**"القاهرة 90" بعدسة رندا شعث: ذاكرة بصرية لمدينة تتغير وتلهم الحنين**
في قلب القاهرة النابض بالحياة والتاريخ، يبرز
معرض "ضفاف | ذاكرة بصرية لمدينة متغيرة.. "القاهرة 90" بعدسة
الفنانة والمصورة الفوتوغرافية المرموقة رندا شعث، كحدث ثقافي وفني يستدعي التأملويوقظ ذكريات جيل بأكمله. يقدم المعرض رحلة آسرة عبر الزمن، تعود بنا إلى حقبة
التسعينيات الصاخبة والمفعمة بالتحولات في العاصمة المصرية، من خلال عيون فنانة
عاشت تلك الفترة وتفاعلت مع تفاصيلها اليومية.
![]() |
**"القاهرة 90" بعدسة رندا شعث: ذاكرة بصرية لمدينة تتغير وتلهم الحنين** |
**رؤية فنانة ما وراء الحنين**
تُعدّ رندا شعث، صاحبة المسيرة الطويلة في عالم التصوير الصحفي والفني، الشاهد الأمثل على تلك الحقبة. ف فترة التسعينيات،
كما تصفها، لم تكن مجرد مرحلة زمنية، بل كانت "الفترة اللي اشتغلت فيها في جريدة
الأهرام ويكلي وكانت أول طلعتي إن أنا بنزل في الشوارع وأصور وأتكلم مع ناس".
هذه التجربة الميدانية المبكرة صقلت رؤيتها ومنحتها القدرة على التقاط نبض الشارع
القاهري بصدق وعفوية. ورغم أنها صورت على مدار ربع قرن، إلا أن التسعينيات تحتل
مكانة خاصة في مسيرتها، فهي "فترة ازدهار يمكن بالنسبة للتصوير بتاعي".
- لم تسعَ شعث من خلال "القاهرة 90" إلى تقديم بانوراما نوستالجية بحتة، بل حرصت على أن يكون
- المعرض بمثابة دراسة بصرية واعية للتغير والثبات. تقول: "حبيت إنه ما يبقاش مستلجة... لو بصيت
- على الصور اختيارها إنه في أماكن اتغيرت وفي أماكن ما اتغيرتش". هذا التوازن يعكس فهماً عميقاً
- لطبيعة المدينة ككائن حي يتطور باستمرار، لكنه يحتفظ بجوهره في بعض جوانبه. كما أولت اهتماماً
- خاصاً للعنصر الإنساني، مؤكدة: "اهتميت جدا ان ما يبقاش أماكن بس فحبيت يبقى في مزج ما بين
- صور الاماكن وصور الناس". هذا المزج يضفي على اللقطات دفئاً وحياة، ويحولها من مجرد توثيق
- معماري إلى قصص بصرية تحكي عن
سكان المدينة وأرواحهم.
**أصداء المعرض رحلة عبر الزمن وتوثيق للذاكرة**
وقد ترك المعرض أصداءً عميقة في نفوس زواره، الذين وجدوا فيه مرآة لذكرياتهم الشخصية وتأريخاً لمرحلة مهمة من حياتهم وحياة مدينتهم. عبر أحد الزوار عن تجربته قائلاً: "الحقيقة أنا أول ما شفت المعرض حسيت ان انا سافرت بالزمن.
- وكان عدى سنين أكثر اللي فعلاً عدت من 90 لحد دلوقتي". هذا الشعور يعكس قوة الصورة في
- اختراق حواجز الزمن واستحضار الماضي بكثافته العاطفية. وأكد الزائر ذاته على أهمية هذا العمل
- التوثيقي: "كان مهم قوي
فعلاً اللحظات دي تبقى متوثقة لان عشان تفضل في ذاكرتنا بشكلها الفعلي".
من جهة أخرى، شكل اسم المعرض والمصورة دافعاً قوياً للحضور بالنسبة لآخرين. فعلقت إحدى الزائرات: "الاسم والمصورة يعني الاثنين في حد ذاتهم كانوا عنصر مهم جدا يخليني اجي اتفرج على المعرض. أستاذة راندا شعث أستاذة كبيرة اتعلمنا منها في الصحافة".
- بالنسبة لها، يمثل المعرض استعادة لفترة الشباب وبدايات الوعي، حيث قالت: "فترة التسعينات يعني
- دي فترة الشباب بتاعتي أو بداية الخروج من المراهقة إلى مرحلة الشباب فكنت عايز أسترجع
- ذكرياتي مع القاهرة 90 ده ده الجزء الشخصي". ولم يغب عنها البعد التوثيقي، مضيفة: "الجزء
- الآخر بقى جزء التوثيق للفترة ديت".
تتداخل الذكريات الشخصية مع الهوية المكانية بشكل لافت لدى زائرة أخرى وصفت نفسها بأنها "بنت القاهرة 90". تقول: "أول ما بقى عندي 18 سنة وابتديت ألف في شوارع القاهرة لوحدي كان هي دي القاهرة اللي أنا يعني عيني شافت أول ما شافت المشاهد دي".
- وبالتالي، يكتسب المعرض بالنسبة لها طابعاً شخصياً حميمياً، يثير "نزعة النوستالجيا دي الحنين"
- وتستحضر صوراً أيقونية مثل "رمسيس بالتمثال بتاعه"، الذي كان جزءاً لا يتجزأ من مشهد القاهرة
- في تلك الفترة قبل نقله.
**أهمية "القاهرة 90" ما وراء الصورة**
يتجاوز معرض "القاهرة 90" كونه مجرد
مجموعة من الصور الفوتوغرافية، ليصبح سجلاً بصرياً حيوياً لمرحلة مفصلية في تاريخ
العاصمة المصرية. إنه يقدم لمحة عن التحولات الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية
التي شهدتها القاهرة خلال عقد التسعينيات، وهي فترة انتقالية شهدت بداية العولمة
وتأثيراتها المتزايدة على النسيج الحضري والثقافي.
- تكمن أهمية هذا المعرض في قدرته على حفظ الذاكرة البصرية لمدينة دائمة التغير. ففي ظل تسارع
- وتيرة التطور العمراني، تصبح هذه اللقطات وثائق ثمينة للأجيال القادمة، تساعدهم على فهم ماضي
- مدينتهم وتتبع مسارات تحولها. كما أنه يفتح الباب أمام حوار حول الهوية والانتماء، والعلاقة بين
- الإنسان
والمكان، وكيف تشكل البيئة المحيطة ذاكرتنا الفردية والجماعية.
**ختاماً**
يُعتبر معرض "القاهرة 90" لرندا شعث إضافة قيّمة للمشهد الثقافي المصري والعربي. إنه ليس مجرد استعراض فني للقطات جميلة، بل هو شهادة فنية وتاريخية على حقبة زمنية، و دعوة للتأمل في معنى الزمن والتغيير والذاكرة.
ينجح المعرض في أن يكون "ذاكرة بصرية لمدينة متغيرة"،
ولكنه أيضاً يثبت أن بعض الصور، بصدقها وقوتها التعبيرية، قادرة على أن تتجاوز
وظيفتها التوثيقية لتصبح جزءاً من الوجدان الجماعي، تلهم الحنين وتثير الشجون
وتدفعنا لإعادة اكتشاف مدننا وأنفسنا.