recent
أخبار ساخنة

### **فضيحة القرن: الوجه الصحفي الخفي لجابرييل جارسيا ماركيز**

الصفحة الرئيسية

 

 

### **فضيحة القرن: الوجه الصحفي الخفي لجابرييل جارسيا ماركيز**

 

عندما يُذكر اسم **جابرييل جارسيا ماركيز**، تتبادر إلى الأذهان فورًا عوالم "مئة عام من العزلة" الساحرة، ورائحة الجوافة في "الحب في زمن الكوليرا"، وشخصيات تتأرجح بين الواقع والخيال في قرية ماكوندو الأسطورية.

عندما يُذكر اسم **جابرييل جارسيا ماركيز**، تتبادر إلى الأذهان فورًا عوالم "مئة عام من العزلة" الساحرة، ورائحة الجوافة في "الحب في زمن الكوليرا"، وشخصيات تتأرجح بين الواقع والخيال في قرية ماكوندو الأسطورية.
### **فضيحة القرن: الوجه الصحفي الخفي لجابرييل جارسيا ماركيز**


### **فضيحة القرن: الوجه الصحفي الخفي لجابرييل جارسيا ماركيز**

 لقد أصبح "غابو"، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، أيقونة للواقعية السحرية وأحد أعظم الروائيين في القرن العشرين. ولكن، خلف هذا الصرح الأدبي الشاهق، يكمن شغف أول، وحب دائم، ومهنة عرّف بها نفسه حتى آخر أيامه: الصحافة. كتاب **"فضيحة القرن"** ليس مجرد مجموعة مقالات، بل هو المفتاح الذهبي الذي يفتح الباب على الروح الحقيقية لماركيز؛ روح المراسل الصحفي الذي رأى في الواقع أغرب القصص وأكثرها سحرًا.

#### **من هو جابرييل جارسيا ماركيز؟ ما وراء الواقعية السحرية**

 

قبل أن يصبح الروائي الذي أبهر العالم، كان جابرييل جارسيا ماركيز شابًا يخطو خطواته الأولى في غرف الأخبار الصاخبة في كولومبيا. بدأت مسيرته المهنية في أواخر الأربعينيات كمراسل صحفي، وهي المهنة التي لم يتخلَّ عنها أبدًا، بل اعتبرها جوهر هويته. لطالما صرح في مقابلاته بأن الصحافة هي "أفضل مهنة في العالم"، وكان يرى أن صلته بالواقع اليومي، والبحث عن الحقيقة، وسرد القصص الإنسانية هي الوقود الذي أشعل خياله الروائي.

 

  • لقد كرر ماركيز عبارته الشهيرة التي تلخص فلسفته: "لا أريد أن يتذكرني أحد برواية مئة عام من
  •  العزلة، ولا من خلال جائزة نوبل، بل من خلال الصحيفة... لقد ولدت صحافيًا واليوم أشعر بأنني
  •  مراسل أكثر من أي وقت مضى. إنها في دمي". هذا التصريح ليس تواضعًا من عملاق أدبي، بل هو
  •  إعلان صريح عن أن أدبه ما هو إلا امتداد لعمله الصحفي

 وأن كتبه، في جوهرها، "كتب صحافية"، حتى وإن لم يلاحظ القراء ذلك بوضوح. كتاب **"فضيحة القرن"** يأتي ليثبت هذه المقولة، ويقدم لنا الدليل الملموس على أن الحدود بين الصحافة والأدب عند ماركيز كانت واهية، بل متداخلة بشكل فني ومبدع.

 

#### **كتاب "فضيحة القرن" نافذة على روح المراسل**

 

### **فضيحة القرن: الوجه الصحفي الخفي لجابرييل جارسيا ماركيز**

يُعد كتاب "فضيحة القرن" (Scandal of the Century) مجموعة مختارة بعناية من أفضل أعماله الصحفية التي كتبها بين عامي 1950 و1984. هذه المختارات ليست مجرد تجميع عشوائي، بل هي رحلة زمنية وفكرية تكشف عن تطور ماركيز ككاتب وإنسان، وتعرض لنا العالم من خلال عدسته الفريدة التي تمزج بين دقة الملاحظة الصحفية وبراعة السرد الروائي.

 

**1. مواضيع متنوعة بعين روائي:**

تتنوع المقالات والتحقيقات في الكتاب لتشمل طيفًا واسعًا من القضايا التي شغلت العالم في منتصف القرن العشرين. من خلال هذه النصوص، نرى ماركيز الصحفي وهو يرسم لوحات حية لمجتمعه والعالم:

 

*   **التحقيقات الجنائية والاجتماعية:** يأخذنا ماركيز في رحلة إلى كواليس قضايا هزت الرأي العام، مثل التحقيق الذي كتبه حول موت شابة إيطالية غامضة (قضية ويلما مونتيزي)، حيث لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يغوص في أعماق المجتمع الإيطالي ليكشف عن فساد النخب السياسية والاجتماعية. كما يسلط الضوء على قضايا مأساوية مثل تجارة الرقيق الأبيض بين باريس وأمريكا اللاتينية، محولًا التقارير الصحفية إلى قصص إنسانية مؤثرة.

*   **بورتريهات سياسية وأدبية:** يقدم الكتاب لمحات نادرة عن شخصيات تاريخية بارزة، أبرزها علاقته المعقدة والمثيرة للجدل مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. لا يقدم ماركيز تحليلًا سياسيًا جافًا، بل يرسم صورة شخصية عميقة، مظهرًا الجانب الإنساني خلف الأسطورة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يكتب عن الروائيين الذين أثروا فيه، مثل إرنست همنغواي ووليم فوكنر، مقدمًا رؤى نقدية قيمة حول الأدب وعملية الكتابة.

