recent
أخبار ساخنة

## عندما يواجه الكاتب قدره الأخير: رحلة عبر تاريخ الأدب في مواجهة الموت

الصفحة الرئيسية

 

 

 

## عندما يواجه الكاتب قدره الأخير: رحلة عبر تاريخ الأدب في مواجهة الموت

 

لطالما كان الموت هاجسًا جاثمًا على صدر البشرية، يثير في النفوس خليطًا من الرهبة والتساؤل. لكن بالنسبة للكتّاب، يكتسب هذا الهاجس بعدًا آخر، إذ يصبح جزءًا لا يتجزأ من تجربتهم الإبداعية، وقدرًا محتومًا ينسج خيوطه في نسيج حياتهم وأعمالهم. فهل يمثل الموتنهاية المطاف، أم هو مجرد فاصلة في قصة الكاتب، تفتح الباب لتأويلات جديدة وإعادة قراءة أسطورته الشخصية؟ هذا التساؤل المحوري هو ما ينطلق منه كتاب.


## عندما يواجه الكاتب قدره الأخير: رحلة عبر تاريخ الأدب في مواجهة الموت
## عندما يواجه الكاتب قدره الأخير: رحلة عبر تاريخ الأدب في مواجهة الموت

"أجيء لأموت عندك، من سافو إلى جان دورموسون، موت الكُتّاب" للباحثين الفرنسيين فريديريك روفيللوا وصوفي فاندن آبيل-مارشال، الصادر حديثًا عن دار فايار الباريسية.

 رحلة

يأخذنا الكتاب في رحلة استثنائية عبر تاريخ الأدب العالمي، مستعرضًا قصص 25 كاتبًا وكاتبة، وكيف واجهواالموت في لحظاتهم الأخيرة. ليس الموت هنا مجرد حدث بيولوجي، بل هو تجربة إنسانية معقدة، تتشابك فيها مشاعر الخوف والقلق واليأس، مع أحيانًا، لحظات من السكينة والتسليم. يدرك كل كاتب عظيم أن موته سيصبح جزءًا لا يتجزأ من أسطورته، وسيُعاد تداوله وتأويله عبر الأجيال.

  •  فبعيدًا عن النهايات الدرامية التي طبعت حياة بعض الكتّاب
  •  مثل انتحار فرجينيا وولف غرقًا،
  •  أو اختناق سيلفيا بلاث بالغاز، أو إطلاق إرنست همنغواي النار على نفسه
  •  أو حتى حادث ألبير كامو المميت
  •  ما الذي يتبقى في ذاكرة القراء من موت كتّابهم المفضلين؟
  •  وكيف يتفاعل الأدب مع هذه اللحظة الفاصلة؟

 يعرض الكتاب

يغوص الكتاب في هذه التساؤلات، مقدّمًا بانوراما أدبية فريدة، حيث يصبح الموت نافذة نطلّ من خلالها على تاريخ الأدب وتطوره. إنها ليست مجرد سيرة لمجموعة من الكتّاب، بل هي قراءة جديدة لعلاقة الكاتب مع قدره، وكيف يمكن أن يصبح الموت جزءًا من إرثه الإبداعي. تبدأ الرحلة مع الشاعرة الإغريقية سافو، التي عاشت في القرن السادس قبل الميلاد، والتي وصفت بأنها "ربة الإلهام العاشرة".

  1.  تُروى قصتها المأساوية، وكيف ألقت بنفسها في البحر
  2. بعد أن هجرها الرجل الذي أحبته
  3.  لتتحول رغبتها في الخلود إلى أسطورة تجسد قوة الحب وقسوة الفراق.
  4.  وتنتهي الرحلة مع جان دورموسون
  5.  الكاتب الفرنسي الذي رحل عام 2017
  6.  تاركًا وراءه كتابه "أوصّنا لا تنتهي"، الذي يمثل تتويجًا لمسيرته الأدبية
  7.  ورؤيته الفلسفية للحياة والموت.

 تتوالى القصص

بين سافو ودورموسون، تتوالى القصص، كل واحدة منها تكشف عن زاوية مختلفة في علاقة الكتّاب بالموت. نقرأ عن شكسبير الذي مات في نفس يوم دفن ثيربانتس، وكأن القدر شاء أن يجمع بين هذين العملاقين في نهاية واحدة. ونكتشف أن الضابط الفرنسي جورج دانتيس، الذي قتل ألكسندر بوشكين في مبارزة بالمسدس، يحمل نفس اسم بطل رواية "الكونت دو مونتي كريستو" لألكسندر دوما، وكأن الأدب يمتزج بالواقع في لعبة قدرية. 

  • ونعيش لحظات دوما الأخيرة
  •  حين همس في أذن ابنه عبارته الشهيرة "أتيت لأموت عندك"
  •  وكأن الموت بالنسبة له كان مجرد عودة إلى حضن العائلة.

 الحكايات

تتجاوز هذه الحكايات مجرد سرد للأحداث، فهي تدعونا لإعادة اكتشاف "البصمة" التي تركها هؤلاء الكتّاب على مخيلتنا المشتركة. إنها جوهرة ثقافية، تضيء لنا جوانب غير متوقعة من حياة الأدباء الكبار، وتكشف لنا كيف يمكن أن يصبح الموت محفزًا للإبداع، ومصدرًا للإلهام. فمن خلال الموت، يمكننا أن نفهم بشكل أعمق حياة هؤلاء الكتّاب، وأعمالهم، ورؤيتهم للعالم.

 

  1. لا يقتصر الكتاب على استعراض النهايات المأساوية
  2.  بل يتناول أيضًا طرق مواجهة الموت المختلفة.
  3.  فمنهم من وجد فيه خلاصًا من عذابات الحياة
  4.  ومنهم من واجهه بشجاعة وإيمان، ومنهم من استسلم له بيأس.
  5.  تتجلى هذه الاختلافات في قصص الكتّاب الذين اختاروا الانتحار
  6. مثل يوكيو ميشيما وياسوناري كاواباتا، اللذين أنهيا حياتهما في اليابان
  7.  كل بطريقته الخاصة. ويظهر أيضًا في قصة ستيفان زفايغ
  8. الذي أقدم على الانتحار في البرازيل
  9.  بعد أن دمرت الحرب العالمية الثانية عالمه الذي أحبه.

 

يأخذنا الكتاب أيضًا في جولة عبر المقابر والأضرحة، حيث يرقد هؤلاء العظماء. نقف أمام قبر ثيربانتس في مدريد، وقبر بايرون في اليونان، وقبر بازوليني في إيطاليا، وقبر دانتي في رافينا، لنتأمل في المعنى العميق لهذه الأماكن، وكيف أصبحت جزءًا من الذاكرة الأدبية الجماعية. إنها ليست مجرد أماكن للدفن، بل هي أيضًا أماكن للتأمل والتذكر، حيث يمكننا أن نستحضر أرواح هؤلاء الكتّاب، ونعيد قراءة أعمالهم في ضوء تجربة الموت.

 

  • يكشف الكتاب أيضًا عن التشابك الخفي بين أعمال الكتّاب ونهاية حياتهم. 
  • فكثيرًا ما يحمل الموت أصداء أعمالهم الأدبية
  • وكأنه تجسيد رمزي لأفكارهم ورؤاهم. 
  • فمبارزة بوشكين تشبه مبارزة بطله في رواية "يوجين أونيغين"
  •  وغرابة موت إدغار آلان بو تشبه غموض قصصه ورواياته.
  •  إنها طريقة أخرى لفهم الأدب، حيث يصبح الموت جزءًا من النص، ويضيف إليه بعدًا جديدًا.

 خيط اخر

يبرز في الكتاب خيط آخر، وهو الطريقة التي يمتزج بها الحب والموت في حياة الكتّاب. فقصة سافو هي مثال كلاسيكي على هذا التشابك، حيث يصبح الحب دافعًا للموت، والموت نهاية للحب. وكأن "إيروس" و"ثاناتوس" وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض. فالكاتب يعيش تجربة الحب بعمق، ويواجه تجربة الموت بنفس العمق، ليكتب لنا عن هاتين التجربتين اللتين تشكلان أساس الوجود الإنساني.

 

  1. على عكس موضوعه الحزين
  2.  يمنحنا الكتاب إحساسًا بالحياة، ويدفعنا للتفكير في الموت بطريقة جديدة. 
  3. فالموت ليس مجرد نهاية، بل هو أيضًا بداية، بداية لتأويلات جديدة
  4.  وإعادة قراءة للأعمال الأدبية. وكما يقول أندريه مالرو
  5.  يمكن التغلب على الموت من خلال العبقرية والجمال.
  6.  فالكتابة هي وسيلة لتحدي الفناء، وترك بصمة في هذا العالم.

 

يمثل كتاب "أجيء لأموت عندك"

 احتفالًا بالأدب وبالإرث الذي تركه لنا الكتّاب عبر العصور. إنه يجمع بين المعرفة والمتعة، ويدفعنا للتفكير في علاقة الكتابة بالموت، وكيف يمكن أن يصبح الموت جزءًا من حياة الكاتب، بل جزءًا من أدبه. فالكتابة ليست فقط فعلًا إبداعيًا، بل هي أيضًا وسيلة يتواجه بها الكاتب مع قضايا وجودية، وعلى رأسها الموت. فموت سقراط ألهم أفلاطون أجمل محاوراته، ليصبح التفلسف فن تعلم الموت. والكتابة، بدورها، هي فن تعلم الحياة، وفن مواجهة الموت.

 الختام

يُذكر أن صوفي فاندن آبيل-مارشال هي أستاذة محاضرة متخصصة في أدب القرن التاسع عشر، بينما فريديريك روفيللوا هو أستاذ القانون العام، وكلاهما يتميز بخبرة واسعة في مجال الأدب والتاريخ. وقد قدما لنا هذا الكتاب كإضافة قيمة للمكتبة الأدبية، يدعونا إلى التأمل في علاقة الكاتب مع قدره الأخير، وكيف يمكن أن يصبح الموت جزءًا من أسطورته الخالدة.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent