recent
أخبار ساخنة

## الكتابة تشفي: صدمات الحروب والأدب – استكشاف نايلة شدياق لقوة الكلمة في مواجهة المحن

الصفحة الرئيسية

 

 

## الكتابة تشفي: صدمات الحروب والأدب – استكشاف نايلة شدياق لقوة الكلمة في مواجهة المحن

 

في عالم يعج بالصراعات والأزمات، يبقى السؤال الأبدي يتردد صداه: هل تمتلك الكلمات القدرة على مداواة جراح النفس العميقة، وهل يمكن للكتابة أن تكون بمثابة مرهم شافٍ للقلوب المثقلة بالهموم؟ هذا التساؤل الجوهري هو ما تسعى الدكتورة نايلة شدياق، المتخصصة في علم النفس العيادي اللبنانية الفرنسية، إلى استكشافه في كتابها "الكتابة تشفي: صدمات الحرب والأدب" (منشورات أوديل جاكوب، باريس 2025).


في عالم يعج بالصراعات والأزمات، يبقى السؤال الأبدي يتردد صداه: هل تمتلك الكلمات القدرة على مداواة جراح النفس العميقة، وهل يمكن للكتابة أن تكون بمثابة مرهم شافٍ للقلوب المثقلة بالهموم؟ هذا التساؤل الجوهري هو ما تسعى الدكتورة نايلة شدياق، المتخصصة في علم النفس العيادي اللبنانية الفرنسية، إلى استكشافه في كتابها "الكتابة تشفي: صدمات الحرب والأدب" (منشورات أوديل جاكوب، باريس 2025).
## الكتابة تشفي: صدمات الحروب والأدب – استكشاف نايلة شدياق لقوة الكلمة في مواجهة المحن

تستند شدياق، التي أسست منذ عام 1999 ورش الكتابة العلاجية في أحد أكبر المستشفيات في باريس، إلى خبرتها العميقة في مجال علم النفس، بالإضافة إلى شغفها بالأدب، لتقدم لنا تحليلاً دقيقاً ومؤثراً لكيفية استخدام الكتابة كأداة قوية للتعافي من الصدمات النفسية التي تخلفها الحروب والمحن.

 

**الكتابة فعل حياة إعادة تعريف العلاقة بين الأدب والنفس**

 

لا تنظر شدياق إلى الأدب بوصفه مجرد ترفيه أو وسيلة للتعبير عن المشاعر، بل تعتبره "فعل حياة" وبداية لوجود جديد، وتحرر من قيود التعثرات النفسية. فالكتابة، في رأيها، ليست مجرد مهارة أو هواية، بل هي عملية ذهنية معقدة تتطلب تفكيراً عميقاً وتحليلاً ذاتياً، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحول حقيقي على الصعيد النفسي.

 

  • تؤكد شدياق أن الأدب هو بمثابة "مخاض وولادة نفسية"
  •  حيث تمنح القصص والسرديات والكلمات شكلاً ملموساً 
  • للاضطرابات النفسية التي تتركها الحروب في النفوس.
  •  ومن هذا المنطلق، تصبح الكتابة سبيلاً لتطهير النفس 
  • من الخوف والصدمات، وهو مفهوم يعود بنا إلى أرسطو
  •  وتفسيره لمفهوم "كاثارسيس" أو التطهير 
  • حيث يمثل الأدب تغيراً حاداً في العاطفة يؤدي إلى تنقية النفس 
  • من المشاعر الزائدة وتجديدها، مما يخفف عنها العبء 
  • ويمنحها الراحة ويستعيد صحتها النفسية.

 

تستشهد شدياق بتجربة الكاتب والمفكر الفرنسي تزفتان تودوروف، الذي أقر بأن الأدب أعطى شكلاً لأحاسيسه وساعده على تغيير نفسه من الداخل، وفتح أمامه آفاقاً جديدة للتفاعل مع الآخرين.

 

**الحرب والكتابة سرديات الألم في مواجهة العنف**

 

يخصص القسم الأول من الكتاب لاستكشاف العلاقة المعقدة بين الحرب والكتابة، وهو نتاج تفكير عميق في الصدمة النفسية وارتباطها بالموت. تستند شدياق في هذا القسم إلى قراءات متنوعة وتجارب عيادية وشخصية اكتسبتها من خلال تعاملها مع الناجين من الاعتداءات الإرهابية وعمليات الاختطاف منذ عام 1995، بالإضافة إلى خبرتها الإكلينيكية في قسم الأمراض النفسية والدماغية في مستشفى سانت آن في باريس.

 

  1. تحاول شدياق في هذا القسم الإجابة عن سؤالين محوريين
  2.  لماذا نكتب أثناء الحرب؟ ولماذا لا نكتب الشيء نفسه في زمن السلم؟
  3.  وكأن الكتابة في زمن الحرب تتخذ أشكالاً مختلفة وتستجيب لدوافع مختلفة.

 

تلاحظ شدياق أن الإنسان في زمن الحرب يميل أكثر إلى كتابة المذكرات والنصوص الأقرب إلى السيرة الذاتية أو اليوميات التي تواكب أحداث الحرب التي يعيشها، كما يتجه إلى كتابة القصائد والرسائل والروايات والمسرحيات التي تعبر بصورة خاصة عن الغضب والضيق والألم والعذاب والسوداوية، وأحياناً عن الآمال المهدورة على مذبح العنف والنزاعات والاضطرابات ورائحة الموت وصور الدم والجرحى والقتلى.

 

تؤكد شدياق

 أن هذه الكتابات تكشف لنا عن حقيقة مؤلمة، وهي أن بعض الأحداث التاريخية على قباحتها قد تلهم أعمالاً أدبية عظيمة. وهنا تطرح شدياق السؤال: متى نكتب؟ أأثناء وقوع الحدث أم بعده بوقت طويل؟

 

توضح شدياق أن الإجابة 

عن هذين السؤالين ترتبط بنوع الكتابة الأدبية. فإذا كنا نتحدث عن المذكرات، فالكتابة التوثيقية تكون يومياً. وتستشهد بتجربة الشاعر والقاص والكاتب المسرحي والروائي والناقد الفني غيوم أبولينير، الذي تطوع في الجيش الفرنسي بعد يومين من إعلان الحرب العالمية الأولى وكان من جرحاها، حيث كتب مشاهداته وذكرياته في الخنادق تحت وابل نيران العدو على علب السجائر.

 

  • في المقابل، كتب بريمو ليفي تجربته في معسكر الاعتقال مباشرة
  •  بعد وقوعها، بينما لم يتمكن خورخي سمبرون
  •  من وضع كتابه "الكتابة أو الحياة" الذي روى فيه معاناته 
  • في معسكرات الاعتقال إلا بعد مضي 15 عاماً على تجربته الأليمة
  •  معترفاً أن الأمر لم يكن متعلقاً بالجرأة على الحديث عن تجربته
  • بل بمعرفة كيف يمكنه التعبير عنها.

 

**تخصيص وقت للتعبير تجاوز المشاعر السلبية في حقبات التأزم**

 

تؤكد نايلة شدياق على أهمية تخصيص وقت للتعبير عن المشاعر في حقبات التأزم، حيث يساعد ذلك على تجاوزها وتجاوز آثارها السلبية. وتستشهد بتجربة بليز سندرار، الذي تطوع في الحرب العالمية الأولى في الجيش الفرنسي وأُصيب بجروح خطرة أدت إلى بتر ذراعه اليمنى وتسريحه من الخدمة، وقد كتب عن هذه التجربة روايةً بعنوان "اليد المبتورة"، مكنته من تقبّل وضعه وتخطي أوجاعه والتعافي قدر المستطاع من الاكتئاب والعذابات النفسية.

 

  • تشير شدياق إلى أن معايشتها للحرب اللبنانية 
  • جعلتها تدرك أن الحرب تلامسها شخصياً ومهنياً
  •  وأنها الموضوع الثابت في كل كتاباتها الشعرية.
  •  ومن خلال تأملها في المجتمع
  •  وفي تطور الأعراض العصابية والذهانية التي عاينتها في عيادتها
  •  تفكرت شدياق في كيفية مواجهة هذه التغيرات، لا سيما في زمن الحروب.

 

وجدت شدياق أن الأدب

 هو بمثابة جدار في وجه الانهيار، وأن الكتابة الأدبية هي وسيلة للكشف عما يختلج في أعماق النفس. لذلك، تقترح على مرضاها اللجوء إلى الكتابة يومياً ولو لبضع دقائق، لأن الكتابة ممكنة في أي مكان، حتى في الملاجئ أو في داخل دبابة، في حين أن أشكال التعبير الفني الأخرى قد لا تكون متاحة دوماً، بينما الورقة والقلم هما رفيق دائم.

