recent
أخبار ساخنة

### **مراجعة رواية "هيلم" لسارة هول: عندما تصبح الريح بطلاً يروي حكايات البشر والطبيعة**

الصفحة الرئيسية

 

### **مراجعة رواية "هيلم" لسارة هول: عندما تصبح الريح بطلاً يروي حكايات البشر والطبيعة**

 

في عالم الأدب الذي يزخر بأبطال من لحم ودم، تأتي الكاتبة البريطانية المرموقة سارة هول لتكسر القالب بجرأة استثنائية، مقدمةً لنا عملاً أدبياً فريداً استغرق نسجه عقدين من الزمن. روايتها الجديدة "هيلم" (Helm) ليست مجرد قصة، بل هي تجربة حسية وعقلية يكون بطلها ليس إنساناً أو كائناً حياً، بل "هيلم" نفسها؛ الريح الوحيدة في بريطانيا التي تحمل اسماً، تلك الهبات الشمالية الشرقية العاتية التي تعصف بالمنحدرات الغربية لجبل "كروس فيل" في مرتفعات "بينين".

في عالم الأدب الذي يزخر بأبطال من لحم ودم، تأتي الكاتبة البريطانية المرموقة سارة هول لتكسر القالب بجرأة استثنائية، مقدمةً لنا عملاً أدبياً فريداً استغرق نسجه عقدين من الزمن. روايتها الجديدة "هيلم" (Helm) ليست مجرد قصة، بل هي تجربة حسية وعقلية يكون بطلها ليس إنساناً أو كائناً حياً، بل "هيلم" نفسها؛ الريح الوحيدة في بريطانيا التي تحمل اسماً، تلك الهبات الشمالية الشرقية العاتية التي تعصف بالمنحدرات الغربية لجبل "كروس فيل" في مرتفعات "بينين".
### **مراجعة رواية "هيلم" لسارة هول: عندما تصبح الريح بطلاً يروي حكايات البشر والطبيعة**


### **مراجعة رواية "هيلم" لسارة هول: عندما تصبح الريح بطلاً يروي حكايات البشر والطبيعة**

  • في هذه المراجعة الشاملة، نغوص في أعماق هذا العمل الإبداعي الذي يمنح صوتاً لإحدى أقوى قوى
  •  الطبيعة، ونستكشف كيف نجحت هول في تحويل ظاهرة جوية إلى راوٍ ساخر، حكيم، وماجن يراقب
  •  البشرية منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا المهدد بتغير المناخ.

#### **"هيلم" أكثر من مجرد ظاهرة طبيعية**

 

تكمن عبقرية سارة هول في قدرتها على أنسنة ما هو غير إنساني دون أن تجرده من طبيعته الأولية. "هيلم" ليست مجرد ريح، بل هي كيان له وعي وذاكرة وتاريخ. هي شاهدة على العصور، راقبت القبائل في العصر الحجري الحديث وهي تقدم لها القرابين لاسترضائها، ورأت الإمبراطوريات تنهض وتسقط، وسمعت صلوات وأسرار وأكاذيب البشر التي حملتها عبر الوديان.

 

  • هذا الاختيار الجريء للبطل يمنح الرواية منظوراً فريداً لا يمكن تحقيقه عبر راوٍ بشري. "هيلم"
  •  محايدة جنسياً، بلا هوية جسدية، مما يحررها من القيود والتصورات البشرية. هي صوت الطبيعة
  •  الخام، صوت يتجاوز الزمان والمكان، ويقدم لنا تأملاً عميقاً في علاقتنا الهشة والمضطربة مع العالم
  •  الطبيعي الذي نعيش فيه.

 

#### **صوت الراوي سخرية رابليه وروح بدائية**

 

### **مراجعة رواية "هيلم" لسارة هول: عندما تصبح الريح بطلاً يروي حكايات البشر والطبيعة**

وصفت هول صوت "هيلم" بأنه مستوحى من روح الأديب الفرنسي فرانسوا رابليه، المعروف بأسلوبه الساخر والماجن الذي يحتفي بالجسد وملذاته وأمور الحياة الدنيوية. وهذا يتجلى بوضوح في شخصية "هيلم". فالريح لا تتردد في إطلاق "النكات البذيئة عن إطلاق ريح البطن"، وتجد متعة لا تضاهى في مراقبة "المسرح الرائع" للسلوك البشري بكل تناقضاته: "يتعاركون ويعبثون ويشربون".

 

  1. هذه الروح الساخرة تجعل من "هيلم" راوياً مسلياً بشكل لا يصدق. فمن خلال عينيها (أو بالأحرى
  2.  هباتها)، نرى البشر ككائنات صغيرة، غريبة الأطوار، ومثيرة للشفقة أحياناً. هي تسخر من طقوسهم
  3.  ومن غرورهم، ومن محاولاتهم اليائسة للسيطرة على الطبيعة. لكن خلف هذه السخرية، هناك لمسة
  4.  من الحنان، أو على الأقل فضول عميق تجاه هذه المخلوقات سريعة الزوال التي تملأ عالمها
  5.  بالضجيج والدراما.

 

#### **لوحات سردية من منطاد فيكتوري إلى طائرات تورنيدو**

 

تتألف الرواية من فصول قصيرة تشبه اللوحات الفنية، كل منها يلتقط لحظة معينة من التاريخ كما شهدتها "هيلم". هذه الفصول لا تتبع خطاً زمنياً صارماً، بل تتحرك بحرية مثل الريح نفسها، متنقلة بين العصور والمشاهد.

