## "رفيف الفراشة" لزهير كريم: سيمفونية الأحلام الضائعة في متاهات الذاكرة والزمن
في رحاب الأدب الروائي
الحديث، تبرز أسماء تسعى جاهدة إلى تقديم رؤى جديدة، وتجارب سردية تلامس أعماق
الوجدان الإنساني، وتعيد صياغة مفهومنا للزمن والذاكرة والحب. ومن بين هذه
الأسماء، يتربع الروائي العراقي زهير كريم، الذي يقدم لنا في روايته الجديدة "رفيف
الفراشة" (الصادرة عن دار العين بالقاهرة) عملاً أدبياً فريداً، يجمع بين
براعة الحكي وعمق التأمل، ليغوص بنا في عالم من الأحلام الضائعة، والعلاقات
الممزقة، والتساؤلات الوجودية التي لا تنتهي.
## "رفيف الفراشة" لزهير كريم: سيمفونية الأحلام الضائعة في متاهات الذاكرة والزمن |
"رفيف الفراشة"
ليست مجرد رواية، بل هي تجربة سردية متعددة الطبقات، تتجاوز حدود القوالب
التقليدية، وتدعونا إلى إعادة النظر في علاقتنا بالزمن، وكيف يمكن للذاكرة أن تشكل
هويتنا وتوجه مسار حياتنا. يتبنى كريم في روايته أسلوباً جريئاً في كسر الخطية
الزمنية، وتقديم شخصياته وأحداثه بطريقة متداخلة، تخلق جواً من الغموض والتشويق،
وتجعل القارئ شريكاً فاعلاً في عملية استكشاف المعنى.
**بنية سردية متقنة: رواية داخل رواية، والمؤلف كشخصية فاعلة**
تعتمد الرواية على بنية
سردية معقدة، تقوم على فكرة "رواية داخل رواية"، حيث يظهر المؤلف زهير
كريم بشخصيته الحقيقية كجزء من العمل، لا كمجرد راوٍ للأحداث. تبدأ القصة في مدينة
طرابلس الليبية، حيث يقيم زهير في غرفة كان يشغلها شاب عراقي في السابق. يجد زهير
تحت السرير حقيبة قديمة، تحتوي على لفيفة تضم أربعين صفحة مكتوبة، تحمل اعترافاً
من كاتبها بالتنازل عن ملكيتها. هذه اللفيفة هي بمثابة الشرارة التي تشعل فتيل الأحداث،
وتنطلق منها رحلة المؤلف في إعادة صياغة هذه الأوراق، وتحويلها إلى روايته الخاصة.
- من خلال هذه البنية المبتكرة، يخلق كريم مساحة واسعة
- للتلاعب بالزمن والشخصيات
- ويقدم لنا قصة "كامل"، طالب الهندسة الطموح
- الذي يحلم ببناء منزله الخاص
- ويجسد هذا الحلم في نموذج (ماكيت) دقيق.
- لكن هذا الماكيت، الذي يمثل حلم كامل، يتحطم
- تماماً كما تتحطم قصة حبه لـ"حنان"
- الفتاة التي دفعته إلى المشاركة في توزيع منشورات سياسية محظورة.
**كامل وحنان طيفان يبحثان عن لحظة هناء مفقودة**
شخصية "كامل"
هي محور الرواية، فهو يمثل الشاب العراقي الذي يحمل في قلبه حباً كبيراً لوطنه،
وطموحاً لا حدود له في تحقيق أحلامه. لكن الظروف السياسية القاسية، والتحديات
الاجتماعية المعقدة، تقف حائلاً دون تحقيق هذه الأحلام. يتحول حلم كامل إلى كابوس،
ويجد نفسه وحيداً، منبوذاً من عائلته ومجتمعه، ومحروماً من مستقبله.
على الرغم من هذه
التجارب القاسية، يتمسك كامل بقضيتين أساسيتين: إخلاصه للفن المعماري، وحبه العميق
لحنان. يستمر كامل في حب حنان حتى بعد مرور عشرين عاماً على فراقهما، وهي الفترة
التي قضاها بعيداً عن عائلته، قبل أن يستقر في طرابلس.
- شخصية "حنان" لا تقل أهمية عن شخصية كامل
- فهي تمثل صوت المرأة العراقية
- التي تعاني من القيود الاجتماعية والسياسية
- وتحلم بالحرية والمساواة. تتناوب الشخصيتان، كامل وحنان
- على السرد، لتقديم وجهات نظر مختلفة حول الأحداث
- وكشف جوانب خفية من الحكاية. إنهما طيفان، أو حلمان
- يبحثان عن لحظة هناء لا تجيء
- يمثلان الأمل واليأس، الفرح
والحزن، الحياة والموت.
**خلخلة الزمن وتداخل الماضي والحاضرسيمفونية الذاكرة**
تتميز رواية "رفيف
الفراشة" بقدرتها الفائقة على خلخلة مفهوم الزمن، وتقديم الماضي والحاضر
بطريقة متداخلة، تخلق جواً من الحنين والاشتياق. لا تتبع الرواية ترتيباً زمنياً
خطياً، بل تنتقل بين الأزمنة المختلفة، وتجمع بين الذكريات والتخيلات، لخلق صورة
بانورامية عن حياة الشخصيات.
- يعكس هذا الأسلوب السردي حالة الذاكرة الإنسانية
- التي لا تعمل بترتيب منطقي، بل تستعيد الذكريات بشكل عشوائي
- وتخلط بين الماضي والحاضر، وتضيف إلى الأحداث تفاصيل جديدة
- أو تحذف منها أخرى. من خلال هذا التلاعب بالزمن
- يسعى كريم إلى إبراز تأثير الماضي على الحاضر
- وكيف يمكن للأحداث القديمة أن تشكل هويتنا وتوجه مسار حياتنا.
**لغة شعرية وأسلوب سردي متألق جماليات التعبير**
تتميز رواية "رفيف
الفراشة" بلغة شعرية وأسلوب سردي متألق، يعكس حساسية المؤلف، وقدرته على
التعبير عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية العميقة. يستخدم كريم لغة بسيطة وواضحة،
لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات. يعتمد المؤلف على الصور
البلاغية، والاستعارات، والتشبيهات، لخلق صور حية في ذهن القارئ، وجعله يشعر وكأنه
يعيش الأحداث بنفسه.
- يتميز الأسلوب السردي لكريم بالمرونة والانسيابية
- حيث ينتقل بسلاسة بين وجهات النظر المختلفة
- ويستخدم تقنيات سردية متنوعة، مثل الحوار
- والوصف، والتأمل
- لخلق إيقاع متوازن، وجعل
القراءة تجربة ممتعة ومثيرة.
**قضايا إنسانية واجتماعية مرآة للواقع العراقي**
لا تقتصر رواية "رفيف
الفراشة" على مجرد سرد قصة حب ضائعة، بل تتناول أيضاً العديد من القضايا
الإنسانية والاجتماعية التي تهم المجتمع العراقي، مثل:
- * **الحرية السياسية وحقوق الإنسان:** تتطرق الرواية إلى قمع الحريات السياسية في العراق، وكيف يمكن للمشاركة في الأنشطة السياسية أن تدمر حياة الأفراد وعائلاتهم.
- * **الحرب والعنف:** تعكس الرواية تأثير الحروب والصراعات على المجتمع العراقي، وكيف يمكن للعنف أن يشوه النفوس، ويدمر العلاقات الإنسانية.
- * **الهجرة والنزوح:** تتناول الرواية قضية الهجرة والنزوح، وكيف يمكن للظروف الصعبة أن تدفع الناس إلى ترك أوطانهم، والبحث عن حياة أفضل في مكان آخر.
- * **المرأة والمجتمع:** تسلط الرواية الضوء على دور المرأة في المجتمع العراقي، والتحديات التي تواجهها في تحقيق طموحاتها، والحصول على حقوقها.
**"رفيف الفراشة" عمل فني يستحق القراءة**
بشكل عام، تعتبر رواية "رفيف
الفراشة" لزهير كريم عملاً فنياً يستحق القراءة والتقدير. إنها رواية تجمع
بين براعة الحكي وعمق التأمل، وتدعونا إلى التفكير في معنى الحياة، وأهمية الحب،
وقيمة الحرية. من خلال شخصياتها وأحداثها، تقدم لنا الرواية صورة صادقة عن الواقع العراقي،
وتلامس أعماق الوجدان الإنساني.
الختام
"رفيف الفراشة"
ليست مجرد رواية، بل هي تجربة سردية فريدة، ستترك بصمة لا تمحى في ذاكرة القارئ،
وستجعله يعيد النظر في علاقته بالزمن والذاكرة والحب. إنها دعوة إلى التأمل، وإلى
البحث عن الجمال في قلب الألم، وإلى التمسك بالأمل في مواجهة اليأس.
إن "رفيف الفراشة"
تحليق إبداعي في سماء الأدب، يستحق أن يحتفي به القراء والنقاد على حد سواء.