*   **بذور ماكوندو الأولى:** لعل أكثر ما يثير اهتمام عشاق رواياته هو العثور في هذه المقالات على البذور الأولى لعالمه الروائي. نجد هنا الملامح الأولية لشخصيات ستظهر لاحقًا في "مئة عام من العزلة"، ونقرأ عن أساطير وقصص حقيقية من مسقط رأسه أراكاتاكا، التي أصبحت لاحقًا قرية ماكوندو الخيالية. هذه النصوص تظهر كيف كان ماركيز يستلهم من الواقع المباشر ويبني عليه صروحًا من الخيال.

 

#### **الصحافة والأدب تداخل فني يوسع حدود الواقع**

 

يكمن سر عبقرية ماركيز في قدرته على طمس الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال، بين التقرير الصحفي والقصة الأدبية. في كتاب "فضيحة القرن"، يتجلى هذا التداخل بوضوح. إنه يستخدم أدوات الصحفي—البحث الدقيق، المقابلات المعمقة، جمع التفاصيل، والالتزام بالوقائع—لكنه يصب كل هذا في قالب السرد الروائي.

 

  1. التوتر السردي بين الصحافة والأدب الذي يميز هذه الكتابات ليس مجرد أسلوب، بل هو فلسفة في
  2.  النظر إلى العالم. كان ماركيز يؤمن بأن "الواقع أغرب من الخيال"، وأن مهمة الصحفي لا تقتصر
  3.  على نقل الأخبار، بل على سرد القصة الكامنة وراءها، وإظهار أبعادها الإنسانية العميقة. ولهذا
  4.  السبب، تمتد حدود الواقع في مقالاته، حيث يمكن لحادثة بسيطة أن تتحول إلى ملحمة، ويمكن
  5.  لشخصية عادية أن تكتسب أبعادًا أسطورية.

 

هذا الأسلوب، الذي أُطلق عليه لاحقًا "الصحافة الأدبية" أو "السرد غير الخيالي" (Narrative Non-fiction)، كان ماركيز أحد رواده العالميين. لقد أثبت أن التقرير الصحفي لا يجب أن يكون جافًا وموضوعيًا بشكل صارم، بل يمكن أن يكون ممتعًا، مؤثرًا، وخالدًا مثل أفضل الأعمال الأدبية. القارئ في "فضيحة القرن" لا يقرأ مجرد أخبار قديمة، بل يستمتع مرة أخرى بـ "القاص" العظيم الذي عرفه في رواياته، وهو يطبق سحره على أحداث حقيقية.

 

#### **لماذا يجب على كل محب للأدب قراءة "فضيحة القرن"؟**

 

### **فضيحة القرن: الوجه الصحفي الخفي لجابرييل جارسيا ماركيز**

قد يتساءل البعض: لماذا أعود لقراءة مقالات صحفية قديمة لروائي عظيم؟ الإجابة تكمن في أن هذا الكتاب يقدم أكثر من مجرد لمحة تاريخية.

 

1.  **فهم أعمق لعالم ماركيز الأدبي:** الكتاب هو بمثابة مختبر ماركيز الإبداعي. من خلاله، نرى كيف تشكلت أفكاره، وكيف تطورت شخصياته، وكيف تحولت القصص التي سمعها أو حقق فيها إلى مواد خام لأعماله الروائية الخالدة. إنه يقدم خريطة طريق إلى منبع إلهامه.

2.  **دروس في الكتابة والصحافة:** لكل كاتب أو صحفي طموح، يعتبر الكتاب بمثابة دورة تدريبية مكثفة على يد واحد من أعظم معلمي السرد. يعلمنا ماركيز كيف نجد القصة في كل شيء، وكيف نحول المعلومة إلى حكاية، وكيف نستخدم اللغة لخلق تأثير عاطفي وفكري عميق.

3.  **إعادة اكتشاف متعة القراءة:** إن ما يميز ماركيز، سواء في رواياته أو مقالاته، هو قدرته الفائقة على جذب القارئ منذ السطر الأول. كل مقال في "فضيحة القرن" هو قصة مشوقة بحد ذاتها، مليئة بالتفاصيل الحية والشخصيات التي لا تُنسى والتحولات الدرامية المفاجئة.

 

#### **فى الختام**

 

 يظل كتاب **"فضيحة القرن"** شهادة قوية على أن جابرييل جارسيا ماركيز لم يكن مجرد روائي عظيم بالصدفة. لقد كان صحفيًا عظيمًا أولًا، صقل أدواته في ميدان البحث عن الحقيقة، وتعلم أن يستمع إلى نبض الشارع، وأن يرى العجائب في تفاصيل الحياة اليومية. هذا الكتاب لا يقلل من قيمة إرثه الروائي، بل يثريه ويعمق فهمنا له. 

إنه يكشف لنا أن الواقعية السحرية لم تكن هروبًا من الواقع، بل كانت طريقة ماركيز الفريدة للنظر إليه بعمق أكبر، ورؤية السحر الذي يكمن في تفاصيله الأكثر غرابة. "فضيحة القرن" هو دعوة مفتوحة لاكتشاف الرجل الذي أراد أن يُذكر كصحفي، الرجل الذي وجد في الحقيقة مادته الأثمن لسرد أعظم القصص.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent