recent
أخبار ساخنة

**"شجرة الصفصاف": نافذة على تداخل الهويات وتناقضات العصر**

الصفحة الرئيسية

 

 

**"شجرة الصفصاف": نافذة على تداخل الهويات وتناقضات العصر**

 

في صمتٍ بالغ، وبأسلوب يلامس شغاف الروح، يطل علينا الكاتب محمد المليجي بمجموعته القصصية "شجرة الصفصاف"، الصادرة عن دار "بيت الياسمين" للنشر بالقاهرة. لا يكتفي المليجي هنا بتقديم حكايات عابرة، بل يغوص في أعماق النفس البشرية، مستكشفًا جوانبها الخفية، ومسلطًا الضوءعلى صراعات الهوية في عالم متسارع الخطى.


شجرة الصفصاف
**"شجرة الصفصاف": نافذة على تداخل الهويات وتناقضات العصر**

 تأتي هذه المجموعة لتشكل إضافة نوعية للمشهد الأدبي، فهي لا تتردد في معالجة قضايا شائكة، وتقديم مقاربات جريئة للعلاقات الإنسانية المعقدة، خاصة تلك التي تتشكل على وقع التباين الثقافي والجغرافي.

 

تتنوع موضوعات المجموعة

 بين حكايات الأبناءوالآباء، وعبق الموروث الشعبي المصري، إلا أن ثمة خيطًا ناظمًا يربط بين هذه القصص، وهو ذلك التساؤل الدائم عن موقع الإنسان في هذا العالم، وعن جدلية العلاقة بين الشرق والغرب. يختار المليجي أن يتناول هذه العلاقة من زاوية إنسانية دقيقة.

  •  متجاوزًا الصور النمطية والأحكام المسبقة
  •  ليقدم لنا نماذج حية من المصريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة
  •  يصارعون تحديات الغربة، ويواجهون تداعيات الهجرة على ذواتهم وأسرهم.

 

**الغربة كمرآة تعكس الذات**

 

تتخذ الغربة في قصص المليجي بعدًا وجوديًا، فهي ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي حالة نفسية معقدة، تكشف عن هشاشة الذات وتوقها الدائم إلى الانتماء. يجسد المليجي هذه الحالة من خلال شخصياته التي تعيش فيالمهجر، وتتأرجح بين إغراءات الحداثة وجاذبية الأصالة. ففي قصة "تاجر الأقمشة".

  1.  نرى مأساة رجلٍ وجد نفسه أسيرًا لأبنائه الذين استوطنوا الغرب
  2.  وقد تلاشت سلطته الأبوية أمام سطوة المجتمع الجديد. 
  3. هنا، لا يكتفي المليجي بتصوير معاناة الأب
  4.  بل يكشف أيضًا عن التحديات التي تواجه الأبناء
  5.  في مسعاهم للتوفيق بين هوياتهم المتعددة.

 

في قصة أخرى

 يأخذنا الكاتب إلى شوارع مدينة كليفلاند، حيث تتجاور حياة الجريمة مع صخب الحياة اليومية. هنا، يضع المليجي شخصياته في مواجهة مباشرة مع واقع قاسٍ، يدفعها إلى التساؤل عن جدوى الهجرة، وعن الثمن الباهظ الذي تدفعه في سبيل تحقيق أحلامها.

  •  لا يتردد الكاتب في تصوير هذه المشاهد بواقعية مؤلمة
  • تكشف عن الجانب المظلم من الحياة في المهجر
  • وعن التحديات التي يواجهها المهاجرون في سبيل البقاء.

 

**بساطة السرد وعمق الدلالة**

 

يتميز أسلوب المليجي بالبساطة والوضوح، فهو يعتمد على لغة سلسة قريبة من لغة الحياة اليومية، لكنه في الوقت نفسه يمتلك قدرة فائقة على التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة. يتقن المليجي فن الحبكة، ويجيد بناء شخصياته بدقة متناهية.

  1.  بحيث يبدو كل منها كائنًا حيًا ينبض بالحياة.
  2.  يغوص الكاتب في أعماق شخصياته
  3. ويكشف عن خفاياها النفسية واحتياجاتها الروحانية
  4. بحيث يجد القارئ نفسه متعاطفًا معها، ومتأثرًا بمصيرها.

