recent
أخبار ساخنة

رواية "ميكروفون كاتم صوت

الصفحة الرئيسية

 

رواية "ميكروفون كاتم صوت

تشريح أدبي لانهيار لبنان وصوت المهمشين الصارخ

 

في قلب بيروت المثقلة بالجراح، ومن رحم الانهيار الذي هزّ لبنان، تبرز رواية "ميكروفون كاتم صوت" للكاتب اللبناني محمد طرزي كعمل أدبي استثنائي، ليس فقط لرصدها مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد، بل لقدرتها على تحويل الوجع إلى سردية إنسانية عميقة تتجاوز حدود المكان والزمان. الرواية، التي صدرت طبعتها المصرية حديثًا عن دار الشروق بالقاهرة، حازت على اهتمام نقدي وجماهيري واسع، وتُوّجت بجائزتين مرموقتين هما جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2024، وجائزة كتارا للرواية العربية، ما يضعها في مصاف الأعمال الروائية العربية الهامة في السنوات الأخيرة.

في قلب بيروت المثقلة بالجراح، ومن رحم الانهيار الذي هزّ لبنان، تبرز رواية "ميكروفون كاتم صوت" للكاتب اللبناني محمد طرزي كعمل أدبي استثنائي، ليس فقط لرصدها مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد، بل لقدرتها على تحويل الوجع إلى سردية إنسانية عميقة تتجاوز حدود المكان والزمان. الرواية، التي صدرت طبعتها المصرية حديثًا عن دار الشروق بالقاهرة، حازت على اهتمام نقدي وجماهيري واسع، وتُوّجت بجائزتين مرموقتين هما جائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2024، وجائزة كتارا للرواية العربية، ما يضعها في مصاف الأعمال الروائية العربية الهامة في السنوات الأخيرة.
رواية "ميكروفون كاتم صوت


رواية "ميكروفون كاتم صوت


 

لبنان 2018-2022 مسرح الأحداث وزمان الانهيار

 

تغوص الرواية في فترة زمنية بالغة الحساسية، تمتد بين عامي 2018 و2022، وهي الفترة التي شهدت تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. يقدّم محمد طرزي لوحة بانورامية دقيقة لهذا الواقع، حيث انهيار العملة اللبنانية، والفساد السياسي المستشري، والتعصب الطائفي، وصولًا إلى الكارثة المروعة لانفجار مرفأ بيروت. هذه الأحداث لا تشكل مجرد خلفية للسرد، بل هي المحرك الأساسي لمصائر الشخصيات، حيث يكشف الكاتب كيف طحنت هذه الأزمات أحلام المواطنين البسطاء وتركتهم يصارعون من أجل البقاء.

الكوميديا السوداء كسلاح سردي لمواجهة المأساة

 

أحد أبرز السمات الفنية في "ميكروفون كاتم صوت" هو توظيف الكوميديا السوداء ببراعة. ففي خضم المأساة، يستخدم طرزي السخرية اللاذعة والنقد الساخر لتصوير العبثية التي وصلت إليها الأوضاع. هذا الأسلوب لا يهدف إلى التخفيف من وطأة الألم، بقدر ما يسعى إلى تعريته وكشف التناقضات الصارخة في مجتمع يرقص على حافة الهاوية. الكوميديا هنا هي آلية دفاعية ونقدية في آن واحد، تعكس قدرة الإنسان على إيجاد لحظات من الضحك المرير في أحلك الظروف.

 

شخصيات من رحم الوجع مرآة المجتمع المنسي

 

تتميز الرواية بتركيزها على أصوات المهمشين، أولئك الذين لا يجدون منبرًا في الخطابات الرسمية. بطل الرواية، "سلطان"، هو شاب يعيش على مشارف مقبرة في مدينة صور، يعمل في مساعدة حفار القبور ونعي الموتى. درس المحاسبة وحلم بوظيفة وحياة كريمة، لكنه اصطدم بواقع "الوسايط" والفساد الذي يحكم البلاد. من خلال سلطان وشخصيات أخرى مثل حفار القبور "أبو الغضب"، يقدم طرزي شريحة اجتماعية مسحوقة تكافح من أجل البقاء، وتجد في الهامش مساحة للحياة بعيدًا عن زيف السلطة وأبواقها.

 

وقد صرح طرزي أن فكرة الرواية استلهمها من اقتباس لنجيب محفوظ: "وطن المرء ليس مكان ولادته، لكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب هذا الاقتباس يختزل حياة "سلطان" الذي فعل كل شيء ليخرج حيًا من المقبرة التي وُلد فيها.

 

الرمزية في عالم الرواية المقبرة كاستعارة لبيروت

 

تتخذ الرواية من المقبرة فضاءً سرديًا رئيسيًا، وهي ليست مجرد مكان للأحداث، بل استعارة قوية ورمز مكثف لحال الوطن فالمقبرة التي تبدأ منها الحكاية هي صورة مصغرة للبنان، الذي تحول إلى "مقبرة للأحياء"، مكان تُدفن فيه الأحلام وتُكمم فيه الأصوات. الميكروفونات التي تهيمن على المدينة لا تحمل سوى خطابات الزعماء والانتصارات الوهمية، بينما الصوت الحقيقي، صوت الناس، يتم كتمه. العنوان "ميكروفون كاتم صوت" بحد ذاته يحمل هذه المفارقة الصارخة، حيث تتحول أداة إيصال الصوت إلى أداة للقمع والإسكات

 

أسلوب "السهل الممتنع" ولغة تنبض بالحياة

 

وصفت لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ أسلوب الرواية بأنه "سهل ممتنع"، وهي شهادة على قدرة طرزي على صياغة نص سردي رشيق وعميق في الوقت ذاته. اللغة في الرواية صادقة، بعيدة عن التكلف، وتلامس الواقع اليومي للشخصيات، مع تطعيمها أحيانًا باللهجة العامية لتعزيز مصداقيتها. ورغم أن الرواية تتحدث عن لبنان، إلا أنها، كما ذكرت لجنة التحكيم، "خرجت من محدودية المكان والزمان المفترض لتكشف واقعًا إنسانيًا عامًا عن أزمة الإنسان المعاصر في مدن تدفن الروح وتقتل الأحلام

 

وفي كلمته بعد الفوز بالجائزة

 قال طرزي: "كتبت هذه الرواية وأنا محاصر بالميكروفونات التي تكتم صوتي وتغل لساني، كان شعبي مفلسًا، موزعًا بين المقابر ومراكب الموت... كتبتها صامتًا، يبلل الدمع عيني، كأنني واحد من الشخصيات البكم التي دفعت بها في الرواية، لعل بكمي إذن هو ما لامس وجدان أعضاء اللجنة الموقرة، فقرروا منحي أغلى ما يتطلع إليه الكاتب.. الصوت"

 فى الختام

"ميكروفون كاتم صوت" ليست مجرد رواية عن أزمة بلد، بل هي صرخة مدوية في وجه الظلم، وشهادة أدبية على مرحلة مؤلمة، وانتصار للصوت الإنساني المهمش الذي يرفض أن يُكتم. إنها عمل ضروري لفهم تعقيدات الواقع اللبناني المعاصر، والأهم من ذلك، لفهم قدرة الأدب على تشريح الجراح وتحويل الصمت إلى حكاية خالدة.



author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent