## حكاية الفيلسوف العقلاني كانط مع عالم الأرواح والشعوذة: عندما تلتقي العقلانية مع الغيب
في عالم الفلسفة، يُشتهر إيمانويل كانط بفكره العقلاني
الدقيق ونقده الثاقب لحدود العقل البشري. يُعرف باسم "فيلسوف النقد" حيث
سخر عقله لتحليل مفاهيم الزمان والمكان
والحرية والإدراك. لكن في سياق رسالة بعث بها إلى صديقته شارلوت دي كنوبلوخ في صيف
عام 1758، نكتشف جانباً آخر من شخصية كانط، جانباً يجعله أكثر إنسانية وبشراً.
## حكاية الفيلسوف العقلاني كانط مع عالم الأرواح والشعوذة: عندما
تلتقي العقلانية مع الغيب
|
ففي تلك الرسالة،
يروي لنا كانط
حكاية تبدو وكأنها خرجت من عالم الروايات الخيالية، حكاية تُثير فضولنا وتُثير
التساؤلات حول حدود العقلانية ودور الغيب
في تشكيل معتقداتنا.
تدور حكاية كانط حول
العالم السويدي إيمانويل سويدنبورغ، الذي عرف في بداية حياته بعقلانيته
وشغفه بدراسة العلوم والمبادئ الفلسفية. كان سويدنبورغ قد عاش بين عامي 1688 و1772،
وكان تأثيره واضحاً على أفكار كانط. لكن في عام 1743، حدث تحول دراماتيكي في حياته. ففي منتصف عشاء هادئ في نزل، شعر سويدنبورغ فجأة
بأن أبواب السماء قد انفتحت له، وراح
الملائكة يتحدثون إليه بإلهام "العناية
الإلهية" كما ذكر هو نفسه.
من تلك اللحظة،
غيّر سويدنبورغ
مسار حياته بشكل جذري. تخلى عن فلسفته
العقلانية وانغمس في عالم الغيب، وأعلن أنه أصبح "نبيًا" و"شهودًا"
على أسرار العالم الروحي. بدأ يكتب عن "الكشف
عن يوم الحشر" وراح يرى نفسه
ممثلاً لـ "العالم الخفي" وهو العالم الذي كان يُقال أنه
يتواصل من خلاله مع الأرواح الميتة
ويكشف عن أسرار الكون
الغامضة.
في سياق رسالة كانط
إلى صديقته،
تُصبح قصة سويدنبورغ
خلفية للحدث الرئيسي
في الحكاية. يروي
كانط كيف استعانت
السيدة هارتفيل، أرملة
المبعوث الهولندي إلى
مملكة السويد، بسويدنبورغ
بعد وفاة زوجها
المرحوم. كانت السيدة
هارتفيل تواجه مشكلة
مع صائغ مطالبها
بمبلغ كبير زعم
أنه لم يُسدّد
له. كانت متأكدة
من أن زوجها
سدد المبلغ قبل
وفاته لكنها لم تجد الإيصال
الذي يثبت ذلك.
في ذلك الظرف المحزن
ووسط حالة
من الشك والتوتر،
قررت السيدة هارتفيل
أن تطلب مساعدة
سويدنبورغ الذي يُقال
أنه يمتلك قدرة
على التواصل مع
الأرواح الميتة. كانت
آملًا أن يتمكن
سويدنبورغ من الاتصال
بزوجها المرحوم ليُؤكد
أن المبلغ قد
سُدّد فعلاً.
يُذكر كانط في رسالته
أن سويدنبورغ
قبل المهمة بشكل
مباشر. "وبالفعل، بعد
ثلاثة أيام من
اللقاء مع السيدة
هارتفيل، اجتمع سويدنبورغ
مع عدد من
الأصدقاء في دار
السيدة هارتفيل".
وهنا تبدأ الجزء المثير من الحكاية.
يقول كانط
إن سويدنبورغ أخبر
السيدة هارتفيل أنه
تواصل مع زوجها
المرحوم، وأن هذا
الأخير أكد له
أنه قد سدد المبلغ لصائغ
قبل وفاته بسبعة
أشهر. وأشار سويدنبورغ
إلى أن زوجها
أخبره أنه يمكن العثور على
الإيصال في "خزانة
موجودة في الغرفة
العليا في هذه
الدارة الكريمة".
لكن السيدة هارتفيل
أجابت بأن هذه
الخزانة قد فتحت
وتم التفتيش فيها
بدقة من قبل،
ولم يُعثر على
الإيصال. فأخبر سويدنبورغ
السيدة أن زوجها
أخبره بأن يوجد "درج خفي
موجود إلى اليسار
على آخره".
يُكمل كانط حكايته
بأن السيدة هارتفيل
صعدت إلى الغرفة
العليا وتم العثور
على "الدرج الخفي".
وبعد فتح الدرج،
وُجد مخبأ سري
يحتوي على وثائق
مهمة و"الإيصال المذكور".
تُثير حكاية كانط التساؤلات
حول طبيعة
العقل البشري وحدود
العقلانية. فمن جانب،
نُلاحظ أن كانط،
رغم شهرته بالعقلانية،
يروي هذه الحكاية
بشكل متقبل، دون
أن يُحاول تقديم
تفسير منطقي لها.
من جانب آخر
، تُثير قصة
سويدنبورغ التساؤلات حول
العلاقة بين العقل
والغيب. فكيف لِعالم
كان مشهوداً بعقلانيته
أن يُصبح مُنغمساً
في عالم الغيب
بهذه السرعة وِبدون
تردد؟
هناك عدة تفسيرات
ممكنة لحكاية كانط
وسويدنبورغ. فمن الممكن
أن يكون الأمر
مجرد مصادفة، وأن
يكون سويدنبورغ قد
تخيل هذه الحكاية
بسبب حالة من
الجنون أو الضغط
النفسي.
ومع ذلك، هناك
أولئك الذين يعتقدون
أن سويدنبورغ كان
يمتلك قدرة حقيقية
على التواصل مع
العالم الروحي.
وبوجه عام، تُعتبر
حكاية كانط وسويدنبورغ
حكاية غامضة تُثير
الفضول والتساؤلات حول
طبيعة العالم وِحدود
معرفتنا. إنها تُذكّرنا
بأن العقل البشري
لا يُمكن أن
يُفسر كل شيء،
وأن هناك أفكار
ومعتقدات لا تخضع
لِقوانين العقلانية الصلبة.
- ## دلالات الحكاية:
- الحدود بين
العقلانية والغيب:** تُظهر الحكاية التناقض
بين الطبيعة العقلانية
لكانت وميله للغوص
في عالم الغيب.
فمن جانب، يُعرف
كانط بكونه فيلسوف
منطقي يعتمد على
العقل والتجربة لحل
المشكلات. ولكن في
هذه الحكاية المحددة،
يبدو أن كانط
مستعد لِقبول حقيقة
مُعينة، حتى لو
كانت تعتمد على
الغموض والتفسير الروحي.
- التحول الدراماتيكي
لسويدنبورغ:** تحول سويدنبورغ
من عالم عقلاني
إلى "نبي للعالم
الروحي" يُبرز تعقيدات
العقل البشري وِقدرته
على تغيير معتقداته
وَتوجهاته بشكل جذري. من المهم
ملاحظة أن هذا
التحول لم يكن "مُخططًا له"،
بل كان نتيجة
تجربة شخصية تُغير
من مُعتقدات الفرد
أساسياً.
- دور الشك
والتساؤل:** تُظهر الحكاية
أهمية الشك والتساؤل
في رحلة البحث
عن الحقيقة. فالسيدة
هارتفيل لم تُصدّق
من الوهلة الأولى
ما قاله سويدنبورغ،
وَأصرت على البحث
والتحقق. إنها تُعلّمنا
أهمية عدم قبول
الأشياء بكل سهولة، وَأهمية
الاستفسار والبحث عن
الرواية المُختلفة وَالتفسير
الأكثر دقة.
- مُعتقدات وَتقاليد
المجتمع:** من المُهم
أن نُدرك أن
حكاية كانط تُظهر
أفكار وَمعتقدات مجتمع
معين، وهو مجتمع
كان يُسيطر عليه
العقلانية والتجربة، لكن
في نفس الوقت
كانت تُوجد فيه
تقاليد روحية وَمُعتقدات
حول العالم الروحي
وَالتواصل مع الأرواح
الميتة.
## الاستنتاج:
تُعد حكاية كانط
وَسويدنبورغ من الحكايات
الغامضة التي تُثير
الفضول والتساؤلات حول
طبيعة العالم وِحدود
معرفتنا. إنها تُذكّرنا
بأن العقل البشري
لا يُمكن أن
يُفسر كل شيء،
وأن هناك أفكار
وَمعتقدات لا تخضع
لِقوانين العقلانية الصلبة.
إنها
تُعرّفنا على الحدود
بين العقل وَالغيب،
وَتُشير إلى أن
العالم مليء بِالغموض
وَالأسرار التي لا
نستطيع فهمها بِسهولة.