 

**نادي الأميال العالية في العصر الفيكتوري:**

في أحد أروع فصول الرواية وأكثرها حيوية، تراقب "هيلم" زوجين يمارسان الحب في سلة منطاد يعود للعصر الفيكتوري. تصف هول المشهد بلغة شاعرية وساخرة في آن واحد، حيث تشبه "هيلم" المنطاد المتأرجح فوق الوادي بـ"مثانة سماوية".

 لا تكتفي هول بالوصف، بل تقدم تعليقاً لاذعاً على المشهد، واصفة إياه بأنه "أول تجربة في نادي الأميال العالية"، مما يضفي على اللحظة التاريخية طابعاً هزلياً ومعاصراً.

 

**صراع مع الحداثة الريح ضد الطائرات المقاتلة:**

في المقابل، نرى غضب "هيلم" وسخطها تجاه مظاهر الحداثة المدمرة. تطلق خطبة نارية ضد "أولئك الأوغاد المقيتين"، في إشارة إلى طائرات تورنيدو المقاتلة التابعة لسلاح الجو الملكي، التي تمزق هدوء السماء بصوتها المزعج وسرعتها الفائقة.

  •  هنا، يتحول صوت الراوي من السخرية إلى الغضب المبرر
  •  مما يجسد الصراع الأزلي بين الطبيعة الجامحة والتكنولوجيا البشرية الغازية.

 

#### **"مقياس قوة هيلم" إبداع أدبي وعلمي**

 

### **مراجعة رواية "هيلم" لسارة هول: عندما تصبح الريح بطلاً يروي حكايات البشر والطبيعة**

من أبرز إبداعات الرواية هو فصل بعنوان "مقياس قوة هيلم"، وهو نسخة أدبية مخصصة من مقياس بوفورت لقوة الرياح. يتكون المقياس من اثنتي عشرة درجة، كل درجة تصف تأثير "هيلم" على محيطها بأسلوب يمزج بين الدقة العلمية والسخرية اللاذعة.

 

*   **الدرجة الرابعة ("هيلم المعتدل"):** عند هذه الدرجة (سرعة 20-28 كم/ساعة)، لا يستدعي الأمر أكثر من "إنذار مشاتل الفاصولياء التابعة لجمعية السيدات". هذا الوصف الساخر يصور الحياة الريفية الإنجليزية بطريقة طريفة، ويظهر كيف أن قوة الطبيعة في مستوياتها الدنيا لا تتعدى كونها مصدر إزعاج بسيط للبستانيين.

*   **الدرجة الثانية عشرة ("إعصار هيلم"):** عند وصولها إلى أقصى قوتها (سرعة 117-133 كم/ساعة)، تتحول "هيلم" إلى قوة تدميرية مرعبة. هنا، يصل الأمر إلى حد الذعر الشامل: "يخرج قطار كارلايل-سيتل عن السكة" و"تتم إعادة رسم مجرى نهر إيدن". هذا التصعيد الدراماتيكي لا يوضح قوة الريح فحسب، بل يبرز أيضاً هشاشة البنى التحتية البشرية في مواجهة غضب الطبيعة الحقيقي.

 

هذا المقياس ليس مجرد حيلة أدبية، بل هو أداة ذكية تستخدمها هول لتعميق شخصية "هيلم" ومنحها أبعاداً متعددة، من النسيم اللطيف إلى الإعصار المدمر.

 

#### **صرخة في وجه تغير المناخ**

 

على الرغم من طابعها التاريخي والأسطوري، فإن رواية "هيلم" متجذرة بعمق في قضايا العصر. تختتم هول عملها بالانتقال من الماضي السحيق إلى الحاضر المقلق، حيث تتصدى بشكل مباشر لمعضلة تغير المناخ. تدرك "هيلم"، الكيان الخالد، أن وجودها ذاته بات مهدداً بسبب التلوث الذي يغير أنماط الطقس ويسمم الهواء.

 

  1. هنا، يتحول صوت الراوي الساخر إلى صوت تحذيري، صرخة من قلب الطبيعة موجهة إلى البشرية.
  2.  إن التهديد الذي يواجه "هيلم" هو رمز للتهديد الذي يواجه كوكبنا بأسره. وبهذا، تصبح الرواية ليست
  3.  مجرد تأمل في التاريخ، بل هي دعوة عاجلة للعمل، تذكير بأن أفعالنا لها عواقب تمس حتى القوى
  4.  الأكثر بدائية وخلوداً في عالمنا.

 

#### ** رواية تعصف بالعقل وتقتلع الثوابت**

 

"هيلم" لسارة هول هي أكثر من مجرد رواية؛ إنها إنجاز أدبي جريء، قصيدة نثرية تحتفي بالطبيعة وتفضح الغرور البشري. على مدار عشرين عاماً، صاغت هول عملاً فريداً من نوعه، يجمع بين البحث التاريخي الدقيق، والخيال الجامح، والوعي البيئي العميق.

 فى الختام

إنها رواية قادرة فعلاً، كما يوحي بطلها، على أن "تعصف بالقارئ وتقتلعه معها بعيداً" في رحلة عبر الزمن والذاكرة، لتتركه في النهاية وهو يتأمل مكانه في هذا العالم بعيون جديدة وأكثر تواضعاً. "هيلم" ليست كتاباً يُقرأ، بل هو تجربة تُعاش، وشهادة على أن أعظم القصص قد تأتي من أكثر الرواة غير المتوقعين.

 

**معلومات النشر:**

*   **تصدر رواية "هيلم" لـ سارة هول عن دار "فيبر" في 28 أغسطس. 2025**

*   **السعر: 20 جنيهاً استرلينياً.**

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent