أفكار الثقافة وألآدب أفكار الثقافة وألآدب
random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...

أفكار المحلل النفسي فرويد لمقاومة زمن الحروب

يصنف التحليل النفسي كنوع من النظريات الشمولية التي استطاعت أن تلج أبوابا كثيرة فهي لم تلج فقط أبواب الأحلام والغرائز والأمراض النفسية والانحرافات والتعقيدات، إنما ولجت أبواب الحضارة والدين والفن والاجتماع والتطور، ونظرا لذلك نتوقف في السطور القادمة مع كتاب العالم النفسي الشهير سيجموند فرويد "أفكار لأزمنة الحرب والموت" الذي يضم أبحاثا كتبها فرويد على مدى السنوات من عام 1915 إلى 1938، أي خلال الفترة من بدايات الحرب العالمية الأولى إلى بوادر الأزمة التي فجرت الحرب العالمية الثانية. 
يفسر الكتاب علميا ظاهرتي الحرب والموت، وما بينهما من حزن ومرض وانهيار فردي واجتماعي، والأبحاث السبعة تجيب في النهاية عن سؤال لا يزال يتردد بيننا اليوم: لماذا العنف؟ تتناول الأبحاث موضوعات الحرب والموت وما بينهما، ومأساة الصراع الإنساني لامتلاك القوة أو لتجاوز الضعف.. الجذور البيولوجية والنفسية لهذه الظواهر الاجتماعية والحضارية. ولكن تعنى الأبحاث بالتفسير الفرويدي لظاهرتين شغلتا الإنسان منذ أقدم العصور هما " القتال والموت"، وتصلح هذه الأفكار للتطبيق في زمننا هذا الذي تجتاحه حمى الحروب. يقول فرويد: في زمن الحرب يفقد العلم نفسه حياديته المبرأة عن الهوى فإن خدامه يسعون إلى الحصول منه على أسلحة يسهمون بها في إلحاق الهزيمة بالعدو ؛ فعالم الانثروبولوجيا "علم الإنسان" مدفوع إلى أن يعلن أن الخصم دنئ ومنحل، والطبيب العقلي مدفوع لأن ينشر تشخيصه لمرض العدو العقلي أو الروحي. إذاً فالحرب التي رفضنا أن نصدقها قد اندلعت وجلبت معها التحرر من الوهم، إنها تستخف بكل تلك القيود التي تعرف باسم القانون الدولي، والتي التزمت الدول بأن تراعيها في زمن السلم، وهي تتجاهل حقوق الجرحى والهيئة الطبية، وتتجاهل التمييز بين القطاعات المدنية والعسكرية من السكان، وحقوق الملكية الخاصة. الحرب العالمية الثانية يقول الكتاب بأن الدولة تنتزع أقصى درجة من الطاعة والتضحية من مواطنيها في زمن الحرب ، ولكنها في الوقت نفسه تعاملهم كأطفال بالاحتفاظ بسرية مفرطة، ورقابة على الأنباء وعلى التعبير عن الرأي، الأمر الذي يجعل أرواح أولئك مقهورة فكريا لا حل لها تجاه كل تحول غير موات للأحداث وإزاء كل شائعة مغرضة، إنها تتنصل من الضمانات والعقود التي كانت قد كونتها مع دول أخرى، وتعترف اعترافا وافرا بضراوتها وشهوتها إلى السلطة، وتدعو الفرد الخاص عندئذ إلى تبنيها باسم النزعة الوطنية. ومن ثم فإنه ليس مدعاة للدهشة أن يملك هذا الانحلال الأخلاقي بين الدول تأثيرا مضللا على أخلاقيات الفرد، ذلك أن ضميرنا ليس هو الحكم المتصلب الذي اعتاد المعلمون الأخلاقيون على إعلانه، وإنما هو في أصله "رعب الجماعة" ولا شئ غير هذا. ويؤكد فرويد أنه في ظل غياب توجيهات المجتمع والدولة، يرتكب الناس أفعال القسوة والخداع والتدليس والوحشية التي لا تتواءم تماما مع حضارتهم. ويتساءل: هل لهذا الإنسان العالمي المتحضر، الذي تحدثت عنه، أن يقف مكتوف الأيدي في عالم يزداد غرابة بالنسبة إليه، ميراثه الشامل قد تحلل، وممتلكاته المشتركة قد تحولت إلى خرائب، وأبناء وطنه قد تورطوا وانحط قدرهم؟ ، بالتأكيد سيسعى هذا الإنسان وراء الحقيقة ودفع الأوهام التي ساهمت في تكوينها الحرب بعيدا عنه، بل وتحطيمها بعد أن كان يرحب بها في السابق ولكن بعد أن تضع الحرب أوزارها وبعد أن يتخلص عقله ونفسه من آثارها!. ضحايا الحروب موقفنا إزاء الموت يؤكد فرويد أن الحرب تصيبنا بالاضطراب في فكرتنا عن الموت، ففي الوقت الذي ندرك فيه أن الموت حقيقة إلا أننا نسعى لصرفه عن أذهاننا ويخرسه البعض أو يزل فكرته من الحياة، ومن هنا استطاعت مدرسة التحليل النفسي أن تؤكد بأن القليلين يعتقدون في أعماقهم بموتهم ، فكل واحد منا في اللاشعور مقتنع بخلوده الشخصي. وتأتي الحرب لتجعل نظرتنا إلى الموت تختلف، فنحن – وفقا لفرويد - مضطرون لأن نؤمن به لأن الناس يموتون حقا، ولم يعودوا يموتون واحدا بعد آخر، وإنما يموت الكثيرون منهم في وقت واحد، كأن يموت عشرة آلاف في يوم واحد. هنا ينبغي أن نميز بين مجموعتين أولئك الذين يخاطرون شخصيا بحياتهم في المعركة، وأولئك الذين بقوا في بيوتهم وما عليهم إلا أن ينتظروا فقدان أعزائهم بالجراح أو المرض او العدوى. إن لا شعورنا غير قابل لفكرة موتنا، بقدر ما أنه ذوعقل إجرامي تجاه الغريب، وبقدر ما هو منقسم أو متناقض وجدانيا تجاه المحبوب، بقدر ما كان الإنسان في الأزمنة القديمة. من السهل أن نفهم تأثير فعل الحرب على هذه الثنائية إنها تنزع منا آخر إضافات المدنية، وتطرح في العراء الإنسان الأول في كل منا. إنها تجبرنا مرة أخرى على أن نكون أبطالا لا يستطيعون الاعتقاد بموتهم، إنها تدمغ الغريب بأنه العدو الذي يتعين التسبب في موته أو الرغبة فيه، وهي تنصحنا بأن نرتفع فوق موت أولئك الذين نحب. ويؤكد فرويد في النهاية أنه يبقى احتمال الحياة الواجب الأول للكائنات الحية، ويقول: إننا نتذكر المثل القديم: "إذا رغبت في السلام فاستعد للحرب"، وربما حان الوقت لأن نعيد صياغته هذا: "إذا أردت احتمال الحياة، فلتكن مستعدا للموت". البشرية وتطور العنف كان هذا هو عنوان خطابات مفتوحة متبادلة بين بروفيسور البرت اينشتاين وفرويد، وكانت هذه الخطابات حلقة في سلسلة تبادلات مماثلة نظمها "المعهد الدولي للتعاون الفكري" تحت رعاية "عصبة الأمم". ومن هذه الخطابات نقرأ على لسان فرويد: عزيزي بروفيسور اينشتاين عندما سمعت أنك تنوي دعوتي إلى تبادل للآراء حول موضوع ما يهمك وافقت عن طيب خاطر، وقد توقعت أن تختار مشكلة يمكن لكل منا عالم طبيعة وعالم نفس أن تكون له زاوية خاصة به في تناولها، ومع ذلك فاجأتني بطرح مسألة ما يمكن عمله لحماية البشرية من لعنة الحرب. يقول فرويد مخاطبا اينشتاين: إنك بدأت حديثك سابقا عن العلاقة بين الحق والقوة ولكن هل لي ان أستعيض عن كلمة القوة بكلمة العنف الأكثر فظاظة؟ إن الحق والعنف يبدوان لنا اليوم كنقيضين وعلى ذلك فإنه يمكن أن نبين بسهولة أن الواحدة منهما نشأت عن الأخرى. إنه لمبدأ عام إذاً أن صراعات المصالح بين الناس تسوى باستخدام العنف وهذا صحيح بالنسبة للمملكة الحيوانية بأسرها، ولكنه يحدث بين البشر أيضا. فالبداية في قطيع بشري صغير كانت القوة العضلية الأكثر تفوقا هي التي تقرر من يملك الأشياء وإرادة من هي التي تسود، وسريعا ما أضيفت إلى القوة العضلية القوة العقلية التي تمكن من استخدام الأدوات والأسلحة بشكل أمهر، لكن الغرض النهائي من القتال بقى كما هو، إجبار طرف او آخر على التخلي عن طلبه أو عن اعتراضه بفعل الدمار الذي يلحق به وبفعل شل قوته. ويعود فرويد ليوضح أن القتل لم يكن السبيل الوحيد للتعامل مع العدو ولكن كانت هناك أساليب أخرى منها الاقتناع بأن العدو يمكن أن يستخدم في انجاز خدمات مفيدة إذا ترك حيا في حالة خوف. ولكن مع الارتقاء تبدلت هذه القاعدة – وفقا لفرويد - فقد كان هناك طريق أفضى من العنف إلى الحق هو اتحاد قوى ضعيفة متعددة، ومن ثم لم يعد السائد عنف فرد وإنما عنف جماعة، وبنظرة إلى تاريخ الجنس البشري سنكتشف سلسلة لا نهاية لها من الصراعات بين جماعة وأخرى، بين مدن وأقاليم وأمم وإمبراطوريات كانت تسوى دائما بقوة السلاح، والحروب من هذا النوع تنتهي إما للإضرار بأحد الأطراف أو إلى الإسقاط التام له وغزوه.

عن الكاتب

Tamer Nabil Moussa الزمان والمكان يتبدلان والفكر والدين يختلفان والحب واحد فى كل مكان /بقلمى انسان بسيط عايش فى هذا الزمان

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

أفكار الثقافة وألآدب