أفكار الثقافة وألآدب أفكار الثقافة وألآدب
random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...

حين تبكى الافيال

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 حين تبكى الافيال

 
 
 
بعد كتاب داروين " التعبير عن الانفعالات عند الإنسان والحيوان " اعترف قليل من العلماء بانفعالات الحيوان وبحثوا فيها ، أو على الأقل تأملوها ، فكان مجرد التسليم بإمكان وجود انفعالات في حياة الحيوانات أمراً خطيراً ، حتى اعتبر الكثيرون هذا المبحث من العلم مشيناً للسمعة ، بل ومن المحرمات تقريباً . إن الرعب والشجاعة والرحمة ـ وغير ذلك من الأمور التي سُجلت عن الحيوان ـ إذا دُرست منهجياً ، يمكنها أن تمدنا بأدلة عن عالم من التجربة الانفعالية العميقة عند الحيوان ، غير أنه يبدو أن هذه الأمور لا تحتل سوى مكان صغير في الكتابات العلمية التي ترفض الأحداث التي لا تحدث سوى مرة واحدة باعتبارها " طرائف "
 
 
 
 رغم عدم وجود سبب يدعونا إلى تجاهل الأحداث النادرة ، وهذا نادراً ما يتم ، حيث يواجه العلماء اتهاماً بـ " استخدام الأدلة القائمة على الطرائف " وهو اتهام لاذع ، وهو ما يحدث عندما استشهد العلماء بقدرة قردين من الشمبانزي على استخدام الرموز ، للوصول إلى تراكيب غير عادية أو رهيبة من الرموز . وكتاب " حين تبكي الأفيال ـ الحياة الوجدانية عند الحيوانات " تأليف جيفري ماوساييف ماسون ، ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم ومراجعة محمد زاهر المنشاوي ، والصدر حديثاً عن الهيئة العامة للكتاب ، يتناول ماسون فيه حياة الأفيال بالدراسة ، ويثبت أن لديها الانفعالات اللازمة التي تعبر عن مشاعرها . من الواضح أن الفيالة " سائقي الأفيال " قد تكون لديهم معتقدات كثيرة زائفة عن الأفيال لميلهم إلى الأنسنة ، بمعنى أنهم يفسرون بعض الجوانب الظاهرية في سلوك المشاعر الأساسية اليومية ـ أي بالنسبة لإحساسهم ما إذا كان فيلهم مسروراً أو غاضباً أو خائفاً أو مستثاراً أو متلهفاً أو متعباً أو شاكياً أو حانقاً ـ فلن يجدوا أنفسهم بدون وظيفة فحسب ، بل غالباً سيفقدون حياتهم أيضاً وببساطة .
 
 
 
 
 ويقول ماسون : وفي حين أن الحيوانات المستأنسة والحيوانات البرية قد لا تكون متشابهة ، إلا إنه بينها الكثير من الأشياء المشتركة ، بحيث إن المعلومات المتوافرة عن أحدها يمكن أن تكون له علاقة بالآخر . ونادراً ما تظهر الانفعالات قائمة بذاتها ومنعزلة عن غيرها ، ففي حالة البشر يختلط الغضب بالخوف ، والخوف بالحب ، والحب بالخجل ، والخجل بالحزن ، في مواقف خاصة ، وقد تمر الحيوانات أيضاً بمزيج من الانفعالات ، وربما تشعر أم أحد الدرافيل وهي تحمل ابنها الميت وتجوب به كل مكان لعدة أيام بكل الحب والحزن . إن احتمال تعقد المشاعر وتعدد وجودها وصعوبة تفسيرها لا يعني عدم وجودها . فالحيوانات ليست لديها نفس الانفعالات التي لدى الإنسان وكما يختلف سلوك أنواع الحيوانات ، فإن حياتها الشعورية قد تختلف أيضاً ، وغالباً ما نتجاهل هذه الحقيقة حين تساق الحجج من أمثلة من عالم الحيوان ، كأن يقولوا " يتناسل الإوز مع فرد واحد مدى الحياة " أو " طائر أبو الحناء يركل صغاره خارج العش حين تبلغ من العمر ما يمكنها من الاعتماد على نفسها " أو " الكلب يستقر أو لا يعين أنثاه على تربية الصغار ـ هذه طبيعته " 
 
 
 
، وهذا الكلام يفترض خطأ أن جميع الحيوانات متماثلة ، وهكذا يمكننا أن نخرج بنفس الاستنتاجات عن البشر . ويتساءل ماسون : لماذا توجد المشاعر ؟ إن معظم الناس من غير العلماء يجدون غرابة في هذا السؤال ، فالمشاعر موجودة فحسب ، وهي تبرر ذاتها بذاتها ، كما أن الانفعالات تعطي الحياة معنى وعمقاً ، وهي ليست بحاجة لتخدم أي غرض حتى تبرر وجودها ، ومن ناحية أخرى يقر الكثير من علماء البيولوجيا النشوئية بوجود بعض الانفعالات لدى الحيوانات ، أساساً من أجل وظائف حفظ النوع ، وهم في هذا على النقيض مع السلوكيين ، فالخوف ، بالنسبة للبشر والحيوانات ، على الشواء ، يثير الدافع إلى تجنب الخطر ، والحب ضروري للعناية بالصغار ، أما الغضب فيهيئ المرء للصمود ، غير أن حقيقة أن سلوكاً ما يلعب دوراً في حفظ النوع لا ينبغي أن تعني بالضرورة أن هذا هو السبب دون غيره في حدوثه ، فهناك علماء آخرون قد أرجعوا هذا السلوك ذاته إلى الفعل الشرطي وإلى الاستجابات التي تكتسب بالتعلم ، 
 
 
 
ومن المؤكد أن أنماط الأفعال المنعكسة والثابتة يمكن حدوثها دون شعور أو تفكير واعٍ ، ففرخ النورس من عادته أن ينقر أية بقعة حمراء فوقه ، ولدى الأب بقعة حمراء على منقاره ، فينقر الفرخ منقار الأب ، فيطعم الأب فرخه حين ينقر على منقاره ، وهذا التفاعل ليس في حاجة إلى مضمون انفعالي . ثم يؤكد ماسون أن الأفيال تستطيع أن تتواصل عبر المسافات بواسطة النداءات التحت صوتية ـ وهي أصوات أكثر انخفاضاً من أن يستطيع البشر سماعها ـ غير أنه ما لم يكن تواصل الأفيال أدق بكثير مما تكهن به أي شخص حتى الآن ، لما أمكن للرسالة أن تكون محددة تحديداً شديداً . لقد شوهدت الحيوانات البرية في الطبيعة وهي تمارس الحداد على رفيق ، فقد ذكر عالم الطبيعة جورج ستلر أن البقرة البحرية المنقرضة والتي أطلق اسمه عليها كانت من النوع أحادي الزوج أو الزوجة حيث تتكون الأسرة في المعتاد ، من الأنثى والذكر ، وصغيرين من عمرين مختلفين " ابن مكتمل النمو وآخر صغير رقيق "
 
 
 
 ورأى ستلر ، وهو عالم طبيعة بحرية يعمل على سفينة ، أنه حين قتل طاقم السفينة أنثى وانجرف جسدها إلى الشاطئ ، عاد الذكر إلى جثتها ليومين متتاليين ، وكأنما يستفسر عنها . ويحكي لنا ماسون قصة تعكس المشاعر المتبادلة بين الأفيال وبعضها ، يقول : ذات مرة شاهد أحد المهتمين بمراقبة الحيوانات بالصدفة ، مجموعة من الأفيال الأفريقية تحيط بأم كبيرة تحتضر ، وكانت تتهاوى ثم سقطت فتحلقت حولها الأفيال الأخرى وحاولت بقوة أن تساعدها على النهوض ، كما حاول أحد الذكور الشباب أن يرفعها بنابيه ووضع طعاماً في فمها ، بل حاول اعتلاءها جنسياً ، غير أن كل هذه الجهود ذهبت هباء وحاولت الأفيال الأخرى أن تعابثها بخراطيمها ، وركع أحد الصغار وحاول الرضاعة منها ، وفي النهاية تحركت الجماعة بعيداً ، غير أن إحدى الإناث وصغيرها تخلفا ، إذ وقفت الأنثى وظهرها نحو الأم الكبرى المتوفاة وأخذت تعود إليها من آن لآخر وتمسها بقدمها ، فنادت عليها الأفيال الأخرى ، وأخيراً ابتعدت ببطء . وتصف سينثيا موس سلوك قطيع من الأفيال تتحلق عدة مرات حول صديق ميت والحزن يقتلها ، وتتوقف توقف المرتاب إذا ظل جسده على سكونه ، ثم تنظر خارج الدائرة ، وخراطيمها تتدلى نحو الأرض ، وبعد برهة ، تضرب الأرض بأقدامها وتتحرك في شكل دائرة مرة أخرى ، وتنظر على الخارج 
 
 
 
، وأخيراً حين يتأكد لها على الأرجح أن الفيل ميت ـ قد تقطع أفرع الشجار وتجمع العشب المحيط بالمكان وتكدسها حول الجثة ، إن الوقوف مع الاتجاه إلى الخارج يوحي بأن الأفيال تجد المنظر مؤلماً ، وربما تريد البقاء قريباً غير أنها تجد في ذلك تعدياً على حالة خصوصية وهي تراقب مثل هذه المعاناة ، وربما كان لهذا السلوك معنى طقسي لا نفهمه حتى الآن . لقد ساد اعتقاد بأن الأفيال اعتادت أن تذهب إلى قبور خاصة لتحتضر فيها، ورغم عدم ثبوت هذا الاعتقاد ، تعتقد موس أن الأفيال لديها مفهوم عن الموت فهي شديدة الاهتمام بعظام الأفيال ، وليس بعظام أي أنواع أخرى على الإطلاق ، حتى إن رد فعلها إزاء عظام الأفيال متكرر الحدوث ، بحيث إن مصوري السينما لا يواجهون صعوبة في تصوير الأفيال وهي تتفحص العظام ، فهي تشمها وتقلبها وتجري خراطيمها فوق العظام ، وتتحسسها ، وأحياناً تحملها مسافة ما قبل أن تسقطها ، وهي تبدي اهتماماً أكبر بالجماجم والأنياب . وتظن موس أن الأفيال تحاول التعرف على الفرد الميت 
 
 
 
 
، وفي إحدى المرات أحضرت موس عظمة من عظام الفك لفيل ميت ـ أنثى بالغة ـ إلى مخيمها ، كي تحدد عمرها على وجه الدقة ، وبعد ذلك ببضعة أسابيع ، تصادف أن مرت عائلة تلك الأنثى عبر أراضي ذلك المخيم ، فاستدارت كي تقترب وتتفحص الفك ، وبعد وقت طويل من مواصلة الأفيال الأخرى السير ، بقى صغير تلك الأنثى البالغ من العمر سبع سنوات يلمس الفك ويقلبه بأقدامه وخرطومه ، ويجوز للمرء أن يتفق في الرأي مع استنتاج موس بأن الصغير قد تذكر أمه بشكل ما وربما تذكر ملامح وجهها ، فأحس بأنها هناك . وهنا يبدو من المؤكد أن ذاكرة الصغير كانت تعمل ، وقد نعجز عن تحديد ما إذا كان قد أحس بحنين حزين إلى الماضي ، أو الأسف وربما الفرح بتذكر أمه أو تأثر بتجربة انفعالية ، غير أنه من الصعب إنكار مشاعر موجودة بالفعل

عن الكاتب

Tamer Nabil Moussa الزمان والمكان يتبدلان والفكر والدين يختلفان والحب واحد فى كل مكان /بقلمى انسان بسيط عايش فى هذا الزمان

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

أفكار الثقافة وألآدب