 

**القراءة والكتابة توازن ضروري للتعافي**

 

تدافع نايلة شدياق في كتابها عن القراءة، التي تفتح الآفاق وتوسع المدارك، وتقابل بينها وبين الكتابة، التي تستوجب العزلة والتركيز الذاتي، مؤكدة ضرورة الجمع بينهما. وتقدم شدياق أنماطاً مختلفة من الكتابة التي يختار منها كل شخص ما يناسبه، وتتحدث عن تجربة الصحافية والكاتبة البيلاروسية الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 2015، سفيتلانا أليكسييفيتش، التي رصدت أهوال الحروب المختلفة التي عاصرتها.

  1.  فجمعت شهادات مئات الجنود والرجال والنساء
  2.  الذين وقفوا على جبهات الحرب العالمية الثانية بوجه ألمانيا النازية
  3.  وأولئك الذين شاركوا في الحروب المختلفة
  4.  التي خاضها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان ومحاولات الانتحار
  5.  التي تسبب فيها انهياره، ناقلة ذكريات شخصية
  6.  لأناس عاصروا هذه المعارك البغيضة وعايشوا قباحاتها.
  7.  كما تتحدث عن تجربة الكاتب المسرحي والمخرج 
  8. والمترجم الكندي اللبناني وجدي معوض.

 

**الكتابة كأداة للشفاء العودة إلى الذات في مواجهة الظلام**

 

باختصار، يدافع كتاب نايلة شدياق عن فكرة أن الكتابة توسع الآفاق وتجعل التفكير أكثر مرونة، وأن الإنسان كلما كتب بأساليب أدبية مختلفة، زادت قدرته على التفكير من زوايا عدة، بدلاً من دورانه في حلقة مفرغة من العجز والإحباط، وأن الخيال الأدبي بإمكانه أن يكون أحد السبل في الوصول إلى حلول لمشكلاتنا النفسية، لم نكن لنصل إليها بمفردنا.

 

  • تؤكد شدياق أن الأوقات السوداء ليست أبدية
  •  وأن الشفاء من صدمات الحرب يحتاج إلى العودة إلى الذات
  •  علماً أن الكتابة ليست كافية للشعور بالتحسن
  •  بل هي الخطوة الأولى على طريق العلاج
  •  تشبه إزالة الضمادة عن جرح عميق يستوجب في ما بعد العلاج المتخصص.

 

يتناول كتاب نايلة شدياق، بعد وصفه سمات الصدمات السيكولوجية، مسألة إعادة بناء الذات، مشدداً على أطروحة تستند إلى أفكار المحلل النفسي المجري شاندور فيرينتزي، مفادها أن الشخص الذي يريد الشفاء والتعافي، عليه أن يبدأ أولاً بسرد صدمته، لينتقل لاحقاً إلى الكتابة عن أمور أخرى.

 

يؤكد الكتاب كذلك ضرورة تخصيص وقت للكتابة

 من أجل الاهتمام بالذات، مذكراً قراءه أنه مع اندلاع الحروب في كل مكان، لا يزال بإمكان الإنسان الصمود، فالفكر ثابت، ولكي نحافظ عليه، علينا أن نقرأ ونكتب. فالكتابة وسيلة دعم فعالة ليس فقط أثناء الحروب، بل في حياتنا اليومية، حيث تساعدنا على فهم بعض الأحداث الشخصية والنفسية وعلى ترتيب ما في عقلنا وقلبنا من خلال تسمية ووصف مشاعرنا وإعادة تنظيم أفكارنا ومواقفنا من خلال صياغتها في جمل وحكايات.

 

في الختام

 يقدم كتاب "الكتابة تشفي: صدمات الحرب والأدب" إضافة قيمة للمكتبة النفسية والأدبية، حيث يقدم لنا رؤية متعمقة لكيفية استخدام الكتابة كأداة قوية للتعافي من الصدمات النفسية التي تخلفها الحروب والمحن. إنه دعوة إلى استكشاف قوة الكلمة وقدرتها على شفاء جراح النفس وإعادة بناء الذات في مواجهة الظلام.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent