعل الملك يموت، أو لعل الحمار يهلك، أو ربما أكون أنا قد فارقت الحياة. وفي كل الأحوال، يكون الأجل قد حلّ قبل أن يحلّ موعد الحساب". 

  • عندئذٍ، نظرت إليه زوجته وقالت عبارتها الشهيرة: "إذن، موت يا حمار..."، وهي لا تقصد بالضرورة
  •  الحمار الحيوان، بل "المشكلة" أو "الأجل الطويل" الذي أصبح الحل الوحيد المتاح. وهكذا، تحول
  •  المثل من دعاء بالهلاك إلى استراتيجية للبقاء، تعتمد على عامل الزمن كفارس منقذ قد يأتي أو لا
  •  يأتي.

 

 **"غلب حماري" عندما تكون الحيرة من صنع الإنسان**

 

على النقيض من الصبر الطويل، يأتي مثل "غلب حماري" ليعبر عن حالة من الحيرة المطلقة والارتباك الذهني الشديد الذي يصل بصاحبه إلى طريق مسدود. وخلافًا للاعتقاد الشائع بأن المثل يشير إلى غباء الحمار، فإن بطله الحقيقي هو الإنسان، وتحديدًا الشخصية الفكاهية الشهيرة "جُحا".

 

  1. يُحكى أن جُحا كان يمتلك مجموعة من الحمير، وأراد في يوم من الأيام أن يتأكد من عددها. امتطى
  2.  واحدًا منها وبدأ بالعد، ففوجئ بأن العدد ناقص واحد. انتابه القلق، فنزل عن حماره وأعاد العد من
  3.  جديد، ليجد أن العدد مكتمل تمامًا. أصابته الدهشة، فعاد وامتطى حماره، وكرر العد، فعاد العدد ناقصًا
  4.  مرة أخرى.

 

دخل جُحا في حلقة مفرغة من الصعود والنزول، وفي كل مرة كانت النتيجة تتغير، مما أدخله في حالة من الذهول والتشويش العقلي، وهو يرى حميره تزيد وتنقص أمام عينيه. وبعد صراع مرير مع المنطق والأرقام، أدرك أخيرًا أنه كان ينسى في كل مرة أن يعدّ الحمار الذي يمتطيه.

  •  في تلك اللحظة من الإدراك الممزوج بالخجل من حيرته، أطلق صرخته التي خلدها التاريخ: "لقد
  •  غلب حماري!"، وهو لا يعني أن حماره قد هُزم، بل أن عقله هو الذي "غُلب" وعجز عن حل هذه
  •  المعضلة البسيطة.

 الختام

وهكذا، نرى كيف أن هذه الأمثال، التي قد تبدو بسيطة أو حتى قاسية تجاه الحمار، هي في جوهرها انعكاس عميق للنفس البشرية. فالحمار في الحكاية الأولى هو رمز للزمن والمصير الذي نراهن عليه، وفي الثانية هو تجسيد للمشكلة التي تحيّرنا وتفضح محدودية إدراكنا أحيانًا.

 إنها حكمة شعبية خالدة، تعلمنا أن ننظر أبعد من الظاهر، لنكتشف أن القصص الأكثر طرافة قد تحمل أصدق الدروس عن أنفسنا.

### **الحمار في الموروث الشعبي: حين يصبح رمزًا للصبر القاتل والحيرة المطلقة**


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent