## "لعنة الخواجة": غوصٌ معرفي وفني في طبقات التاريخ المصري المنسي
في بانوراما الأدب العربي المعاصر، وبخاصة
الرواية المصرية التي لا تكف عن الحفر في طبقات التاريخ والهوية، تبرز رواية "لعنة
الخواجة" للكاتب والشاعر وائل السمري، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية،
كعمل طموح وفارق. لا تكتفي الرواية بأن تكون مجرد سرد تاريخي أو استعادة لشخصيات
وأحداث، بل تقدم نفسها، كما يُلمح عنوان المقال التعريفي عنها، كنموذج لما يمكن
تسميته بـ "الإبداع المعرفي". إنها رحلة إبحار ليست فقط على سطح
الأحداث، بل في الأعماق المظلمة أحيانًا، والمُغيبة قسرًا أحيانًا أخرى، للذاكرة
الجماعية المصرية، بحثًا عن الدهشة المفقودة، والمعارف المنسية، والفنون التي سقطت
سهوًا في زحام الروايات الرسمية أو التبسيطية للتاريخ.
![]() |
## "لعنة الخواجة": غوصٌ معرفي وفني في طبقات التاريخ المصري المنسي |
تأتي الرواية في حجم لافت (670 صفحة)، وهو ما قد يوحي للوهلة الأولى بثقل أو إسهاب، لكن الشهادات الأولية، ومنها تعليق الكاتب المرموق إبراهيم عبد المجيد، تشير إلى عكس ذلك تمامًا. فاللغة، كما يُنقل، تتميز بسلاسة لافتة وإيقاع سريع، وهو ما يمكن عزوه إلى خلفية المؤلف المزدوجة؛ فهو ليس فقط شاعراً له إصداراته وتجاربه المسرحية الشعرية الحائزة على جوائز (مثل مسرحيته "كما لا ترون").
بل هو أيضًا صحفي يتمتع بخبرة طويلة في التحقيقات الاستقصائية. هذا المزيج النادر بين حساسية الشاعر ودقة الصحفي وبحثه عن الحقيقة، يبدو أنه قد انعكس بقوة على نسيج هذه التجربة الروائية الأولى، مانحًا إياها القدرة على التعامل مع مادة تاريخية ومعرفية ضخمة دون الوقوع في فخ الجفاف الأكاديمي أو التوثيق الممل.
**شخصية محورية ومفاجأة تاريخية**
.jpeg)
وهنا تكمن إحدى نقاط القوة والاكتشاف في العمل. دانينوس، المصري اليوناني، يُقدم في الرواية، استنادًا إلى وثائق حقيقية اكتشفها المؤلف كما يشير عبد المجيد، باعتباره صاحب الفكرة الأصلية لإنشاء السد العالي. هذه المعلومة بحد ذاتها تمثل مفاجأة تاريخية من العيار الثقيل، تُزيح الستار عن وجه مغاير لأحد أضخم المشاريع القومية في تاريخ مصر الحديث.
- وتطرح أسئلة حول كيفية تغييب دور شخصية كهذه عن السردية الوطنية السائدة. إن تقديم دانينوس
- كصاحب الفكرة لا يقلل بالضرورة من الجهود اللاحقة التي بذلت لتحقيق المشروع، ولكنه يعيد توزيع
- الضوء ليكشف عن جذور أبعد وأكثر تعقيدًا، ويفتح الباب لفهم أعمق لدور الأجانب أو "المتمصرين"
- في بناء مصر الحديثة.
**تيمة "الخواجة" والعلاقة المعقدة بالآخر**
.jpeg)
بل يتسع ليشمل استكشافًا أعمق لعلاقة المصريين عمومًا بالأجانب الذين عاشوا بينهم، وتحديدًا أولئك الذين وقعوا في غرام الحضارة المصرية وكرسوا حياتهم للكشف عن كنوزها وأسرارها. عنوان الرواية "لعنة الخواجة" بحد ذاته يوحي بالكثير؛ هل هي لعنة تصيب الخواجة نفسه الذي يظل، مهما اندمج، غريبًا أو حاملًا لعبء تاريخي وثقافي مختلف؟
- أم هي لعنة تصيب نظرة المصريين للخواجة، تلك النظرة المتأرجحة بين الانبهار والريبة، بين
- الامتنان والشك؟ الرواية، على ما يبدو، تتنقل في هذه المنطقة الرمادية المعقدة، مستخدمة شخصية
- دانينوس كنموذج، وربما شخصيات أخرى، لاستكشاف هذا الجدل المستمر حول الهوية والانتماء
- والآخر في السياق المصري. المقتطف المنشور من الرواية، الذي يصف دانينوس وهو يراقب نساءً
- يؤدين طقوسًا غريبة قرب موقع الحفائر، يعزز هذا الإحساس بالغموض والدهشة والتقاء العوالم
- المختلفة الذي يبدو سمة أساسية في العمل.
**البناء الفني والمعرفي**

يشيد إبراهيم عبد المجيد بقدرة الرواية على تحويل "الكم الهائل من المعرفة والمعلومات والوثائق والتاريخ" إلى "لبنات بناء فني فائق الروعة".
هذا هو التحدي الأكبر أمام أي عمل يرتكز على مادة تاريخية غنية؛ كيف يمكن للمعلومة أن تخدم الفن دون أن تطغى عليه؟ كيف يمكن للوثيقة أن تتنفس داخل السرد الروائي دون أن تحوله إلى مجرد تقرير؟ يبدو أن وائل السمري، بفضل أدواته الشعرية والصحفية.
- قد نجح في تحقيق هذه المعادلة الصعبة. الإشارة إلى "ابتكارات في النص أو المشهدية أو اللغة" وأن
- الرواية تتحرك "بين عالمين"، توحي ببنية سردية غير تقليدية، ربما تتنقل بين الماضي والحاضر، أو
- بين الواقع والمتخيل، أو بين المنظور المصري ومنظور "الخواجة". المسحة الشاعرية التي تتردد
- في السرد، كما يذكر المقال، تساهم بلا شك في إضفاء بُعد إنساني وجمالي على المادة التاريخية،
- وتحويل الشخصيات من مجرد أسماء في سجلات التاريخ إلى كائنات
حية تتنفس وتتألم وتحلم.
**الأهمية والدلالة**
.jpeg)
بعيدًا عن القوالب
الجاهزة والأحكام المسبقة. من خلال تسليط الضوء على شخصية مثل دانينوس ودور
الأجانب بشكل عام، تساهم الرواية في تقديم سردية تاريخية أكثر تركيبًا وتعددية، تعترف
بالإسهامات المنسية وتستكشف الديناميكيات المعقدة للهوية المصرية في تفاعلها مع
الثقافات الأخرى. إنها دعوة للبحث عن الدهشة ليس فقط في الآثار القديمة، بل في
القصص الإنسانية والتاريخية التي شكلت مصر المعاصرة.
- كونها الرواية الأولى لوائل السمري، فإنها تبدو وكأنها عمل كاتب مخضرم، كما لاحظ عبد المجيد،
- مما يضع توقعات عالية لأعماله المستقبلية. إن القدرة على الجمع بين البحث المعمق، والرؤية الفنية،
- واللغة
الجذابة، في عمل بهذا الحجم والعمق، يعد إنجازًا لافتًا.
في الختام
،
يمكن القول إن "لعنة الخواجة" ليست مجرد رواية تاريخية، بل هي مشروع طموح لإعادة بناء الذاكرة وتقديم فهم أعمق للتاريخ المصري المعاصر من خلال عدسة فنية ومعرفية.
إنها رواية تعد القارئ برحلة
مدهشة ومثيرة للتفكير، تغوص في أغوار الماضي لتضيء الحاضر وتطرح أسئلة جوهرية حول
الهوية، الذاكرة، وعلاقتنا بالآخر وبالتاريخ نفسه. إنها بالفعل "إبحار على
ضفاف التاريخ بحثاً عن الدهشة"، ويبدو أنها نجحت في العثور عليها وتقديمها
للقارئ في قالب فني رفيع.
أسئلة وأجوبة عن راوية لعنة الخواجة
.jpeg)