## فكري أباظة: فارس الكلمة وشيخ الصحفيين المصريين
يُعدّ محمد فكري حسين
أباظة (1896 - 14 فبراير 1979) واحدًا من أبرز وألمع الشخصيات في تاريخ الأدب
والصحافة السياسية المصرية خلال القرن العشرين. لُقّب عن جدارة بـ"شيخ
الصحفيين" و"فارس الكلمة"، واعتُبر "الصحفي الرائد" الذي
سخّر قلمه وفكره لخدمة قضايا وطنه ومجتمعه. تميزت مسيرته المهنية والشخصية بتنوع
فريد، جامعًا بين المحاماة والسياسة والصحافة والأدب، وحتى الموسيقى والرياضة،
تاركًا بصمات واضحة في كل مجال خاضه.
![]() |
## فكري أباظة: فارس الكلمة وشيخ الصحفيين المصريين |
**نشأته وتعليمه وبواكير نضاله الوطني**
وُلد فكري أباظة عام 1896
في قرية كفر أبو شحاتة بمحافظة الشرقية، لأسرة أباظة العريقة ذات الأصول الشركسية.
كان والده، حسين بك أباظة، من خريجي الأزهر الشريف، وكان من المخطط أن يتبع فكري
نفس المسار، إلا أن والده آثر إرساله مع شقيقيه فؤاد وعثمان إلى مدارس القاهرة
لتلقي تعليم مدني حديث. تخرّج فكري أباظة في مدرسة الحقوق عام 1917، ليبدأ حياته
العملية في مجال المحاماة.
- لم تكن دراسته للحقوق مجرد تحصيل أكاديمي، بل كانت مدخلاً لوعيه الوطني المبكر. ففي فبراير
- 1915، كان أباظة ضمن مجموعة من طلبة الحقوق الذين تم فصلهم بسبب رفضهم استقبال السلطان
- حسين كامل، في موقف احتجاجي جريء على إعلان الحماية البريطانية على مصر وما اعتبروه
- مهادنة
من الخديوي للاحتلال.
**دوره في العمل الوطني والسياسي**
انضم فكري أباظة إلى
الحزب الوطني المصري عام 1921، وكان من مناضلي الحركة الوطنية البارزين. تجلّى
دوره الوطني بوضوح خلال ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول، حيث كان خطيبًا مفوهًا
وقائدًا للثوار. ووفقًا للصحفي فاروق أباظة، كان فكري متواجدًا في أسيوط أثناء
اندلاع الثورة، فخطب في أكبر كنائسها وألّف نشيدًا قوميًا تغنى به المسلمون
والأقباط، مما دفع السلطات البريطانية لطلب القبض عليه، فاضطر للتنكر والهرب إلى
القاهرة.
- لم يقتصر نضاله على الخطابة والمشاركة الميدانية، بل امتد إلى العمل البرلماني. ففي عام 1923
- انتُخب عضوًا بمجلس النواب المصري عن دائرة منيا القمح، وتكرر انتخابه لعدة دورات لاحقة.
- وداخل البرلمان، خاض معارك تشريعية هامة، من أبرزها مساعيه في ثلاثينيات القرن العشرين
- لإلغاء خانة الديانة من الأوراق والمعاملات الرسمية، في رؤية تقدمية سبقت عصرها.
**مسيرته الصحفية الحافلة**
بدأ فكري أباظة مسيرته
الصحفية في صحيفة "المؤيد"، ثم انتقل إلى صحيفة "الأهرام" عام
1919. كانت أولى مقالاته في "الأهرام" بعنوان "كتيب حقير" (9
نوفمبر 1919)، هاجم فيها بشدة ما وصفه بـ"طابور الخيانة" والاحتلال
الإنجليزي. وقد وصف داود بركات، رئيس تحرير الأهرام آنذاك، مقالاته بأنها "نوع
من أنواع الأدب والإنشاء المتميز".
- في عام 1924، انضم إلى مجلة "المصور" محررًا، وسرعان ما أثبت كفاءته ليتولى رئاسة تحريرها
- عام 1926، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1961. خلال هذه الفترة، كتب ما يزيد على 5500
- مقال، تميزت بجرأتها في التصدي للفساد وفضح ممارسات الاحتلال. كما انتُخب نقيبًا للصحفيين
- المصريين عام 1944 ولأربع دورات متتالية، مما يعكس ثقة وتقدير زملائه.
شغل أيضًا منصب رئيس تحرير مجلة "الهلال" الشهرية لعدة سنوات. وفي عام 1961، صدر قرار بإعفائه، يُقال إنه جاء بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر بسبب مقالة سياسية أو دعوته للحوار مع الإسرائيليين. لكنه لاحقًا كتب مقالاً اعتذر فيه عما بدر منه، فعفا عنه عبد الناصر.
**دفاعه عن الحريات وآراؤه التقدمية**
كان فكري أباظة مدافعًا
صلبًا عن الحريات. ففي عام 1948، عارض بشدة محاولات الحكومة لتمرير تعديلات على
قانون العقوبات رأى أنها تستهدف المساس بحق المواطنين في انتقاد السلطة. وفي عام 1939،
وقف بقوة إلى جانب طه حسين عندما تعرض الأخير لهجمة شرسة بعد صدور كتابه "في
الأدب الجاهلي"، وسعى لحماية "فتيات الجامعة من دعاة التزمت والانغلاق".
- أما عن حقوق المرأة، فكانت له آراء مستنيرة، حيث أكد على مساهمات المرأة الفعالة في كافة
- المجالات ونجاحها في المهن التي كانت حكرًا على الرجال، ورأى أن منحها حقوقها هو "اعتراف
- بالواقع". ودحض فكرة أن انشغال المرأة بالعمل العام يعيقها عن واجباتها
الزوجية.
**جوانب أخرى من شخصيته**
لم تقتصر اهتمامات فكري
أباظة على السياسة والصحافة. فقد كان لاعبًا بالنادي الأهلي الرياضي لبعض الوقت،
وانتُخب لاحقًا رئيسًا شرفيًا للنادي. كما كان موسيقيًا هاويًا، وألّف حوالي 100
قطعة موسيقية تُعزف على الناي والمندولين.
- ترك أباظة إرثًا مكتوبًا غنيًا ومتنوعًا، من بين مؤلفاته: "حواديت"، "الضاحك الباكي"، "الحب أبو
- العجائب"، "التليفون"، "ألمانيا على حقيقتها"،
بالإضافة إلى مجموعات عديدة من مقالاته وخطبه.
**وفاته وإرثه:**
توفي فكري أباظة في القاهرة في 14 فبراير عام 1979، تاركًا وراءه سيرة حافلة بالعطاء والنضال. لقد كان نموذجًا للصحفي الملتزم بقضايا وطنه، والمثقف الموسوعي، والسياسي الجريء، والأديب المتمكن.
الختام
ستبقى كتاباته ومواقفه شاهدة على دوره المحوري في تشكيل الوعي المصري والدفاع
عن الحريات في فترة حاسمة من تاريخ مصر الحديث.