 

لا يكتفي المليجي بتصوير الأحداث

بل يسعى أيضًا إلى استكشاف معانيها ودلالاتها. فهو يطرح أسئلة عميقة حول الهوية والانتماء، وحول جدلية العلاقة بين الشرق والغرب، وحول طبيعة الإنسان في عالم متغير. يتجاوز الكاتب هنا حدود الواقعية، وينطلق إلى آفاق أرحب من التأمل الفلسفي، بحيث تتحول قصصه إلى مرايا تعكس لنا ذواتنا، وتدفعنا إلى التفكير في مصيرنا.

 

**نحو فهم أعمق للعلاقات الإنسانية**

 

تؤكد قصص المليجي على أن حاجات الإنسان الأساسية هي نفسها في كل مكان وزمان. فالبشر في الشرق كما في الغرب يتوقون إلى الحب والحنو والتواصل، وإلى الشعور بالانتماء والتقدير. لا تختلف حاجاتهم الروحانية مهما اختلفت ثقافتهم أو جغرافيتهم. ينجح الكاتب في أن يضعنا أمام هذه الحقيقة، من خلال مواقف إنسانية بسيطة، تعكس لنا مدى تماثل البشر في أعماقهم، ومدى حاجتهم إلى بعضهم البعض.

 

  • تأتي المجموعة القصصية "شجرة الصفصاف"
  •  لتشكل إضافة نوعية للمكتبة العربية
  •  فهي تقدم لنا رؤية متوازنة للعلاقة بين الشرق والغرب
  •  وتدعونا إلى تجاوز الأحكام المسبقة والانطلاق 
  • نحو فهم أعمق للعلاقات الإنسانية. 
  • إنها مجموعة قصصية تستحق القراءة والتأمل
  • فهي لا تكتفي بتسلية القارئ
  •  بل تدعوه إلى التفكير في العالم من حوله، وفي مكانه فيه.

 

**مقتطفات من المجموعة نافذة على عوالم المليجي**

 

يقتبس المليجي في إحدى قصصه، مشهدًا مؤثرًا يجسد لنا غربة الروح وتوقها إلى الوطن:

 

"كان الجو في شوارع مدينة لكنجستون بولاية كنتاكي ممطراً بارداً تهب فيه الرياح، قوية أحياناً ولعوباً أحياناً أخرى، فتعبث بفروع الأشجار الضخمة التي تعرت من أوراقها في فصل الخريف... وسط هذا المهرجان السنوي بينما كنت عائداً من عملي بالجامعة...

  •  شاهدت هناك على الرصيف المجاور رجلاً مسناً في عمر والدي
  •  له ملامح مصرية صميمة... كان الرجل يسير بخطوات بطيئة
  •  وكأنه لا يريد الوصول، واضعاً يديه خلف ظهره مستغرقاً في التفكير العميق
  •  دون أن يهتم بمن حوله... انحرفت بسيارتي إلى اليمين نحوه 
  • وعندما اقتربت منه أبطأت السير وناديته:
  • - السلام عليكم، تفضل معي يا حاج وسأوصلك إلى أي مكان ترغب.
  • اقترب الرجل مني أكثر ليدقق في ملامحي وانثنى قليلاً وهو ينظر إليّ وقال:
  • - أريد الذهاب إلى مصر، تقدر توصلني أم أن المشوار طويل؟"

 

هذا المشهد، بكل بساطته وعفويته، يختزل لنا جوهر معاناة الغربة، وتوق الروح إلى الانتماء. إنه مشهد يجسد لنا مدى عمق العلاقة بين الإنسان ووطنه، ومدى تأثير الغربة على هويته ووجدانه.

 

**خلاصة**

 

تعتبر "شجرة الصفصاف" لمحمد المليجي أكثر من مجرد مجموعة قصصية، فهي عمل أدبي يعكس لنا تناقضات العصر وتداخل الهويات. ينجح المليجي في أن يقدم لنا مقاربة جديدة للعلاقة بين الشرق والغرب، متجاوزًا الصور النمطية والتعميمات السطحية، ليضعنا أمام حقائق إنسانية عميقة. إنها مجموعة قصصية جديرة بالقراءة والتأمل، فهي تضيء لنا جوانب خفية من ذواتنا، وتدفعنا إلى التفكير في العالم من حولنا بعين أكثر وعيًا وإدراكًا.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent