## "عشبة ومطر".. سيرة سنوات المحو: رحلة بين التراث والرقمنة
تُقدم الروائية الإماراتية وداد خليفة في
روايتها "عشبة ومطر" - التي صدرت عن دار العين للنشر في القاهرة - رحلة شجاعة
في قلب الزمن، تُسلط الضوء على مفارقة حادة بين التراث المهدّد بالفناء والعالم الرقمي
المتسارع. تُطرح الرواية سؤالاً مركزياً حائراً يواجه العالم العربي اليوم: كيف
يُمكن الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية في مواجهة مدّ ثقافة عالمية مُعلبّة
وأدوات تقنية تُغيّب الأصالة؟
## "عشبة ومطر".. سيرة سنوات المحو: رحلة بين التراث والرقمنة |
تستند الكاتبة إلى تقنية الأصوات المتعددة
لِتُعمّق الصراعات التي تُواجه أبطالها. تُشارك "عشبة" - بطلة الرواية -
وابنها "مطر" في نزعة تراثية
جمالية تُفاعلا من خلالها مع عالمهما. لكن يبدو أن هذه النزعة تُحاصَر من عالم
مُحاط باللغة الرقمية وتيارات ثقافية عالمية تُغرقها في سكونها.
تُقدم "عشبة" شخصيةً تُناضل
من أجل التواصل مع مُحيطها الأسري، المُشتبك معالتغيرات السريعة التي طرأت على المجتمع الإماراتي. تُصارع
"عشبة" منذ أول مشاهد
الرواية لتُبقي على شعلة اللغة العربية
حية، وسط عالمٍ يتواصل أفراده باللغة الإنجليزية داخل بيوتهم، وتُصبح اللغةالعربية حكراً على أسماءهم التي تُلفظ
بشكل ركيك، كما يُلاحظ في أجيال الأحفاد.
- تُواجه "عشبة" المقاومة من المحيط العائلي
- الذي يُحذّرها من "تكبير المواضيع"
- ويَرى في محاولاتها لاستدراك
التغيرات العالمية محاربة طواحين
الهواء.
### صناديق مفتوحة: رحلة في الذاكرة
تُصبح "عشبة" مُهتمة بتوثيق العلاقة مع الماضي، وتُؤكد على
تلازم الذاكرة الجمعية
مع السيرة الشخصية. تُعيد "عشبة" تذكّر
تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية، من اتحاد الإمارات
العربية المتحدة إلى
حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973،
وصولاً لمجازر "صبرا وشاتيلا" في لبنان 1982
والنزف الفلسطيني المُستمر.
- تُحاول "عشبة" استدراك التغيّرات السياسية العربية
- من خلال قصاصات الأخبار التي تُجمعها من مجلات وصحف عربية
- تُراكمها في صناديق. وتُصبح هذه الصناديق أرشيفاً شخصياً
- تعود
إليه "عشبة" في كل
مرة تُريد أن
تُواجه الماضي، وتُعيد
قراءة حكاياته.
تُصبح "عشبة" بين
صناديق الماضي وأرشيفها
الورقي وكأنها في
مواجهة مُستمرة مع
الرقمنة، وتُدرك أن
الذكرات التي تُحفظ
في ملفات رقمية
قد تُفوق الذكرات
الورقية في آلياتها
و بياناتها، لكنها
تفتقر إلى حميمية
الذكرى و ملمس
المُتعلقات الشخصية التي
تُعيد فتح جراح
الفقد مع كل
صندوق تُفتحه.
### مطر ومطاردة الأثر
بالتوازي مع
حكايات "عشبة" وصناديق
الماضي، يُصعد الصراع الدرامي "لمطر" ابن "عشبة" الذي
يُهتم بتقييم التُحف
الأثرية. يُدفعه شغفه
بمجال "الأنتيك" و
الآثار القديمة لِتتبع مساراتها في مُزادات
أوروبية تُقرّبه من
عالم عصابات المافيا
التي تُتاجر بالآثار
المُنهوبة.
