# أحمد الخميسي: مسيرة أديب ومترجم من قلب القاهرة إلى آفاق الثقافة الروسية
**أحمد أبو الفتح عبد
الرحمن الخميسي**، اسم لامع في سماء الأدب والصحافة المصرية والعربية، يمثل
نموذجاً فريداً للكاتب الذي مزج بين عمق التجربة المحلية المتمثلة في جذوره
القاهرة ونشأته السياسية المبكرة، وبين سعة الأفق الثقافي العالمي الذي اكتسبه من
دراساته وإقامته الطويلة في روسيا. إن سيرة الخميسي، المولود في 28 يناير 1948،
ليست مجرد قائمة أعمال أدبية، بل هي مرآة تعكس تحولات مصر السياسية والثقافية خلال
النصف الثاني من القرن العشرين، معززةً بجهد استثنائي في مجال **ترجمة الأدب
الروسي** إلى العربية.
![]() |
# أحمد الخميسي: مسيرة أديب ومترجم من قلب القاهرة إلى آفاق الثقافة الروسية |
تعتبر هذه السيرة الذاتية المفصلة دليلاً شاملاً لفهم إسهامات **أحمد الخميسي** المتنوعة في الأدب، النقد، والترجمة، وتفسر لماذا يُنظر إليه كأحد أبرز رواد **القصة القصيرة في مصر** المعاصرة.
## النشأة والتكوين وراثة الفن والالتزام
وُلد أحمد الخميسي في
حي المنيرة بالقاهرة ونشأ في حي السيدة زينب، داخل أسرة مثقفة شكلت بيئة خصبة
لإطلاق شغفه المبكر بالكتابة. كان والده، الشاعر والفنان البارز **عبد الرحمن
الخميسي**، مصدراً للإلهام والتوجيه، مما غرس فيه الوعي الفني والاجتماعي منذ
الصغر.
- بدأت موهبة **أحمد الخميسي** السردية تتألق في سن مبكرة جداً؛ ففي الرابعة عشرة، نشر أولى
- قصصه بعنوان "رجل صغير" في مجلة "صباح الخير". وتأكد حضوره على الساحة الأدبية في
- أبريل 1965 بنشره في مجلة "القصة"، تلاها ظهوره في مجلة "الكاتب" عام 1967، حيث قدمه
- عملاق الأدب **يوسف إدريس** إلى القراء بقصته "استرجاع الأحلام"، وهو اعتراف مبكر
- بموهبة كانت على وشك
النضج.
لم تقتصر نشاطاته
المبكرة على الأدب فحسب، بل شملت الصحافة أيضاً، حيث عمل صحفياً في مجلة "الإذاعة
والتلفزيون المصرية" وهو لا يزال طالباً في مدرسة المبتديان الثانوية (1964-1967).
كما خاض تجربة الكتابة السينمائية، حيث ساهم بحوار فيلم "عائلات محترمة"
(1968)، وفيلم "زهرة البنفسج" (1972)، وكلاهما أخرجه والده. هذه الفترة
التأسيسية كشفت عن شخصية أدبية متعددة الأبعاد، جاهزة للانخراط في المعترك الثقافي
والسياسي.
## محطة 1968 الاعتقال والدراسة في موسكو
كانت فترة ما بعد نكسة 1967
نقطة تحول مفصلية في حياة العديد من المثقفين المصريين، ومن ضمنهم أحمد الخميسي. في
مطلع عام 1968، اعتقل الخميسي ضمن مظاهرات طلابية واسعة اندلعت احتجاجاً على
الأحكام المتهاونة ضد المسؤولين عن النكسة، وتأييداً لمظاهرات عمال حلوان. استمر
اعتقاله لفترة طويلة امتدت حتى منتصف عام 1971.
- بعد خروجه من المعتقل، اتخذ الخميسي قراراً مصيرياً بالسفر إلى **الاتحاد السوفيتي** لمواصلة
- دراسته، تاركاً وراءه أجواء الإحباط السياسي. في موسكو، انخرط في كلية الأدب واللغة، مكرساً
- جهده لتعلم اللغة الروسية والانغماس في ثقافتها الغنية.
هذه التجربة التعليمية
الطويلة في روسيا أثمرت عن إنجازات أكاديمية رفيعة:
1. **دبلوم في اللغة والأدب الروسي** من جامعة موسكو الحكومية (1979).
2. **درجة الدكتوراه في فلسفة الأدب** من جامعة موسكو (1992).
خلال إقامته، لم ينقطع عن وطنه وعمله الصحفي، فعمل مراسلاً لإذاعة (أبوظبي) وجريدة «الأهالي» القاهرية ومجلة «اليسار»، ثم مراسلاً لجريدة «الاتحاد» الإماراتية، مما جعله جسراً بين الثقافة العربية والمشهد الروسي المتغير. هذا العمق الأكاديمي والعمل الميداني هو ما يميز الخميسي، ويجعله صوتاً مزدوج الهوية الثقافية.
## أحمد الخميسي سيد القصة القصيرة المعاصرة
يعتبر أحمد الخميسي من
أهم أعلام جيل الستينات والسبعينات في **القصة القصيرة في مصر**. تمتاز أعماله
بتركيزها على تفاصيل الحياة اليومية، وعمقها النفسي، وقدرتها على رصد التحولات
الاجتماعية والسياسية بنبرة ساخرة وحزينة في آن واحد.
