recent
أخبار ساخنة

## "محمد علي": رحلة في سيرة مؤسس مصر الحديثة بقلم لويز مولباخ

الصفحة الرئيسية

 

## "محمد علي": رحلة في سيرة مؤسس مصر الحديثة بقلم لويز مولباخ

 

صدرت حديثًا عن دار "بيت الحكمة" بالقاهرة طبعة جديدة من رواية "محمد علي" للكاتبة الألمانية لويز مولباخ، بترجمة نسيب أفندي المشعلاني. تُعد هذه الرواية التاريخية الغنية إضافة قيّمة للمكتبة العربية، حيث تستعرض سيرة ذاتية وتاريخية لشخصية محمد علي باشا (1769 - 1849)، حاكم مصر الذي لا يزال يثير الجدل حتى يومنا هذا. يقدم هذا العمل الأدبي الفريد نظرة متعمقة على جوانب متعددة من حياة الباشا العظيم، متجاوزًا السرد التاريخي الجاف ليغوص في أعماق شخصيته الإنسانية المعقدة.

صدرت حديثًا عن دار "بيت الحكمة" بالقاهرة طبعة جديدة من رواية "محمد علي" للكاتبة الألمانية لويز مولباخ، بترجمة نسيب أفندي المشعلاني. تُعد هذه الرواية التاريخية الغنية إضافة قيّمة للمكتبة العربية، حيث تستعرض سيرة ذاتية وتاريخية لشخصية محمد علي باشا (1769 - 1849)، حاكم مصر الذي لا يزال يثير الجدل حتى يومنا هذا. يقدم هذا العمل الأدبي الفريد نظرة متعمقة على جوانب متعددة من حياة الباشا العظيم، متجاوزًا السرد التاريخي الجاف ليغوص في أعماق شخصيته الإنسانية المعقدة.
## "محمد علي": رحلة في سيرة مؤسس مصر الحديثة بقلم لويز مولباخ


## "محمد علي": رحلة في سيرة مؤسس مصر الحديثة بقلم لويز مولباخ


**محمد علي بين باني النهضة ومؤسس السلالة**

 

يُعرف محمد علي باشا في الذاكرة الجمعية المصرية بأنه باني نهضة مصر الحديثة، مهندس الإصلاحات العسكرية والاقتصادية والتعليمية التي نقلت البلاد من عصور التخلف إلى مصاف الدول الصاعدة. لقد أسس الجيش المصري الحديث، وطور الزراعة والصناعة، وأنشأ المدارس الحديثة، وأرسل البعثات التعليمية إلى أوروبا.

  •  ومع ذلك، لا يزال البعض ينظر إلى هذه النهضة بعين الريبة، معتبرين أنها لم تكن في صالح
  •  المصريين بالدرجة الأولى، بل كانت تهدف إلى ترسيخ سلطته الشخصية وتمكين أبنائه من حكم مصر
  •  من بعده، مؤسسًا بذلك سلالة حاكمة استمرت لما يقرب من قرن ونصف.

 

هذا الجدل التاريخي لم يكن المحور الأساسي لرواية مولباخ. بدلاً من ذلك، اختارت الكاتبة الألمانية التركيز على الجانب الإنساني لمحمد علي، محاولة إبراز شخصيته بعيدًا عن أضواء الحكم والسلطة. تقدم مولباخ محمد علي كابن حزين ومتألم لفراق والدته، وصديق وفيّ لأصدقائه، وعاشق يذوب شغفًا وغرامًا بمرأى حبيبته.

 هذا التصوير يتعارض مع الصورة الشائعة لمحمد علي كقائد عسكري صارم وعنيف، عُرف بقسوته الشديدة في التخلص من أعدائه بطرق دموية، كما حدث في مذبحة القلعة الشهيرة. في رواية مولباخ، يظهر الباشا بشخصية هادئة الطباع، حسنة النية، لا يريد سوى الخير للجميع، وتتسم شخصيته بالطابع الوديع المسالم.

 

**رحلة في عوالم محمد علي الداخلية**

 

تتكون الرواية من 352صفحة من القطع الكبير، وتتميز بتركيزها على المشاهد الداخلية التي تدور أحداثها في المنازل والقصور. هذا الاختيار السردي يمنح القارئ فرصة نادرة للاطلاع على الحياة الشخصية لمحمد علي وعائلته، بعيدًا عن صخب المعارك السياسية والعسكرية. 

  1. لا تُظهر الرواية جموع المصريين أو شكل الحياة في البلاد في النصف الأول من القرن التاسع عشر
  2.  إلا على استحياء وبشكل عابر، كما أن المؤلفة لم تُولِ اهتمامًا كبيرًا بمعارك محمد علي الخارجية. هذا
  3.  التركيز على الجانب الداخلي يجعل الرواية أشبه بتحليل نفسي لشخصية محمد علي، كاشفة عن
  4.  دوافعه وأحلامه ومخاوفه، وليس مجرد سرد لتسلسل الأحداث التاريخية.

 

تكتسب هذه الرواية التاريخية أهمية خاصة لكونها واحدة من الأعمال الأولى لفن الرواية التي صدرت باللغة العربية. فقد صدرت الطبعة العربية الأولى منها عام 1907، في وقت لم يكن فيه الفن الروائي بمعناه الحديث قد نضج وأصبح محط أنظار القراء كما هو الحال الآن. 

آنذاك، كانت فنون الشعر والمسرح والغناء هي التي تسيطر على الوجدان العام. ومن هنا، تبرز قيمة هذه الرواية، ليس فقط من حيث المضمون الذي يتناول سيرة مؤسس مصر الحديثة، ولكن أيضًا من حيث مساهمتها في بدايات تشكيل المشهد الروائي العربي.

 

**لويز مولباخ مزج التاريخ بالخيال الفني**

 

المؤلفة الألمانية كلارا موندت، التي اشتهرت باسمها الفني لويز مولباخ، كانت متخصصة في الروايات التاريخية. عاشت بين عامي 1814 و1873، ومن أبرز أعمالها "الإمبراطورة جوزفين"، و"ابنة الإمبراطور"، و"ماري أنطوانيت وابنها"، و"هنري الثامن وبلاطه"، و"نابليون وملكة بروسيا".

  •  في روايتها عن محمد علي، استخدمت مولباخ أسلوبًا سرديًا يجمع بين المرجعية التاريخية والخيال
  •  الفني، وهو ما يتشابه مع بدايات نشأة فن الرواية في العالم العربي، حيث كان الاعتماد على استلهام
  •  التاريخ، كما في أعمال جرجي زيدان، أو الترجمة التي قام بها رفاعة الطهطاوي، أو محاكاة السرد
  •  العربي القديم في بث الفضيلة كما كتب علي مبارك والمويلحي وزينب فواز.

 

**من أجواء الرواية حلم العرش للأبناء**

 

يُمكننا أن نلمس عمق الطموح والرؤية المستقبلية لمحمد علي من خلال المقطع المختار من الرواية:

 

«وتمالك محمد علي نفسه فمسح دموعه ودخل إلى الغرفة الثانية حيث كانت زوجته عائدة وأولاده، فتبسَّم قائلاً:

- تعالوا يا بنيّ أُريكم عاصمة بلادي القاهرة أجمل مدن العالم. تعالوا!

 

فأخذ بيدَي بنيه ناسياً تلك الزوجة المسكينة وهي تنظر بحنوٍّ وقد ترقرفت دمعتان محرقتان على خديها عندما خرجوا وغابوا عن نظرها، وسار محمد علي بأولاده بين تلك الغرف التي كانوا يُعجبون بترتيبها والبذخ والترف الذي فيها، إلى أن أوصلهم إلى شرفة القصر وتمثلت أمام عيونهم مدينة القاهرة المتسعة يخترقها النيل متعرجاً كأنه بحر من الفضة النقية وإلى جانبه الآخر صحراء ذهبية في منتهاها أهرام الجيزة العظيمة، فصاح الأولاد بصوت واحد قائلين:

 

- آه... ما أجمل هذا المنظر وما أعظمه يا أبتاه!

 

فقال محمد علي

- نعم إن مصر جميلة عظيمة يا بني، وكل ما تراه عيونكم الآن هو ملكي وتحت تصرفي وحكمي، وعسى أن تكونوا حكامه بعدي وتصبح أسرتي عظيمة ومجيدة تتوارث ذلك بعدي. نعم، وأقسم بالله ألا أتخلى عن عرشي هذا كما تخلى عنه سلفائي، ولا أتنازل عن هذه الأكمة المبنية عليها، قلعة القاهرة المنيعة.

  1.  أقسم أن أجعل أسرتي تحكم مصر إلى آخر الزمان فيخلد التاريخ ذكري قائلاً إن محمد علي هو أول
  2.  أمير حكم مصر وسلَّم ولايتها لأولاده ونسلهم من بعده، فَعِدُوني يا أولادي أنكم تعدلون وتتبعون مثالي
  3.  متى صرتم حكاماً.

 

فقال الأولاد:

- إننا نقسم لك ونَعِدُك بذلك أبتاه.

 

نظر محمد علي إلى أولاده بسرور ثم رفع نظره إلى السماء وقال:

- رباه، قد سمعت هذا القسم. رباه قوِّني من فضلك العظيم لأوطِّد سعادة أسرتي. رباه قوِّ بنيَّ على القيام بوعدهم، وكُنْ أنت لي ولهم معيناً بجاه نبيك الكريم، وَهَبْنِي ألا أكون صنيعة ملك أو سلطان بل أن أبقى حراً مستقلاً ويستقل أولادي بعدي، فشدِّد اللهم يميني وألهمني الحكمة يا أرحم الراحمين»

 

هذا المقطع يكشف عن محمد علي الأب والطموح، الذي يرى في أبنائه امتدادًا لمجده وسلطانه. إنه يلقنهم رؤيته لمستقبل مصر تحت حكم سلالته، ويطلب منهم قسمًا على العدل واتباع مثاله. يظهر أيضًا جانبه الإيماني وتوكله على الله في تحقيق أحلامه.

 

**لماذا تستحق القراءة؟**

 

تُعد رواية "محمد علي" للويز مولباخ عملاً فريدًا يقدم صورة مغايرة ومثرية لأحد أبرز الشخصيات في التاريخ المصري الحديث. إنها ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي محاولة لاستكشاف الروح الإنسانية خلف قناع الحاكم. إنها دعوة للقارئ للتعمق في شخصية محمد علي باشا، لفهم دوافعه، والتعرف على أحلامه، ومواجهة التناقضات التي شكلت حياته. كما أنها تُعد وثيقة تاريخية وأدبية مهمة تسلط الضوء على بدايات فن الرواية في الثقافة العربية، وتأثير الأدب العالمي في تشكيل المشهد الأدبي المحلي.

فى الختام

 لمن يبحث عن رواية تاريخية تتجاوز مجرد الأحداث لتلامس الجانب الإنساني العميق للشخصيات، فإن "محمد علي" هي الخيار الأمثل.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent