recent
أخبار ساخنة

### **رواية "الوعد": سيمفونية سلفينا أوكامبو الأخيرة التي هزمت الموت بالكلمات**

الصفحة الرئيسية

 

### **رواية "الوعد": سيمفونية سلفينا أوكامبو الأخيرة التي هزمت الموت بالكلمات**

 

في عالم الأدب، هناك أعمال تتجاوز كونها مجرد قصص لتصبح شهادات وجودية، مرايا تعكس الصراع الأبدي بين الذاكرة والنسيان، وبين الحياة والموت. تنتمي رواية **"الوعد" (La promesa)** للكاتبة الأرجنتينية العظيمة **سلفينا أوكامبو (Silvina Ocampo)** إلى هذه الفئة النادرة من الأعمال الخالدة.

في عالم الأدب، هناك أعمال تتجاوز كونها مجرد قصص لتصبح شهادات وجودية، مرايا تعكس الصراع الأبدي بين الذاكرة والنسيان، وبين الحياة والموت. تنتمي رواية **"الوعد" (La promesa)** للكاتبة الأرجنتينية العظيمة **سلفينا أوكامبو (Silvina Ocampo)** إلى هذه الفئة النادرة من الأعمال الخالدة.
### **رواية "الوعد": سيمفونية سلفينا أوكامبو الأخيرة التي هزمت الموت بالكلمات**


### **رواية "الوعد": سيمفونية سلفينا أوكامبو الأخيرة التي هزمت الموت بالكلمات**

  •  هذه الرواية القصيرة، التي نُشرت بعد وفاتها، ليست مجرد خاتمة لمسيرتها الأدبية الحافلة
  •  بل هي عملٌ نبوئي وميتافيزيقي يستكشف أعمق هواجس الإنسان في مواجهة الفناء.

#### **من هي سلفينا أوكامبو؟ عبقرية في ظل العمالقة**

 

قبل الغوص في أعماق "الوعد"، من الضروري أن نلقي الضوء على مؤلفتها. سلفينا أوكامبو (1903-1993) كانت شاعرة وكاتبة قصة قصيرة وروائية أرجنتينية، وشخصية محورية في الأدب اللاتيني في القرن العشرين.

  •  غالبًا ما وُضعت في ظل زوجها، الكاتب الكبير **أدولفو بيوي كاساريس**، وصديق العائلة
  •  المقرّب، الأسطورة **خورخي لويس بورخيس**. لكن أوكامبو كانت تمتلك صوتًا أدبيًا فريدًا
  •  ومظلمًا، يتميز بالواقعية السحرية الممزوجة بالقسوة النفسية والتركيز على العوالم الداخلية الغريبة
  •  للأطفال والنساء والمنبوذين. أعمالها، التي غالبًا ما تتسم بالغموض والغرابة، جعلتها رائدة في
  •  استكشاف الجوانب الخفية والمقلقة من الحياة اليومية.

 

#### **"الوعد" حبكة بسيطة وعمق فلسفي هائل**

 

تبدأ رواية "الوعد" بحدث درامي بسيط ومباشر: امرأة تسقط من على متن سفينة في عرض المحيط الأطلسي. بينما هي تطفو وحيدة في المياه الشاسعة، بين الحياة والموت، تقطع وعدًا على نفسها للقديسة ريتا، شفيعة المستحيلات: إذا نجت، فستكتب سيرة ذاتية فريدة من نوعها، لا عن نفسها، بل عن كل شخص عرفته في حياتها، مهما كانت معرفتها بهم عابرة.

  1.  
  2. هذا الوعد هو المحرك السردي للرواية بأكملها. تتحول المرأة الطافية إلى راوية لا تتوقف، تستدعي
  3.  من أعماق ذاكرتها سيلاً من الوجوه والقصص والشخصيات: من مربيتها الإسبانية إلى بائع الزهور
  4.  ومن صديقات الطفولة إلى معارف اللحظة. كل شخصية هي ومضة، صورة مصغرة، قطعة من
  5.  فسيفساء حياتها المهددة بالذوبان في مياه المحيط.

 

#### **الرواية الشبحية عندما تصبح الذاكرة هي طوق النجاة**

 

### **رواية "الوعد": سيمفونية سلفينا أوكامبو الأخيرة التي هزمت الموت بالكلمات**

وصفت سلفينا أوكامبو عملها هذا ذات مرة بأنه **"رواية شبحيّة"**، وهو وصف دقيق للغاية. فالرواية لا تتبع خطًا زمنيًا تقليديًا، بل هي عبارة عن تدفق حر للوعي، حيث تتداخل الذكريات والأزمنة والأماكن. الشخصيات التي تستدعيهم البطلة هم أشباح من الماضي، وهي نفسها في حالة "برزخية" معلقة بين عالم الأحياء وعالم الأموات.

 

هنا تكمن عبقرية أوكامبو:

*   **السرد كفعل مقاومة:** السرد المستمر ليس مجرد وفاء بوعد، بل هو فعل مقاومة ضد الموت والنسيان. طالما أنها تستمر في الحكي، فإنها تظل حية. الكلمات هي حبلها السري الذي يربطها بالوجود.

*   **الذاكرة ككيان هش:** الرواية تُظهر كيف أن الذاكرة ليست سجلاً دقيقًا، بل هي عملية إعادة بناء مستمرة، انتقائية، ومليئة بالثغرات. البطلة تتساءل أحيانًا عن دقة ذكرياتها، مما يضيف طبقة من الشك والضبابية على السرد.

*   **الهوية المبعثرة:** من خلال سرد قصص الآخرين، تتشكل هوية البطلة بشكل غير مباشر. إنها ليست سوى مجموع العلاقات والذكريات التي كوّنتها مع من حولها. وبفقدان هذه الذكريات، تفقد هويتها.

 

#### **التقاطع المأساوي عندما تلتحم حياة المؤلفة بالرواية**

 

تكتسب "الوعد" بعدها الأكثر إيلامًا وعمقًا عند معرفة الظروف التي كُتبت فيها. عملت سلفينا أوكامبو على هذه الرواية لعقود، لكنها لم تتمكن من إكمالها بالشكل الذي أرادته. في سنواتها الأخيرة، عانت الكاتبة من مرض الزهايمر، وهو المرض الذي يسرق من الإنسان أثمن ما يملك: ذاكرته.

 

  • هنا، يتحول الخيال إلى واقع مأساوي. البطلة التي تحكي كي لا تموت، كي لا تغرق في محيط النسيان
  •  أصبحت انعكاسًا مباشرًا لسلفينا أوكامبو نفسها، التي كانت تكافح للحفاظ على ذكرياتها وكلماتها في
  •  وجه مرض لا يرحم. تصريحها بأن بطلتها **"كانت تموتُ شيئًا فشيئًا"** بينما هي تحكي، لم يكن
  •  مجرد وصف أدبي، بل كان نبوءة حزينة لمصيرها الشخصي.

 

وبهذا المعنى، يمكن قراءة "الوعد" على أنها **"سيرة ذاتية نُشرت بعد وفاة صاحبتها"**. إنها ليست سيرة أحداث، بل سيرة صراع داخلي مرير ضد التلاشي. الرواية أصبحت مساحة آمنة لأوكامبو لتخليد ذكرياتها، ليس فقط عبر كتابتها، بل عبر تحويل فعل الكتابة نفسه إلى موضوع الرواية الأساسي.

 

#### **السمات الأسلوبية ومكانتها في الأدب الأرجنتيني**

 

### **رواية "الوعد": سيمفونية سلفينا أوكامبو الأخيرة التي هزمت الموت بالكلمات**

تعتبر "الوعد" ذروة أسلوب سلفينا أوكامبو الأدبي. اللغة مكثفة وشعرية، والجمل قصيرة وحادة مثل شظايا الزجاج. السرد المتشظي وغير الخطي يعكس تمامًا حالة البطلة العقلية والنفسية.

 

*   **اقتصاد اللغة:** لا توجد كلمة واحدة زائدة. كل شخصية مرسومة ببضع جمل دقيقة تكشف عالمًا كاملاً.

*   **الواقعية السحرية:** تمتزج الواقعية القاسية لموقف البطلة (الغرق) مع الطبيعة السحرية وغير الملموسة للذاكرة.

*   **الميتا-سرد (Meta-fiction):** الرواية هي عن فعل الحكي نفسه، عن أهمية القصة في تشكيل حياتنا ومنحها معنى حتى في أكثر اللحظات يأسًا.

 

#### **فى الختام**

 

رواية "الوعد" ليست مجرد عمل أدبي، بل هي تجربة إنسانية عميقة. إنها شهادة مؤثرة على قوة الروح البشرية وقدرة الكلمات على بناء جسور فوق هوة الفناء. لقد تركت لنا سلفينا أوكامبو، من خلال بطلتها المجهولة الطافية على الماء، وعدًا بأن القصة ستستمر، وأن الذاكرة، حتى في أشد حالاتها هشاشة، قادرة على منحنا الخلود للحظة أخيرة.

 إنها دعوة لننظر إلى حياتنا كشبكة من القصص والذكريات، ولندرك أننا نحيا طالما هناك من يتذكرنا، أو طالما أننا قادرون على أن نحكي. "الوعد" هي تحفة أدبية تؤكد أن سلفينا أوكامبو لم تكن في ظل أحد، بل كانت نجمًا ساطعًا بحد ذاتها، وأن صوتها سيظل يتردد طويلاً في تاريخ الأدب العالمي.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent