## تحليل معمق لرواية "دانتي يلعب النرد" للدكتور وليد عبد الصبور: صراع العصر الحديث بين القوة الفردية والهيمنة العالمية
**مقدمة**
في مشهد الأدب العربي المعاصر، تبرز رواية "دانتي
يلعب النرد" للدكتور وليد عبد الصبور كعمل طموح يغوص في أعماق الصراعات الإنسانية
الأزلية، ولكنه يضعها في إطار مستقبلي مثقل بتحديات التكنولوجيا المفرطة والأوبئة
المصطنعة. لا تكتفي الرواية بسرد حكاية مشوقة، بل تطرح تساؤلات فلسفية عميقة حول
طبيعة السلطة، إمكانية التغيير، ومصير الإنسان في مواجهة قوى تبدو عصية على
الهزيمة. من خلال عنوانها المستفز وشخصيتها المحورية الغامضة، تدعونا الرواية
لاستكشاف عالم يترنح على حافة الهاوية، حيث يُلقى بالنرد لتحديد مصير البشرية.
![]() |
## تحليل معمق لرواية "دانتي يلعب النرد" للدكتور وليد عبد الصبور: صراع العصر الحديث بين القوة الفردية والهيمنة العالمية |
**الشخصية المحورية نقيض سبارتاكوس وتجسيد لقوة العصر**
.jpeg)
تنطلق الرواية من مقارنة لافتة بين بطلها المجهول الاسم وبين سبارتاكوس، قائد ثورة العبيد الشهيرة.
إلا أن هذه المقارنة
تأتي لتؤكد التناقض الجذري بينهما أكثر من التشابه. فبينما كان سبارتاكوس يمثل
المستضعفين، "سيد الحفاة العراة" الذي قاد تمرداً من أجل الحرية الأساسية،
يقف بطل "دانتي يلعب النرد" على النقيض تماماً. إنه ليس من رحم
المعاناة، بل هو نتاج عصر التكنولوجيا الفائقة والثروات اللامحدودة.
- تصف الرواية هذا الرجل بأنه بلغ "ما لم يبلغه بشر من الثروة والقوة". لم يعد التحدي هنا مدفوعاً
- باليأس أو الحاجة، بل ربما بشعور بالمسؤولية، أو ربما بغطرسة موازية لتلك التي يتحدىها. إنه يمتلك
- إمبراطورية صناعية عملاقة، لا تنتج السلع الاستهلاكية، بل أسلحة المستقبل: "مسيرات وطوافات
- خارقة" قادرة على إزعاج، بل وتهديد، "مخادع الدول العظمى". هذا التحول في طبيعة المتمرد –
- من قائد شعبي إلى قطب تكنولوجي فاحش الثراء – يعكس تحولات القوة في عالمنا المعاصر، حيث
- يمكن للفرد، مدعوماً بالتكنولوجيا ورأس
المال، أن يمتلك نفوذاً كان حكراً على الدول.
**العالم الموبوء خلفية الصراع ومحركه**
.jpeg)
لا يدور صراع البطل في فراغ، بل في عالم منكوب بـ"وباء جديد من صنع الإنسان"، يُطلق عليه اسم "وباء العلم الأسود".
هذه التسمية وحدها تحمل دلالات خطيرة، مشيرة إلى أن العلم، الذي يُفترض أن يكون
منارة للتقدم، قد تحول إلى أداة للدمار والسيطرة. هذا الوباء ليس مجرد كارثة صحية،
بل هو نظام حكم جديد، آلية للسيطرة والهيمنة تُحكم بها "القوة المتغطرسة"
قبضتها على العالم.
- يفتح هذا الإطار الباب أمام استكشاف مواضيع حساسة: أخلاقيات التقدم العلمي، مسؤولية العلماء
- استخدام الكوارث كأدوات سياسية، وتآكل الحريات الفردية تحت ستار الحماية من خطر داهم. العالم
- الذي ترسمه الرواية هو عالم ديستوبي بامتياز، حيث التقنية التي أبدعها الإنسان ارتدت عليه، وأصبح
- الخوف هو العملة السائدة.
**صدى التاريخ ولعبة النرد**

على الرغم من الاختلاف الجوهري بين البطل وسبارتاكوس، فإن الرواية تصر على استحضار هذا الصدى التاريخي.
السؤال المحوري:
"هل ينجح فيما فشل فيه سيد العبيد أم يُعيد التاريخ نفسه؟" يضع البطل
المعاصر في مواجهة إرث الفشل التاريخي للثورات ضد الأنظمة القمعية. هل القوة التكنولوجية
والثروة الهائلة كافيتان لتغيير هذه المعادلة؟
- هنا يأتي دور العنوان "دانتي يلعب النرد". الإشارة إلى دانتي أليغييري، صاحب "الكوميديا الإلهية"
- قد توحي برحلة البطل عبر جحيم هذا العالم الموبوء، أو ربما بطموحه لتغيير النظام الإلهي (أو
- العالمي) القائم. أما "لعب النرد"، فهو استعارة قوية للمخاطرة، للحظ، ولعدم اليقين الذي يكتنف
- محاولته. إنه لا يخوض حرباً تقليدية بحسابات مضمونة، بل يرمي نرد مصيره ومصير العالم في
- لعبة خطرة ضد قوى هائلة، تماماً كما يُقال إن قيصر
ألقى النرد عند عبوره الروبيكون.
**الأبعاد الفلسفية والتشويقية**
تتجاوز "دانتي يلعب النرد" كونها مجرد
رواية خيال علمي أو إثارة سياسية. إنها تطرح أسئلة وجودية حول معنى القوة، حدود
الطموح البشري، وإمكانية الخلاص الفردي والجماعي. هل يمكن لفرد واحد، مهما بلغت
قوته، أن يهزم نظاماً عالمياً فاسداً ومتجذراً؟ وهل دوافعه نبيلة حقاً، أم أنها
مجرد صراع على السلطة والنفوذ بأدوات جديدة؟ وما هو الثمن الذي يجب دفعه في سبيل
التغيير؟
- من المتوقع أن تمزج الرواية بين الإيقاع المتسارع للأحداث، والمشاهد المذهلة التي تتيحها تكنولوجيا
- المستقبل (المسيرات والطوافات الخارقة)، وبين العمق الفكري والنفسي للشخصيات والصراع. إنها
- دعوة للتفكير في حاضرنا ومستقبلنا، في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتهديدات البيئية
- والسياسية التي نواجهها.
**خاتمة**
تقدم رواية "دانتي يلعب النرد" للدكتور وليد عبد الصبور فرضية جذابة ومقلقة: تحدي فرد يتمتع بقوة تكنولوجية وثروة غير مسبوقة لنظام عالمي متغطرس يحكمه وباء مصطنع. عبر استحضار شبح سبارتاكوس وطرح معضلة لعب النرد مع المصير، تعد الرواية برحلة مثيرة في عالم مستقبلي قاتم، لكنها في الوقت نفسه.
هي مرآة تعكس مخاوفنا وتساؤلاتنا الملحة حول مسار البشرية في القرن
الحادي والعشرين. يبقى السؤال معلقاً، منتظراً القارئ ليكتشف ما إذا كان نرد دانتي
سيأتي بالخلاص أم بتكرار مأساة التاريخ.
.jpeg)