### **"طقوس متساوية": حين يتحدى السحر تقاليد الجنس في عالم القرص**
في المشهد الأدبي الواسع، قلة هم الكُتّاب الذين
استطاعوا المزج بين الفانتازيا الخالصة والسخرية اللاذعة والعمق الفلسفي كما فعل
السير تيري براتشيت في سلسلته الأيقونية "عالم القرص" (Discworld). ومن بين جواهر هذه السلسلة، تبرز رواية "طقوس متساوية" (Equal Rites)، الرواية الثالثة في السلسلة والأولى
التي تقدم لنا شخصية "الجدة ويذرواكس" الأسطورية. لا تكتفي الرواية
بتقديم مغامرة فكاهية، بل تغوص عميقاً في نقد التقاليد البالية والتحيز الجنسي،
مستخدمةً السحر كأداة لتشريح سخافة الأعراف الاجتماعية.
 |
| ### **"طقوس متساوية": حين يتحدى السحر تقاليد الجنس في عالم القرص** |
#### **فرضية تمردية في عالم من القواعد الصارمة**
تدور أحداث الرواية حول فرضية بسيطة لكنها ثورية في عالم القرص: ماذا يحدث عندما يتم منح قوة ساحر لرجل، عن طريق الخطأ، إلى فتاة؟ تبدأ القصة مع الساحر درام بيليت وهو على فراش الموت، مدركاً أن عليه تمرير عصاه السحرية وقواه إلى الابن الثامن للابن الثامن
- وهو شرط كوني لولادة ساحر جديد. في عجلة من أمره، يجد حداداً هو الابن الثامن لابن ثامن
- وينتظر ولادة طفله الثامن. بمجرد ولادة الطفل، يمنحه بيليت قواه ثم يموت. المشكلة؟ الطفل لم يكن
- ابناً، بل كانت
فتاة تُدعى إسكارينا سميث، أو "إسك".
هذا الخطأ البسيط يطلق العنان لسلسلة من الأحداث التي تهز أسس عالم السحر. ففي عالم القرص، القاعدة واضحة: الرجال يصبحون سحرة، والنساء يصبحن ساحرات (Witches). لكل منهما مجاله الخاص، وقواعده، وتقاليده التي لا يمكن المساس بها.
- السحرة يدرسون في "الجامعة الخفية" بأنكموربورك، حيث يمارسون السحر المنظم والأكاديمي
- والمعقد. أما الساحرات، فيمارسن سحراً عملياً، مرتبطاً بالأرض، ويعتمد على علم النفس والفطرة
- السليمة، وهو ما تسميه الجدة ويذرواكس بـ "الهيدولوجيا" (Headology).
#### **صراع بين التقليد والإرادة**
تنشأ إسك وتظهر عليها علامات القوة السحرية الخام وغير المنضبطة التي ورثتها. هنا، تتدخل الجدة ويذرواكس، الساحرة المحلية القوية والمتشككة، لتعليمها "سحر الساحرات". لكنها سرعان ما تدرك أن القوة التي تمتلكها إسك هي "سحر السحرة"
- وهي قوة لا يمكنها السيطرة عليها أو توجيهها بالكامل. يصبح الحل الوحيد هو أن تذهب إسك إلى
- الجامعة الخفية لتتعلم كيفية استخدام قواها، وهو مكان لم تدخله امرأة من قبل، ناهيك عن أن تصبح
- طالبة فيه.
رحلة إسك والجدة ويذرواكس إلى الجامعة الخفية هي
قلب الرواية، وهي رحلة مليئة بالمواقف الكوميدية التي تنبع من الصدام بين فطرة
الجدة العملية وعقلانيتها الترابية، وبين عالم السحرة الأكاديمي المتعجرف والمنفصل
عن الواقع. براتشيت هنا لا يسخر من الفانتازيا فحسب، بل من أي مؤسسة ذكورية
تقليدية ترفض التغيير وتتمسك بقواعدها ليس لأنها منطقية، بل لمجرد أنها "كانت
هكذا دائمًا".
#### **أكثر من مجرد سخرية: نقد اجتماعي عميق**
كما جاء في مجلة *Publishers Weekly*، "تجاوز براتشيت حدود الفنتازيا المضحكة وينبغي الاعتراف به على أنه أحد أهم الكتاب الساخرين المعاصرين باللغة الإنجليزية". هذا الوصف يتجلى بوضوح في "طقوس متساوية". الرواية تستخدم عالم القرص كمرآة لعالمنا
- فتسلط الضوء على سخافة التمييز على أساس الجنس. الحجج التي يقدمها السحرة لرفض إسك ليست
- مبنية على قدراتها، بل على جنسها فقط، وهي حجج تعكس قروناً من التحيز في عالمنا الواقعي.
لكن براتشيت لا يقدم إجابات سهلة. فهو لا يدعي
أن أحد نوعي السحر (الذكوري أو الأنثوي) أفضل من الآخر، بل يرى أن لكل منهما قوته
وضعفه. القوة الحقيقية، كما تكتشف إسك في النهاية، لا تكمن في اتباع قواعد أحدهما،
بل في القدرة على فهم واستخدام كليهما. فالسحر في النهاية هو السحر، بغض النظر عمن
يمارسه.
#### **إرث الرواية ومكانتها**
تعتبر "طقوس متساوية" نقطة تحول في سلسلة عالم القرص. فهي لم تقدم فقط واحدة من أروع شخصيات براتشيت، الجدة ويذرواكس، بل أسست أيضًا لسلسلة فرعية كاملة تتمحور حول الساحرات، والتي أصبحت من أكثر الأجزاء شعبية لدى القراء.
- إنها رواية ممتعة، ذكية، وذات رسالة خالدة. وكما وصفتها صحيفة *Washington Post*:
- "لهروب مرِح من هموم الحياة في مكان عميق، لن يكون أمامك أفضل من روايات عالم القرص".
في الختام
"طقوس متساوية" هي أكثر من
مجرد قصة عن فتاة تريد أن تصبح ساحرة. إنها دعوة شجاعة ومضحكة للتفكير في القواعد
التي نتبعها دون مساءلة، وتذكير بأن الموهبة والإرادة لا تعترفان بالحدود التي
يفرضها المجتمع. إنها عمل يؤكد عبقرية تيري براتشيت في استخدام الفكاهة كسلاح لكشف
الحقيقة.