recent
أخبار ساخنة

## لغز انتحار إرنست همنغواي: عبقريةٌ مشهورةٌ أم ضحيةٌ العاب السياسة؟

 

 

##  لغز انتحار إرنست همنغواي: عبقريةٌ مشهورةٌ أم ضحيةٌ العاب السياسة؟

 

تُعتبر سيرة إرنست همنغواي، الكاتب الأميركي الشهير، ملحمةً متناقضةً من الإنجاز والغموض، حُفرت تفاصيلها في سجلات التاريخ الأدبي.  فمن ناحيةٍ، يُعد همنغواي أحد أعظم كتاب القرن العشرين، صاحب رواياتٍ خالدةٍ كـ "الشمس تشرق أيضًا" و"وداعًا أيها السلاح" و"لمن تقرع الأجراس؟" و"الشيخ والبحر".  من ناحيةٍ أخرى، ينتهي هذا المسار الإبداعي المثير بشعاعٍ مظلمٍّ: انتحار همنغواي في عام 1961 عن عمرٍ ناهز الستين.


##  لغز انتحار إرنست همنغواي: عبقريةٌ مشهورةٌ أم ضحيةٌ العاب السياسة؟

##  لغز انتحار إرنست همنغواي: عبقريةٌ مشهورةٌ أم ضحيةٌ العاب السياسة؟


عبقريةٌ مشهورةٌ أم ضحيةٌ العاب السياسة؟

 عبقريةٌ مشهورةٌ أم ضحيةٌ العاب السياسة؟لا يمكن فصل  انتحار همنغواي عن سياق حياته،  سياقٍ يزخر بالتناقضات:  حياةٌ نَزَفتُ  بِها حبرُهُ على صفحاتِ رواياتٍ  تُخلّدُ  روعةَ  العالمِ  وجمالَهُ  مع  التمسكِ بِقُوةٍ بِقَيمِ  الشجاعةِ  والصلابةِ  والتحدي.  ولكن خلف هذه الصورة،  كان همنغواي يعيش معركةً داخليةً مع  أفكارِهِ،  مشاعرهِ،  وتجاربهِ،  كانت معركةٌ  ضِدّ  الظلامِ  الذي  يُهيمنُ  على  نفسهِ.

 

يَصعبُ  على  كثيرٍ منَ  النقّادِ  والمُحللينَ  أنْ  يُفَسّروا  انتحارَ  همنغواي.  فكيفَ  يُقدمُ  أحدٌ  أعظمِ  كتابِ  العالمِ  على  فِعلٍ  يُنهي  حياةً  مليئةٍ  بِالإنجازاتِ  والشّهرةِ  والثروةِ؟  ماذا  كانَ  يُريدُ  همنغواي أنْ  يُخبرَ  العالمَ  بهذا الفعل؟

 

تُقدمُ  كُتبُ  السّيرِ  والتّحليلاتِ  النفسيةِ  عدةَ  تفسيرٍ  لِانتحارِ  همنغواي،  منها:

 

* **الألم النفسي:**  أصيب  همنغواي  بِإصاباتٍ  جسديةٍ  نفسيةٍ  خلال  حربِ  العالمِ  الأولى،  ثم  أثناء  غطائه  للّحربِ  الأهليةِ  الإسبانيةِ.  هذه  التجاربُ  الحربّيةُ  أدتْ  إلى  صدمةِ  حربٍ  مزمنةٍ  وعِدةِ  مشاكلَ  نفسيةٍ  أخرى  من  بينها  الاكتئابُ  والتوترُ  والقلقُ. 

 

* **الإدمان:**  أصبح  همنغواي  مُدمنًا  للّكحولِ  والمهدئاتِ  والمخدرّاتِ  لِيتعاملَ  مع  ألمهِ  النّفسيِ.  وأدتْ  هذهِ  الاعتماديةُ  إلى  تدهورِ  صحّتهِ  الجسديةِ  النّفسيةِ  وتفاقمِ  مشاكلهِ.

 

* **الضغط النفسي:**  حقّق  همنغواي  نجاحًا  أدبيًا  كبيرًا  ووصلَ  إلى  قمةِ  الشّهرةِ  في  وقتٍ  قِصرٍ.  ولكن  هذا  النجاحُ  كانَ  يُشكلُ  ضغطًا  نفسيًا  كبيرًا  عليهِ.  وكانَ  يُعاني  منَ  الشّعورِ  بِعدمِ  الكفاءةِ  وعدمِ  القدرةِ  على  التّوافقِ  معَ  أُسلوبِ  حياةٍ  جديدٍ  مليءٍ  بِالالتزاماتِ  والمسؤولياتِ.

 

* **الجنون والهذيان:**  أصيب  همنغواي  في  أواخر  حياتهِ  بِمرضٍ  نفسيٍ  يُسمّى  "البارانويا"  (الجنونِ  الواهمِ)  حيثُ  كانَ  يُعتقدُ  أنّهُ  مُلاحقٌ  منَ  قبلِ  أجهزةِ  المخابراتِ  الأمريكيةِ.

 

* **الانتحار العائلي:**  كانَ  همنغواي  عُرضةً  للّانتحارِ  منَ  قبلِ  أفرادِ  عائلتهِ.  فقد  انتحرَ  جدّهُ  ورُبّما  انتحرَ  أحدُ  أخوتهِ.  وُرِثَ  همنغواي  ميلًا  لِلفكرِ  الانتحاريِ  منَ  عائلتهِ.

 

وُضِعتْ  كُلّ  هذهِ  التّفسيراتِ  على  طاولةِ  التّحليلِ  لِلفهمِ  أسبابِ  انتحارِ  همنغواي.  ولكن  في  العامِ  2011،  ظهَرَ  تفسيرٌ  جديدٌ  وصادمٌ  لِانتحارِ  همنغواي،  حينَ  نَشَرَتْ  جريدةُ  "النيويورك  تايمز"  خبرًا  مثيرًا  مُفادهُ  أنّ  همنغواي  لمْ  يُنتحر  اختيارًا،  بل  اضطرارًا.  فقد  كانَ  مُلاحقًا  منَ  قبلِ  عملاءِ  المخابراتِ  الأمريكيةِ  (إف  بي  آي)  بِتهمةِ  التّعاملِ  معَ  النّظامِ  الكوبي. 

 

وُضِعتْ  رسالةُ  همنغواي  إلى  صديقهِ  هارون  إدوارد  هوتشنير  كَدليلٍ  على  هذا  التّفسيرِ،  حيثُ  يُشيرُ  همنغواي  فيها  إلى  الشّعورِ  بِالخوفِ  والمُلاحقةِ  منَ  قبلِ  أجهزةِ  المخابراتِ. 

 

يُثيرُ  هذا  التّفسيرُ  جدلاً  واسعًا،  فهل  كانَ  همنغواي  مُلاحقًا  فعلاً،  أمْ  كانَ  مُتوهّمًا  بِذلك  نتيجةً  لِمرضِهِ  النّفسيِ؟ 

 

يُشيرُ  بعضُ  المُحللينَ  إلى  أنّ  همنغواي  كانَ  مُعرّضًا  للّجنونِ  الواهمِ  نتيجةً  لِتجاربهِ  الحربّيةِ  وتأثيرِ  الكحولِ  والمهدئاتِ  على  نفسيّتهِ.  ولكن  يُذكرُ  أنّ  رئيسَ  المخابراتِ  إدغار  هوفر  كانَ  قد  وضعَ  همنغواي  تحتَ  المُراقبةِ  بِتهمةِ  التّعاملِ  معَ  جهةٍ  أجنبيةٍ  معاديةٍ. 

 سؤال مهم

هذا  التّفسيرُ  يُطرحُ  سؤالًا  مُهمًّا:  هل  كانَ  انتحارُ  همنغواي  نتيجةً  لِحالةِ  هذيانٍ  نتيجةً  لِمرضِهِ  النّفسيِ،  أمْ  كانَ  نتيجةً  لِضغطٍ  سياسيٍ  واضطهادٍ  منَ  قبلِ  أجهزةِ  المخابراتِ؟ 

 

لا  يوجدُ  إجابةٌ  قاطعةٌ  لِهذا  السّؤالِ.  فمُحاولةُ  فهمِ  أسبابِ  انتحارِ  همنغواي  تُثيرُ  عدةَ  مُعقّداتٍ  تُعكسُ  تعقيداتِ  نفسيةِ  الإنسانِ  وتاريخِهِ  وسياقِ  الحياةِ  في  ذلكَ  الّوقتِ.

 

مهما  كانتْ  أسبابُ  انتحارِ  همنغواي،  يبقى  موتُ  هذا  العبقريّ  المُبكّرِ  فاجعةً  للّأدبِ  العالميّ  وفقدانًا  كبيرًا  لِعالمٍ  يحتاجُ  إلى  أصواتٍ  كصوتِ  همنغواي  لِتُضيءَ  طريقَ  التّفكيرِ  والإبداعِ  والشّجاعةِ.

 

ويُمكننا  أنْ  نُلخّصَ  ما  أُثيرَ  في  هذا  التّحليلِ  منَ  النقاطِ  التّالية:

 

* **1-العبقريةُ  ومُعادلةُ  الشّهرةِ  والموتِ:**  يُشيرُ  تحليلُ  سيرةِ  همنغواي  إلى  أنّ  العبقريةَ  والمُجدَ  والشّهرةَ  لا  تُعني  بالضّرورةِ  السّعادةَ  والرّاحةَ  النّفسيةَ.  قدْ  يُصبحُ  الشّخصُ  المُشهورُ  ضحيةً  للّضغطِ  النّفسيِ  والمُلاحقةِ  والّواجباتِ  التّي  تُفرضُ  عليهِ. 

 

* **2-أثرُ  الحربِ  على  النّفسِ:**  تُعتبرُ  الحربُ  منَ  أكثرِ  المُسبّباتِ  لِلاكتئابِ  والّصدمةِ  النّفسيةِ.  وقدْ  عاشَ  همنغواي  تجربةَ  الحربِ  من  قريبٍ،  والتّي  أثّرتْ  على  نفسيةِ  شخصيةِ  همنغواي.

 

* **3-البارانويا  والمُلاحقةُ:**  يُشيرُ  التّحليلُ  إلى  أنّ  همنغواي  كانَ  مُعرّضًا  للّجنونِ  الواهمِ،  وأنّهُ  كانَ  يُعتقدُ  أنّهُ  مُلاحقٌ  منَ  قبلِ  أجهزةِ  المخابراتِ.  ويُثيرُ  هذا  التّفسيرُ  عدةَ  أسئلةٍ  حولَ  طبيعةِ  العلاقةِ  بينَ  الّسلطةِ  والمُثقفينِ  والمُعارضينَ  الّسياسيينَ.

 

* **4-العواملُ  التّاريخيةُ  والّسياسيةُ:**  يُمكنُ  فهمُ  انتحارِ  همنغواي  في  سياقٍ  تاريخيٍ  وسياسيٍ  أوسع.  ففي  العصرِ  الّذي  كانَ  فيهِ  همنغواي  يُعيشُ،  كانَ  هناكَ  حربُ  باردةٍ  بينَ  الّولاياتِ  المُتّحدةِ  وِالاتّحادِ  السّوفيتيّ.  وُضِعَتْ  كُلّ  منَ  المُثقفينِ  والمُعارضينَ  الّسياسيينَ  تحتَ  المُراقبةِ  والّضغطِ  منَ  قبلِ  أجهزةِ  المخابراتِ  لِكلّ  طرفٍ.

 

* **5-دورُ  الإدمانِ  والمهدئاتِ:**  أثّرتْ  الاعتماديةُ  على  الكحولِ  والمهدئاتِ  على  صحةِ  همنغواي  النّفسيةِ  والّجسديةِ.  وكانَ  منَ  المُمكنِ  أنْ  يُسهمَ  هذا  الإدمانُ  في  تدهورِ  حالتهِ  النّفسيةِ  ودفعهِ  إلى  الّانتحار.

 

6-لا يُمكنُ  أنْ  نُقرّرَ  بِدقةٍ  ما  كانَ  يُفكّرُ  بهِ  همنغواي  في  آخر  أيامِ  حياتهِ،  ولكن  يُمكنُ  لِمُراقبةِ  سيرتهِ  وتحليلِ  أعمالهِ  وأقوالِهِ  أنْ  نُدركَ  أنّهُ  كانَ  يعيشُ  معَ  صراعٍ  داخليٍ  عميقٍ،  صراعٍ  بينَ  رغبةِ  الحياةِ  والتّحديِ  وبينَ  ألمِ  النّفسِ  والشّعورِ  بِالعجزِ  والتّعبِ. 

 

يُعتبرُ  موتُ  همنغواي  ضياعًا  لِلعالمِ،  ولكنّهُ  يُذكرّنا  أيضًا  بِحقيقةٍ  مُهمّةٍ  هي  أنّ  الحياةَ  للّجميعِ  مُعقّدةٌ  وصعبةٌ،  وأنّ  الألمَ  والّصّراعَ  لا  تُفرّقُ  بينَ  الّعباقرةِ  والّبسطاءِ. 

 

وُضِعَ  همنغواي  في  قائمةِ  أعظمِ  الّكتابِ  في  التّاريخِ  بِسببِ  إبداعاتهِ،  ولكنّهُ  بِمُجردِ  أنّهُ  كانَ  إنسانًا  كانَ  مُعرّضًا  لِكُلّ  ما  يُعرّضُ  لَهُ  الّبشرُ  منَ  الألمِ  والّصّراعِ  والتّعبِ. 

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent