**«أوديسة لغزّة»: حين يصبح الشعر ملحمة لتوثيق الألم وتحدي السردية**

 

**«مُفَرَّغ»: رحلة البحث عن الروح والإنسانية في قلب ديستوبيا التفكيك لنيل شُسترمان**

 

في رحاب الأدب الديستوبي المعاصر، حيث تُنسج العوالم المظلمة لتكون مرآة تعكس مخاوف وقضايا مجتمعاتنا الراهنة، يبرز اسم الكاتب الأمريكي المبدع نيل شُسترمان كعلامة فارقة. وتعدّ روايته **«مُفَرَّغ» (Unsouled)**، المحطة الثالثة ضمن سلسلته الشهيرة والمُشادة نقدياً وجماهيرياً، «دستوبيا التفكيك» (Unwind Dystology)، بمثابة تصعيد درامي وفلسفي لأحداث السلسلة التي أسرت القراء بفرضيتها المروعة وطرحها الأخلاقي العميق.

**«مُفَرَّغ»: رحلة البحث عن الروح والإنسانية في قلب ديستوبيا التفكيك لنيل شُسترمان**

**«مُفَرَّغ»: رحلة البحث عن الروح والإنسانية في قلب ديستوبيا التفكيك لنيل شُسترمان**

 مفرغ

 

تأتي «مُفَرَّغ» لتواصل السرد من حيث انتهت سابقتها «منقوص» (Unwholly)، وتغوص أعمق في تداعيات عالم ما بعد الحرب الأهلية الثانية، 

حيث توصل المجتمع الأمريكي إلى "حل" لمشكلة المراهقين غير المرغوب فيهم أو المتمردين: عملية "التفكيك". هذه العملية البشعة، التي تجري بين سن الثالثة عشرة والثامنة عشرة، تتضمن تفكيك أجساد المراهقين إلى أجزاء حية تُستخدم في عمليات زراعة الأعضاء، مما يضمن استمرارية "حياة" الفرد المُفكك، ولو بشكل مجزأ وموزع، في أجساد الآخرين. هذا المفهوم، الذي تم تقديمه ببراعة في الجزء الأول «مُفكك» (Unwind)، شكل أساس الصراع المركزي الذي يخوضه أبطالنا.

 

• في «مُفَرَّغ»، نجد أن الأحداث تتخذ منحىً أكثر خطورة وإلحاحًا. فبعد الدمار الذي لحق بـ"المقبرة"
•  (The Graveyard)، الملاذ الآمن الذي كان يأوي المراهقين الهاربين من مصير التفكيك، يجد
•  بطلانا الرئيسيان، كونر لاسيتر (Connor Lassiter) وليف كالدر (Lev Calder)، نفسيهما
•  طليقين مرة أخرى. لكن هذه المرة، هروبهما ليس مجرد محاولة للنجاة والاختباء من أعين "شرطة
•  الأحداث" (Juvey Cops)؛ إنه تحول إلى مهمة محفوفة بالمخاطر وهدف واضح: العثور على
•  سونيا رانشيلد (Sonia Randchild).

هذه المرأة الغامضة، التي كانت تدير متجر التحف القديمة وساعدت عددًا لا يحصى من الهاربين في بداية رحلتهم، أصبحت الآن هدفًا لمنظمة "المواطنة الاستباقية" (Proactive Citizenry) – الجهة القوية والمُريبة التي تسعى لمحو أي أثر لوجودها من التاريخ. 

1. يدرك كونر وليف أن سونيا قد تحمل مفتاح فهم أعمق لنظام التفكيك وربما السبيل الوحيد للقضاء عليه
2.  نهائياً. رحلتهما الشاقة للبحث عنها تضعهما في مواجهة عقبات جديدة وأخطار لم تكن في الحسبان
3.  وتختبر عزيمتهما وقدرتهما على الثقة ببعضهما البعض في عالم يسعى لتمزيقهما. هل سينجحان في
4.  الوصول إليها قبل فوات الأوان؟ وهل ستكون لديها الإجابات التي يمكن أن تغير مجرى الحرب ضد
5.  التفكيك؟

 

على جبهة أخرى

 

 نتابع الصراع الداخلي والمعركة الوجودية لشخصية كام كاموس (Cam Comprix)، الفتى الأعجوبة،

 الكيان المُجمّع بالكامل من أجزاء مأخوذة من مئات المراهقين المُفككين. كام، الذي صُنع ليكون مثالاً على "كمال" التفكيك ولكنه تطور ليصبح ذا وعي وإرادة خاصة، يواجه أزمة هوية وفراغًا وجوديًا عميقًا بعد رحيل ريسا وارد (Risa Ward) عنه. 

• يشعر كام بأنه "مُفرَّغ" – بلا روح حقيقية – ويعتقد أن استعادة حبه لريسا هو السبيل الوحيد لملء هذا
•  الفراغ واسترداد إنسانيته المفقودة. مدفوعًا بهذا الهدف، يتخذ قرارًا جريئًا وخطيرًا: التسلل إلى قلب
•  منظمة "المواطنة الاستباقية" والعمل على تدميرها من الداخل. يعتقد أنه بتحقيق هذا الهدف، لن يثبت
•  جدارته لريسا فحسب، بل سيجد أيضًا خلاصه الشخصي ومعنى لوجوده المركب. لكن مهمته محفوفة
•  بالمكائد والخداع، وقد يجد نفسه متورطًا في لعبة أكبر وأكثر تعقيدًا مما تصور.

 

1. في غضون ذلك، لا تقف ريسا وارد، الموسيقية الموهوبة والشابة الصلبة التي نجت من التفكيك
2.  مرارًا، مكتوفة الأيدي. بعد هروبها وابتعادها عن كام، تخوض رحلتها المنفصلة التي لا تقل خطورة
3.  عن رحلة كونر وليف. تواجه أهوالاً وظروفًا غريبة ومقلقة تختبر قوتها وإصرارها إلى أقصى
4.  الحدود. ورغم التحديات الشخصية والعاطفية التي تمر بها، يبقى هدفها الأسمى راسخًا: القضاء على
5.  نظام التفكيك وإنقاذ جيلها من هذا المصير المروع. تتشابك مسارات الأبطال الثلاثة – كونر وليف
6.  كام، وريسا – بطرق غير متوقعة، حيث يقودهم سعيهم المشترك نحو الحقيقة والحرية إلى مواجهات
7.  حتمية ومنعطفات درامية تغير حياتهم وحياة كل من حولهم إلى الأبد.

 

تغوص رواية «مُفَرَّغ» 

ببراعة في تيمات فلسفية وأخلاقية أكثر تعقيدًا من الأجزاء السابقة. تطرح تساؤلات جوهرية حول معنى الروح والإنسانية: هل الروح شيء متأصل أم يمكن اكتسابه أو حتى فقدانه؟ هل يمكن لكيان مُصنّع مثل كام أن يمتلك روحاً حقيقية؟ تستكشف الرواية أيضًا مفهوم الهوية الفردية في مواجهة نظام قمعي يسعى إلى التنميط ومحو الفردية، وصراع البقاء، وثمن الحرية، وطبيعة السلطة، وأشكال المقاومة المتعددة، من المواجهة المباشرة إلى التسلل والتخريب الداخلي.

 

يواصل شُسترمان، بأسلوبه السردي الآسر وقدرته الفائقة على بناء التشويق، نسج حبكة متعددة الأصوات،

 متنقلاً بسلاسة بين وجهات نظر الشخصيات المختلفة، مما يمنح القارئ فهمًا عميقًا لدوافعهم وصراعاتهم الداخلية والخارجية. الأحداث تتسارع بوتيرة محمومة، والمفاجآت الصادمة تتوالى، مما يجعل من «مُفَرَّغ» تجربة قراءة لا تُنسى، تترك القارئ متلهفاً لمعرفة كيف ستُحل العقد وتتكشف الأسرار في الجزء الأخير من هذه السلسلة الاستثنائية.

الختام

 إنها رواية تتحدى القارئ فكريًا وعاطفيًا، وتجبره على التفكير في حدود الإنسانية ومعنى الحياة في مواجهة الظلم الممنهج.