recent
أخبار ساخنة

## كنز غونتر غراس المكتشف: تأملات في الجمال الخالد لمنحوتة أوتا فون ناومبورغ

الحجم
محتويات المقال

 

## كنز غونتر غراس المكتشف: تأملات في الجمال الخالد لمنحوتة أوتا فون ناومبورغ

 

يُعدّ الكاتب الألماني غونتر غراس (1927-2015)، الحائز على جائزة نوبل في الآداب، قامة أدبية وفنية شامخة تركت بصمة لا تُمحى في المشهد الثقافي العالمي. وبينما يُعرف في المقام الأول برواياته الملحمية، مثل ثلاثية دانتسيغ الشهيرة ("الطبل الصفيح"، "القط والفأر"، "أعوام الكلاب")، التي تمزج بين الواقعية السحرية والنقد الاجتماعي اللاذع والتنقيب العميق في التاريخ الألماني، فإن إرثه يمتد ليشمل الشعر والمسرح والرسم والنحت.


يُعدّ الكاتب الألماني غونتر غراس (1927-2015)، الحائز على جائزة نوبل في الآداب، قامة أدبية وفنية شامخة تركت بصمة لا تُمحى في المشهد الثقافي العالمي. وبينما يُعرف في المقام الأول برواياته الملحمية، مثل ثلاثية دانتسيغ الشهيرة ("الطبل الصفيح"، "القط والفأر"، "أعوام الكلاب")، التي تمزج بين الواقعية السحرية والنقد الاجتماعي اللاذع والتنقيب العميق في التاريخ الألماني، فإن إرثه يمتد ليشمل الشعر والمسرح والرسم والنحت.
## كنز غونتر غراس المكتشف: تأملات في الجمال الخالد لمنحوتة أوتا فون ناومبورغ

 ومؤخراً، كُشف النقاب عن كنز أدبي مخفي ضمن محفوظاته الأرشيفية: مخطوطة غير منشورة تحمل عنواناً لافتاً هو "اتخاذ الوضعية" (Die Haltung einnehmen)، تمثل تأملاً فنياً وأدبياً عميقاً في إحدى روائع النحت القوطي الألماني.

تدور المخطوطة، التي يُعتقد أنها كُتبت في فترة قريبة من سقوط جدار برلين ولكنها لم تُنشر ضمن أعماله المعروفة،

 حول منحوتة الأميرة أوتا فون ناومبورغ، الموجودة في كاتدرائية ناومبورغ بشرق ألمانيا. هذه المنحوتة، التي أُنجزت بين عامي 1243 و1249 على يد فنان مجهول يُعرف بـ "معلم ناومبورغ"، أسرت لبّ غراس خلال زيارة قام بها للمنطقة برفقة زوجته أوتا – التي تحمل الاسم نفسه للأميرة المنحوتة – قبيل التحولات التاريخية التي عصفت بألمانيا.

**رحلة في الزمن والفن**

 


## كنز غونتر غراس المكتشف: تأملات في الجمال الخالد لمنحوتة أوتا فون ناومبورغ

يروي غراس في نصه تفاصيل زيارته لألمانيا الشرقية، بدعوة رسمية بدت له كرحلة إلى الماضي. يصف الترقب، والمماطلات البيروقراطية للحصول على التأشيرة، ثم الانطلاق في مسار محدد عبر مدن تاريخية مثل ماغديبورغ، هاله، إرفورت، ويينا، وصولاً إلى ناومبورغ. كانت هذه الرحلة بمثابة مواجهة مع طبقات التاريخ المتراكمة، حيث بدت آثار العصور الوسطى القوطية تتآكل، بينما الحاضر الاشتراكي نفسه بدأ يتحول إلى تاريخ قيد التشكل.

 

  • في كاتدرائية ناومبورغ المهيبة، وجد غراس نفسه وجهاً لوجه أمام مجموعة فريدة من التماثيل بالحجم
  •  الطبيعي تمثل مؤسسي الكاتدرائية والمتبرعين لها. ومن بين هذه التماثيل الاثني عشر، برزت منحوتة
  •  أوتا بجمالها الهادئ وسكينتها الأبدية. لم تكن هذه المنحوتة مجرد تمثال حجري، بل كانت تجسيداً حياً
  •  لروح عصرها، وقد اعتبرها مفكرون كبار مثل أندريه مالرو وأومبرتو إيكو أيقونة للجمال الأنثوي
  •  في العصور الوسطى.

 

**وصف المنحوتة مزيج من الفن والأدب**

 


## كنز غونتر غراس المكتشف: تأملات في الجمال الخالد لمنحوتة أوتا فون ناومبورغ

يتجلى في نص غراس إتقانه المزدوج للكتابة والفنون البصرية. 

يقدم وصفاً دقيقاً وحساساً للمنحوتة، مستخدماً لغة أدبية غنية تشبه، كما يلاحظ المقال الأصلي، "موجة ترتفع، تزبد، تبدو وكأنها على وشك الانكسار قبل أن تتدحرج على نفسها وتندفع نحو الموجة التالية". يصف ملامح أوتا النبيلة: الأنف الدقيق، الفم الصغير الذي يوحي بالحزم، النظرة الصافية المتجهة نحو المذبح، التاج المرصع بالجواهر فوق وشاح الرأس التقليدي للنساء المتزوجات، والمعطف الشتوي الأحمر المبطن بالفرو الذي يضفي عليها وقاراً وجلالاً. 

يتوقف عند الحركة الأنيقة والمتحفظة ليدها اليمنى المختبئة تحت المعطف تلامس عنقها، واليد اليسرى ذات الأصابع النحيلة التي تمسك بطرف المعطف المرفوع.

 

  1. لا يكتفي غراس بالوصف الظاهري، بل يغوص في دلالات المنحوتة. يتأمل براعة "معلم ناومبورغ"
  2.  في تجسيد الشخصية الإنسانية بتفاصيل دقيقة، وفي التمييز بين ملمس الأقمشة المختلفة، وفي وضع
  3.  هذه الشخصيات العلمانية البارزة داخل فضاء الكنيسة المقدس، وهو أمر غير مألوف في التقليد
  4.  القوطي الذي ركز على الشخصيات الدينية.

 

**أبعد من الحجرالهوية والتاريخ**

 

كما هو الحال في معظم أعمال غراس، لا تخلو هذه المخطوطة من طرح أسئلة أعمق حول الهوية والتاريخ والسياسة.

 تصبح منحوتة أوتا نقطة انطلاق لرحلة تأملية عبر الزمن، تربط بين العصور الوسطى، والواقع السياسي لألمانيا المقسمة، والذاكرة الشخصية للكاتب. يرى في سكينتها وصمودها عبر القرون رمزاً يتجاوز مجرد الجمال الجسدي، ليلامس قضايا الهوية الألمانية وصراعاتها المستمرة التي طالما شكلت محور اهتمامه الأدبي والفكري.

 

  • إن هذا النص، وإن كان قصيراً نسبياً (حوالي 96 صفحة)، يُعد إضافة قيّمة لمجمل أعمال غونتر
  •  غراس. يكشف عن جانب آخر من اهتماماته الفنية، ويقدم مثالاً رائعاً على قدرته على مزج الملاحظة
  •  الدقيقة بالتحليل العميق، والسرد التاريخي بالتأمل الشخصي، والجدية بالسخرية أحياناً. يرجح
  •  الباحثون أن غراس ربما كتب هذا النص كجزء من سيرته الذاتية "قشور البصل" ثم قرر عدم نشره،
  •  ليُعاد اكتشافه اليوم مصحوباً برسومات حجرية من إبداعه، مما يؤكد على تلاحم موهبتيه الأدبية
  •  والفنية.

 الختام

يشكل كتاب "اتخاذ الوضعية" دعوة لإعادة اكتشاف ليس فقط هذه المنحوتة القوطية الاستثنائية، بل أيضاً لإعادة قراءة أعمال غونتر غراس بعين جديدة، تدرك عمق انغماسه في الفن والتاريخ كمفاتيح لفهم الحاضر وتعقيداته. إنه شهادة على إيمان غراس الراسخ بأن الفن والثقافة هما الجسر الذي يمكن أن يوحد الشعوب ويعيد التوازن، وأن دور المثقف هو أن يظل يقظاً، كالحارس، يراقب الأخطار ويضيء دروب الفهم، حتى لو كان ذلك بإزعاج راحة الآخرين. إنها متعة أدبية وفنية خالصة، ونافذة ثمينة على عقل وقلب أحد عمالقة الأدب في القرن العشرين.



## كنز غونتر غراس المكتشف: تأملات في الجمال الخالد لمنحوتة أوتا فون ناومبورغ

google-playkhamsatmostaqltradent