- تُؤدي رحلة "مطر" إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية
- التي تُباع بملايين الدولارات في صالات الأثرياء
- كما في حكاية "المرآة الدمشقية" التي ظل صاحبها
- يُتبعها حتى وصلت إلى قاعة مُزادات "كريستيز"
- حاملاً معه ذكرى حكاية جدته و أسرته و تشريدهم
- و تصنيعهم تلك المرآة في ظروف
-
تاريخية استثنائية خلال
فترة سيطرة الحكم
العثماني في دمشق.
### نهب ممنهج: قصص القطع المفقودة
تُصبح
الرواية، التي تقع
في 350 صفحة،
وكأنها تُمنح حضوراً
سردياً للقطع الأثرية
المفقودة و المُنهوبة.
تُتبع "عشبة ومطر"
"تُجار الممتلكات الثقافية" و
دُور الْمُزادات و
أُمناء المُتاحف، وسط
متاهات تُزوير الوثائق
و شهادات الْمَنْشأ
و تهريب القطع
من بلادها، ولا
سيما بعد الربيع
العربي و الحروب
الأهلية التي أعقبته.
- تُفتح ساحات السرقة المُمنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية
- في تونس و مصر و سوريا و العراق
- وتُصبح قصص القطع المفقودة أُحجيات
- تُتبعها الرواية
و تُحيكها بخيوط
نوستالجية.
### لغة الوصف و معركة الحفاظ على الجمال
تُعطي
لغة الرواية الاهتمام
الخاص للَوصف الدقيق
لِلتفاصيل الجمالية التي
تُواجه تيار محو
أعنف. تُجسّد الرواية
ذلك من خلال
قطع السجاد الأصيل
و أنواله التقليدية
و الزخارف الغرناطية
العتيقة على الأسطح،
في مقابل ثقافة "الماركات" الاستهلاكية
التي تُميّع الذوق
العام و الحروف
اللاتينية التي تُناظر
الحروف العربية وتُغيّبها
في لغة الحياة
اليومية.
### الرواية و الجوائز
حازت
رواية "عشبة ومطر"
أخيراً جائزة "العويس للإبداع". تُقدّم
الرواية صوراً أُخرى
من الحياة الاجتماعية
و الثقافية في
المنطقة، من خلال
الوصف الدقيق لِلطقوس
و العادات و
التقاليد.
تُجسد
الرواية الحكاية من
خلال الوصف الجمالي
لِلمُتعلقات الشخصية، ك "المطرقة":
> "كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مُطرقة الْباب، و بعد أن كبرت قليلاً، و أصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مُطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، و سألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة.
لكن والدك
أبهرته فنون بغداد،
فجلب منها مُطرقتين،
مثبتاً المطرقة الأكبر
في الْأعلى لِلرّجال
و المطرقة الأصغر
أسفل منها لِلنساء،
ليختصر بذلك السؤال
عن هُوية الطارق،
فكنا نُميّز الطارق
رجلاً أم امرأة
من صوت المطرقة)...
بِتُ أُنْصت لِلَطَرق،
كنت أعرف طرقات
أمي الثلاث، و
تُعرف أمي طرقاتي
المُتسارعة، كان هناك
طَرقٌ مُبشر، و
طَرقٌ يَخلَع الْقلب،
طرق هامس مُدلل،
و طرق يُشبه
كركرة الأطفال".
### خاتمة: قراءة في التحدّيات و الأمل
تُقدم "عشبة و مطر" رحلة
سردية في مُجتمعاتنا
العربية الْمُشتبكة مع
أشكال التغيّرات و
المُعارضات و التحديات
الجديدة. تُسلط الرواية
الضوء على مُجتمعاتنا
الْمُتأثرة بِالتغيّرات الْعالمية
و تُقدم قراءة
في الحفاظ على
الهوية الثقافية و
اللغوية في مُواجهة
المُدّ الْعالمي.
- تُصبح الرواية مُحاولة لِتقديم صوراً من الماضي و حكاياته
- من خلال أرشيف شخصي تُبنى عليه الذكريات و التاريخ.
- تُقدّم الرواية الأمل من خلال شخصية "عشبة" و "مطر"
- اللذان يُحاولان الحفاظ على ثقافتهما و تراثهما
-
في وجه تيارات
تُحاول محو الهوية.