**أبرز أعماله القصصية:**
| اسم المجموعة القصصية
| سنة الإصدار | ملاحظات وتكريم
|
| :--- | :--- | :--- |
| «الأحلام، الطيور،
الكرنفال» | 1967 | مجموعة مشتركة صدرت عن الهيئة المصرية. |
| «قطعة ليل» | 2004 | صدرت
طبعتها الثانية عن كتب خان. |
| **«كناري»** | 2010 |
فازت **بجائزة ساويرس** (فرع كبار الكتاب) كأفضل مجموعة قصصية لعام 2011، مما يثبت
مكانته الأدبية الرفيعة. |
| «رأس الديك الأحمر» |
2012 | صدرت عن كتب خان. |
| **«أنا وأنت»** | 2015
| فازت **بجائزة ساويرس** كأفضل مجموعة قصصية بين كبار الأدباء في 2017، مؤكدة
استمرارية تميزه. |
| «ليل بلا قمر» | 2017
| صدرت عن هيئة الكتاب المصرية.
|
تظهر مجموعاته القصصية
الأخيرة، خاصة تلك التي حازت على جوائز كبرى مثل **جوائز ساويرس الأدبية**، نضجاً
فنياً هائلاً، حيث يمزج بين الواقعية والحلم، مقدماً رؤى نقدية حادة للمجتمع دون
أن يفقد لمسته الإنسانية الدافئة.
## ريادة الترجمة من الروسية الجسر الثقافي
إذا كانت القصة القصيرة
هي مسرح إبداعه الأصيل، فإن الترجمة هي الساحة التي ترك فيها أحمد الخميسي بصمة لا
تُمحى كأحد أهم المترجمين العرب للغة الروسية. إن معرفته الأكاديمية واللغوية
العميقة سمحت له بنقل روح الأدب الروسي وفلسفته إلى القارئ العربي بدقة واحترافية.
**أعماله في الترجمة
تشمل عناوين مؤثرة:**
* **«معجم المصطلحات الأدبية»** (1984): عمل مرجعي هام نقل فيه
المصطلحات الأدبية الروسية.
* **«المسألة اليهودية» لدوستويفسكي:** نُشرت هذه الترجمة الهامة في
مجلة "أدب ونقد" (1991)، وتضمنت رؤى دوستويفسكي الفلسفية والاجتماعية.
* **«كان بكاؤك في الحلم مريراً»** (1985): مجموعة قصصية مترجمة عن
الروسية.
* **«نجيب محفوظ في مرايا الاستشراق»** (1989): ترجمة وإعداد عمل
يقدم رؤية الغرب لأدب نجيب محفوظ.
* **«نساء الكرملين»** (1997): عمل يكشف جوانب من الحياة السياسية
والاجتماعية الروسية.
* «لقاء عابر» وقصص أخرى مترجمة، و«رائحة الخبز».
تقديراً لجهوده
الاستثنائية في إثراء المكتبة العربية، تم تكريم **أحمد الخميسي** من قبل:
1. **اتحاد الأدباء العرب** لدوره الرائد في **ترجمة الأدب الروسي**.
2. **اتحاد الكتاب الروس** ومجلة "ديوان العرب"، اعترافاً
بكونه سفيراً للثقافة الروسية في العالم العربي.
## إسهامات أخرى في المسرح والدراسات
لم يقتصر إنتاج الخميسي
على السرد والترجمة، بل امتد ليلامس المسرح والنقد السياسي والاجتماعي.
### الأعمال المسرحية:
قدم الخميسي مسرحية
واحدة بارزة هي **«الجبل»** (2011)، والتي حازت على تقدير كبير وفازت **بجائزة
نبيل طعمة السورية** لعام 2011. وتتميز المسرحية بتركيزها على الصراع الإنساني
والقضايا الوجودية.
### الدراسات والمقالات
تُعد دراساته ومقالاته
في الصحف المصرية والعربية مرجعاً هاماً في فهم التحولات الروسية، والمشهد السياسي
المصري. ومن أبرزها:
1. **«موسكو تعرف الدموع»** (1991): دراسات معمقة في الشأن الروسي.
2. **«الصعود إلى الجبال الشيشانية»** (1995): تحليل لأزمة الشيشان
وتداعياتها.
3. **«عيون التحرير في الأدب والسياسة»** (2011): مقالات مرتبطة
بثورة يناير وتأثيرها على المشهد الأدبي والسياسي.
4. **«أوراق روسية»** (2013): مجموعة مقالات تعكس خبرته الطويلة
كمراسل في روسيا.
5. **«الباب المغلق بين الأقباط والمسلمين»** (2008): دراسة اجتماعية
تعالج قضايا الوحدة الوطنية.
##أديب يواجه التحديات ويثري الثقافة
إن مسيرة **أحمد أبو
الفتح عبد الرحمن الخميسي** هي مثال للالتزام الثقافي والمهني الذي لم تثنه
التحديات السياسية أو سنوات الاعتقال. لقد نجح في صقل تجربته من خلال التفاعل مع
ثقافتين عريقتين: المصرية والروسية.
فى الختام
من خلال فوزه المتكرر **بجوائز ساويرس**، وتكريمه من قبل الاتحادات الأدبية الدولية، رسخ أحمد الخميسي مكانته ليس فقط ككاتب قصصي يمتلك أدواته ببراعة، ولكنه أيضاً كواحد من أبرز المترجمين والمثقفين الذين كرسوا حياتهم لبناء جسور الفهم الثقافي.
يبقى الخميسي صوتاً حراً
وناقداً اجتماعياً، تستلهم الأجيال الجديدة من إبداعه المتنوع وعمقه الفكري. يظل
اسمه مرتبطاً بجودة الكتابة والترجمة، وإثراء المشهد الثقافي العربي بأعمال خالدة.
ملحوظة/ الصور ليست للكاتب مجرد صور للتعبير عن الموضوع