recent
أخبار ساخنة

## مصطفى لطفي المنفلوطي: فارس الكلمة ورائد الأسلوب البياني الحديث

الصفحة الرئيسية

 

## مصطفى لطفي المنفلوطي: فارس الكلمة ورائد الأسلوب البياني الحديث

 

يُعدّ مصطفى لطفي المنفلوطي (1876-1924) علماً بارزاً من أعلام الأدب العربي الحديث، وشخصية محورية في فترة النهضة الأدبية التي شهدتها مصر والعالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لم يكن المنفلوطي مجرد كاتب مقالات أو مترجم قصص، بل كان صاحب مدرسة أسلوبية متفردة، استطاع من خلالها أن يمسّ شغاف قلوب ملايين القراء، وأن يعيد للغة العربية الفصحى رونقها وجاذبيتها لدى الجمهور العريض، مقدماً نموذجاً للبيان العربي الرصين الممزوج بالعاطفة الجياشة والحكمة الإنسانية.


يُعدّ مصطفى لطفي المنفلوطي (1876-1924) علماً بارزاً من أعلام الأدب العربي الحديث، وشخصية محورية في فترة النهضة الأدبية التي شهدتها مصر والعالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لم يكن المنفلوطي مجرد كاتب مقالات أو مترجم قصص، بل كان صاحب مدرسة أسلوبية متفردة، استطاع من خلالها أن يمسّ شغاف قلوب ملايين القراء، وأن يعيد للغة العربية الفصحى رونقها وجاذبيتها لدى الجمهور العريض، مقدماً نموذجاً للبيان العربي الرصين الممزوج بالعاطفة الجياشة والحكمة الإنسانية.
## مصطفى لطفي المنفلوطي: فارس الكلمة ورائد الأسلوب البياني الحديث

## مصطفى لطفي المنفلوطي: فارس الكلمة ورائد الأسلوب البياني الحديث


**نشأة وتكوين في رحاب الأزهر وكنوز الأدب القديم**

 

وُلد المنفلوطي في مدينة منفلوط بمحافظة أسيوط المصرية عام 1876م، لأسرة جمعت بين الأصالة المصرية من جهة الأب، والجذور التركية من جهة الأم.

 كانت نشأته في بيئة محافظة، والتحق في مقتبل عمره بالجامع الأزهر الشريف، منارة العلم والمعرفة في العالم الإسلامي آنذاك. شكّلت هذه الفترة مرحلة حاسمة في تكوينه الفكري واللغوي، حيث نهل من علوم الدين واللغة، وتشبع بروح التراث العربي الإسلامي.

 

  • إلا أن نقطة التحول الكبرى في مسيرته كانت لقاءه بالإمام المجدد محمد عبده. لم يكن الإمام مجرد
  •  شيخ يلقي الدروس، بل كان مفكراً إصلاحياً يسعى لتحرير العقل العربي من الجمود والخرافة
  •  وإعادة فهم الإسلام بروح العصر. تأثر المنفلوطي الشاب أيما تأثر بفكر الإمام وأسلوبه، ولزم حلقاته
  •  متشرّباً منه فهماً عميقاً لجوهر الدين، بعيداً عن التزمت والسطحية. كما تركت دعوة الإمام عبده إلى
  •  تبسيط اللغة والاهتمام بالمعنى أثراً واضحاً في توجه المنفلوطي الأدبي لاحقاً.

 

بعد رحيل الإمام محمد عبده، عاد المنفلوطي إلى مسقط رأسه، ليعكف لمدة عامين على دراسة متعمقة لأمهات كتب الأدب العربي القديم.

 غاص في عوالم ابن المقفع بحكمته وأسلوبه السهل الممتنع، والجاحظ ببيانه الساحر وموسوعيته، والمتنبي بشموخه وفخامته الشعرية، وأبي العلاء المعري بفلسفته العميقة ونظرته الثاقبة للحياة. لم تكن هذه القراءة مجرد استيعاب.

  1.  بل كانت حواراً مع عمالقة البيان، استلهم منهم جزالة اللفظ، وقوة العبارة، وجمال التصوير، لكنه لم
  2.  يقع في أسر التقليد الأعمى. لقد كانت هذه الخلوة الأدبية بمثابة المختبر الذي صاغ فيه المنفلوطي
  3.  أدواته، وبلور رؤيته، ليخرج بعدها بأسلوبه الخاص الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 

**"النظرات" و"العبرات" مرآة العصر وصدى الوجدان**

 


## مصطفى لطفي المنفلوطي: فارس الكلمة ورائد الأسلوب البياني الحديث

يُعتبر كتاب "النظرات"، الذي بدأ المنفلوطي في نشر مقالاته منذ عام 1907، العمل المؤسس لشهرته الأدبية الواسعة.

 لم يكن "النظرات" مجرد تجميع لمقالات متفرقة، بل كان سجلاً حياً لهموم المجتمع المصري والعربي في تلك الفترة. تناول فيه بأسلوبه العذب المؤثر قضايا اجتماعية ملحة، وانتقد سلبيات العصر، ودافع عن القيم الإسلامية السمحة، وقدّم رؤى سياسية ونقدية. كما ضمّ الكتاب مجموعة من القصص القصيرة، بعضها من إبداعه الخالص، وبعضها الآخر منقول أو مُعرّب عن آداب أجنبية، تميزت جميعها بلمسة المنفلوطي الإنسانية العميقة.

 

  • ومن أشهر ما ورد في "النظرات" رسالته المعنونة "الأربعون"، التي كتبها بمناسبة بلوغه هذا العمر
  •  وكشف فيها عن حساسية مرهفة ونظرة تأملية حزينة لرحلة الحياة، قائلاً عبارته الشهيرة: «وداعاً يا
  •  عهد الشباب، فقد ودعت بوداعك الحياة، وما الحياة إلا تلك الخفقات التي يخفقها القلب في مطلع
  •  العمر، فإذا هدأت فقد هدأ كل شيء وانقضى كل شيء!». هذه النبرة التي تمزج بين الشجن والتأمل
  •  الفلسفي أصبحت سمة مميزة لكتاباته.

 

إلى جانب "النظرات"، يأتي كتاب "العبرات" ليؤكد مكانة المنفلوطي ككاتب إنساني من الطراز الأول. ضمّ هذا الكتاب مجموعة من القصص الحزينة، معظمها مُعرّب أو مُقتبس بتصرف، تناول فيها مآسي إنسانية، وصور الظلم الاجتماعي، وبكاء المحرومين والمظلومين. نجح المنفلوطي في "العبرات" في استدرار دموع القراء، ليس بهدف الإثارة العاطفية المجردة، بل بهدف إيقاظ الضمائر، والحث على الرحمة والعدل.

 

**خصائص الأسلوب المنفلوطي**

 

يكمن سرّ جاذبية المنفلوطي في أسلوبه الفريد الذي استطاع أن يخاطب العقل والوجدان معاً. يمكن تلخيص أبرز خصائص هذا الأسلوب في النقاط التالية:

 

1.  **البيان والوضوح:** الابتعاد عن التقعر اللفظي والتعقيد التركيبي، والحرص على إيصال المعنى بأقرب طريق وأوضح عبارة.

2.  **الموسيقى اللفظية:** العناية الفائقة بإيقاع الجملة، وحسن اختيار الألفاظ، واستخدام السجع غير المتكلف والجناس المحبب، مما يمنح كتاباته جرساً موسيقياً عذباً يطرب الأذن.

3.  **العاطفة الصادقة:** القدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية بصدق وعمق، سواء كانت فرحاً أو حزناً، أملاً أو يأساً، مما يجعل القارئ يتفاعل وجدانياً مع النص.

4.  **جزالة الألفاظ وفصاحة العبارة:** الاعتماد على المعجم العربي الأصيل، وانتقاء الألفاظ القوية والمعبرة، مع الحفاظ على سلامة اللغة وقواعدها.

5.  **الجمل القصيرة المؤثرة:** الميل إلى استخدام الجمل القصيرة المكثفة التي تحمل شحنة عاطفية أو فكرية قوية، مما يسهل حفظها وتداولها.

6.  **التعريب بتصرف:** في أعماله المترجمة أو المقتبسة، لم يكن المنفلوطي مجرد ناقل أمين، بل كان يتصرف في النص الأصلي، ويضيف إليه من روحه، ويكسوه حلة عربية أصيلة، بحيث يصبح العمل المُعرّب جزءاً من نسيج الأدب العربي. ومن أشهر أعماله في هذا المجال روايات "تحت ظلال الزيزفون" (المعروفة بـ"مجدولين")، و"بول وفرجيني"، و"الشاعر" (المقتبسة عن "سيرانو دي برجراك").

 

**إرث باقٍ وتأثير ممتد**

 

ترك مصطفى لطفي المنفلوطي إرثاً أدبياً غنياً، وأثراً لا يُمحى في مسيرة الأدب العربي الحديث. لقد نجح في إعادة الجماهير إلى أحضان اللغة العربية الفصحى بعد فترة من الركود، ومهّد الطريق أمام أجيال من الكتاب الذين تأثروا بأسلوبه البياني العاطفي. ورغم بعض الانتقادات التي وُجهت إليه أحياناً بالمبالغة في الحزن أو عدم الدقة في بعض تعريباته.

الختام

 يبقى المنفلوطي قامة أدبية شامخة، وفارساً للكلمة استطاع أن ينفذ إلى أعماق الوجدان العربي، وأن يخلّد اسمه كواحد من أبرز رواد النثر الفني في العصر الحديث.


## مصطفى لطفي المنفلوطي: فارس الكلمة ورائد الأسلوب البياني الحديث


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent